الجمعة 20 Sep / September 2024

رياضة "الفن النبيل".. عراقيات يحطمن التقاليد بقبضاتهنّ

رياضة "الفن النبيل".. عراقيات يحطمن التقاليد بقبضاتهنّ

شارك القصة

حازت الحجار الميدالية الذهبية بالملاكمة للنساء بوزن 70 كيلوغرامًا
حازت بشرى الحجار الميدالية الذهبية بالملاكمة للنساء بوزن 70 كيلوغرامًا (غيتي)
عرقلت حلقات العنف المتواصلة، وظهور المجموعات المسلحة والتشدّد، تطوّر الرياضة النسائية في العراق، الذي كان من البلدان الرائدة في هذا المجال.

تتنقل بشرى الحجار بخفة، وهي ترفع قبضتيها لتحمي وجهها، وتوجّه لكمات متلاحقة لخصمها خلال وحدة تدريبية تجريها في النجف، متحديةً التقاليد السائدة في هذه المدينة المحافظة، كما الكثير من العراقيات اللواتي يتجهن لممارسة رياضة الملاكمة.

وتروي الحجار، وهي مدربة لياقة بدنية تبلغ من العمر 35 عامًا وأمّ لفتاة وصبيّ بعمر المراهقة، أنه حتى في "البيت خصّصت غرفة للتدريب، تحتوي على بساط وكيس ملاكمة".

وتشكّل الرياضة بالنسبة إليها شغفًا، فهي تمارس أيضًا الكاراتيه إلى جانب الملاكمة.

وحازت الحجار الميدالية الذهبية بالملاكمة للنساء بوزن 70 كيلوغرامًا، في نزالات بطولة العراق التي أقيمت مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي في العاصمة بغداد.

وقالت هذه الملاكمة الشابة المحجبة: "عائلتي وأصدقائي دعموني كثيرًا وحظيت بتشجيعهم. هم سعداء بالمستوى الذي وصلت إليه".

وتتلقّى الحجار حصتين تدريبيتين كل أسبوع، في صالة رياضية تابعة لجامعة خاصة في مدينة النجف الواقعة وسط العراق، حيث تتولى تدريس مادة الرياضة أيضًا.

خلال تدريباتها، توجّه الملاكمة الشابّة، وهي تضع قناع ملاكمة حول رأسها، لكمات إلى اليسار واليمين نحو قبضات مدربها، وهي تناور بحركات رشيقة ومرنة داخل حلبة ملاكمة مرتدية سروالًا أسود ضيقًا يغطيه سروال رياضي قصير.

تشكّل الرياضة بالنسبة للحجار شغفًا، فهي تمارس أيضًا الكاراتيه إلى جانب الملاكمة
تشكّل الرياضة بالنسبة للحجار شغفًا، فهي تمارس أيضًا الكاراتيه إلى جانب الملاكمة (غيتي)

"مجتمع محافظ"

وتُدرك هذه الرياضية أن ممارستها للملاكمة تثير الكثير من الاستغراب والجدل، ولا سيما في مدينة مثل النجف التي تعد إحدى أهم المدن المقدسة لدى الشيعة، وتسود فيها تقاليد اجتماعية صارمة.

وبهذا الشأن، قالت: "واجهتنا صعوبات كثيرة، نحن في مجتمع محافظ ويتمتع بتقاليد محافظة جدًا يصعب عليه تقبّل هذا الأمر".

تتذكر الحجار العقبات والعراقيل التي واجهت أول صالة تتدرّب فيها النساء، قبل افتتاحها وكيف أصبحت تشهد إقبالًا من المتدربات فيما بعد. لكنّها تشير إلى أن "المجتمع بدأ الآن يتقبل الأمر بشكل كبير، وثمة الكثير من الصالات الرياضية والمسابح" بعدما "كان هناك تحفظ".

من جهتها، تسدّد علا مصطفى (16 عامًا)، مفعمة بعلامات التحدي على وجهها، لكمات متسارعة لكيس الملاكمة، مرتدية الحجاب وملابس رياضية بيضاء.

وقالت مصطفى: "مجتمعنا ذكوري يحارب المرأة الناجحة والمتطلعة إلى تجارب حياتية عدة".

وعلى الرغم من ذلك، تلقت علا دعمًا من والديها وشقيقها ومدرّبها. وأوضحت: "علينا أن نمضي بالتدريب واكتساب المهارة في هذا النوع من الرياضة. من المؤكد سيتقبل المجتمع ذلك تدريجيًا وتلقائيًا".

تتدرّب علا مصطفى في قاعة تابعة لجامعة خاصة في مدينة النجف
تتدرّب علا مصطفى في قاعة تابعة لجامعة خاصة في مدينة النجف (غيتي)

إقبال متزايد

بدوره، أقرّ رئيس الاتحاد العراقي للملاكمة علي تكليف بأن "الملاكمة النسائية حديثة العهد لكنها تشهد إقبالًا متزايدًا رغم طبيعة المجتمع العراقي وتقاليده".

وأضاف تكليف: "لدينا أكثر من عشرين ناديًا رياضيًا في عموم البلاد تمارس فيها فرق نسوية لعبة الملاكمة أغلبها (بأعمار) أقل من عشرين سنة".

وتحدّث عن إقامة أول بطولة محلية للملاكمة النسوية في ديسمبر الماضي، تنافست خلالها أكثر من 100 ملاكمة من عموم العراق.

وأوضح: "حسب نتائج هذه البطولة نستطيع اختيار منتخب العراق النسوي الذي يستعد للمشاركة في بطولة العرب في مارس/ آذار المقبل، في مصر وكذلك بطولة آسيا في الأردن لفئتي الناشئات والشابات".

واعتبر أن "اللعبة تعاني مثل بقية الألعاب في العراق من غياب البنى التحتية ومراكز التدريب المتخصصة وكذلك الافتقار إلى التجهيزات بالنسبة إلى فرق النساء".

الملاكمة النسائية تشهد إقبالًا متزايدًا رغم طبيعة المجتمع العراقي وتقاليده
الملاكمة النسائية تشهد إقبالًا متزايدًا رغم طبيعة المجتمع العراقي وتقاليده (غيتي)

تحديات وعراقيل

وكان العراق من الدول الرائدة في الألعاب النسائية مثل كرة السلة والكرة الطائرة والدراجات الهوائية، خصوصًا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتصدّر في تلك الفترة المنافسات الإقليمية والعربية.

لكنَ حلقات العنف المتواصلة، وظهور المجموعات المسلحة والتشدّد، عرقلت تطوّر الرياضة النسائية في البلاد، على الرغم من أنها نمت في إقليم كردستان، الذي كان بمنأى نسبيًا عن تلك المراحل من العنف.

وعانت الرياضة النسائية من التراجع بفعل التغيرات السياسية والظروف التي مرت بالعراق، من الحصار الاقتصادي إلى الحروب التي أضعفت النمو والبنى التحتية.

أما خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأت الأمور تتبدل، وظهرت فرق رياضية نسائية من جديد ولا سيما في رياضة الـ"كيك بوكسينغ" على سبيل المثال.

وراثة

في مدينة العمارة جنوبًا، تتوارث عائلة هاجر غازي ممارسة الملاكمة، أو كما تعرف برياضة "الفن النبيل"، فوالدها ملاكم سابق، يشجّعها ويساندها لاحتراف هذه الرياضة.

وحصلت هاجر (13 عامًا) على الميدالية الفضية في منافسات فئة الناشئين خلال البطولة الأخيرة في العاصمة، وتمارس شقيقتاها الملاكمة أيضًا، وكذلك شقيقها الأكبر علي.

وقالت ساخرةً: "والدنا يدعمنا أكثر من الدولة".

تستعد هاجر غازي للمشاركة في دورة عالمية في الملاكمة
تستعد هاجر غازي للمشاركة في دورة عالمية في الملاكمة (غيتي)

واعتبر الوالد حسنين (55 عامًا)، الذي يعمل سائق شاحنة والحائز على عدد من الميداليات المتنوّعة في حقبة التسعينيات، أن "المرأة لها حقٌّ في ممارسة أنواع الرياضة. هذا أمر طبيعي"، رغم إقراره بأن هناك "تحسسًا في القيم والعادات العشائرية من المفترض أن يؤخذ في الاعتبار".

وأضاف مستغربًا: "تصوّر، حين يريد المدرّب تدريب اللاعبات على الركض لتعزيز اللياقة البدنية، يضطر لأخذهن إلى خارج المدينة".

تابع القراءة
المصادر:
أ ف ب
Close