نشر موظفو شركة "فيسبوك" عريضة داخلية تطالب الشركة بالتحقيق في أنظمة تعديل المحتوى التي دفعت العديد من الفلسطينيين إلى القول: إن "أصواتهم تخضع للرقابة"، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية الذي أسفر عن 288 شهيدًا بينهم 69 طفلًا و40 سيدة و17 مسنًّا، إلى جانب أكثر من 8900 مصاب، بينهم 90 إصاباتهم "شديدة الخطورة".
ولطالما اتهم النشطاء الفلسطينيون والمتضامنون مع القضية؛ شركات التواصل الاجتماعي بفرض رقابة على المحتوى المؤيد للفلسطينيين. وتفاقمت القضية خلال العدوان الأخير.
ويتم اتخاذ قرارات الإشراف على المحتوى في فيسبوك بواسطة متعاقدين وخوارزميات من جهات خارجية، وتعاني هذه العملية من مشاكل، لا سيما في البلدان غير الناطقة باللغة الإنكليزية.
وبعد أن قامت منصة "إنستغرام" بتقييد وسم يشير إلى المسجد الأقصى، نسق نشطاء مؤيدون للفلسطينيين حملة لترك تقييمات نجمة واحدة لفيسبوك في متجر التطبيقات.
وكتب موظفو فيسبوك في العريضة: يشعر مستخدمونا ومجتمعنا أننا مقصّرون في الوفاء بوعدنا بحماية التعبير المفتوح حول الوضع في فلسطين.
وأشاروا إلى التوضيحات حول الموضوع في الصحافة ومن أعضاء الكونغرس، كما استدلوا بانخفاض تصنيف تطبيقات فيسبوك ضمن متاجر التطبيقات.
وأضافوا: "نعتقد أن فيسبوك يمكنها ويجب عليها فعل المزيد لفهم مستخدميها، والعمل على إعادة بناء ثقتهم".
تعديل قرارات المحتوى العربي والإسلامي
ونشرت الرسالة عبر منتدى داخلي من قبل موظفين في مجموعات تسمى "فلسطينيون" و"مسلمون"، وفي متنها 174 توقيعًا.
ويطلب الموظفون من فيسبوك إجراء تدقيق خارجي لقرارات تعديل المحتوى المتعلقة بالمحتوى العربي والإسلامي.
ويريدون أيضًا من خلال الرسالة مراجعة منشور من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف فيه مدنيين فلسطينيين بالإرهابيين، من قبل مجلس الرقابة المستقل للشركة.
770 انتهاكًا للمحتوى الفلسطيني بمايو
وتأتي هذه الخطوة في ظل الانتهاكات التي يتعرض لها المحتوى الفلسطيني على الإنترنت.
ووثق مركز "صدى سوشال" المختص في حماية المحتوى الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي، أكثر من 770 انتهاكًا تعرض له المحتوى خلال مايو/ أيار الماضي.
وأوضح المركز، في بيان يوم الأربعاء، أن هذه النسبة هي الأعلى التي وثقها منذ سنوات، وكان لافتًا أن هذه الانتهاكات توزعت على غالبية منصات التواصل العالمية.
وأشار إلى أنه شرع في حراك قانوني ضد شركة "فيسبوك" في لندن بالتعاون مع شبكات إخبارية وحسابات فلسطينية ومكتب محاماة دولي، فيما وجه رسالة إلى مقرر الأمم المتحدة المعني بحرية التعبير حول هذه الانتهاكات.
وأضاف أن نسبة الانتهاكات في حق المحتوى الفلسطيني ارتفعت بشكل لافت ومتصاعد مع بداية هبة حي الشيخ جراح، وأحداث القدس المحتلة والعدوان الإسرائيلي على غزة، مع ارتفاع مسبوق في طلبات الاحتلال الإسرائيلي لمنصات التواصل الاجتماعي التضييق على المحتوى الفلسطيني.
وبين أن "فيسبوك" تصدر مجمل الانتهاكات بواقع 350 انتهاكًا، يليه "تويتر" 250، و"إنستغرام" 100 انتهاك، و"تيك توك"50 انتهاكًا، و"واتساب" 20 رقمًا، و10 انتهاكات على "اليوتيوب".
أنواع الانتهاكات
وتنوعت هذه الانتهاكات بين الحظر الكامل وتعليق بعض الميزات، وإغلاق تام للحسابات أو الصفحات أو تقييد وصول المنشورات إلى الجمهور.
وكان لافتًا قيام تطبيق "إنستغرام" وفي ذروة التضامن الدولي مع قضية طرد أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم بتقييد حساب منى الكرد الناشطة الإعلامية وإحدى سكان الحي، كما حجب وقيد وصول هاشتاغ "الأقصى" الذي كان من الأكثر تداولًا خلال فترة التصعيد في المسجد الأقصى بشهر رمضان.
وأوضح المركز أن التطبيق حذف منشورات وقيّد حسابات ومنع البث المباشر لعدد من الصحافيين والنشطاء الفلسطينيين، بالتزامن مع كثافة النشر لمتابعة الأحداث الميدانية واعتداء الاحتلال على القدس والمسجد الأقصى والعدوان على غزة.
وأشار إلى أن موقع "تويتر" حذف مئات الحسابات الفلسطينية والعربية بعد نشرها مواد ورسائل تضامنية مع الشعب الفلسطيني، كان أبرزها ملاحقة الأوسمة التي تنشر عن حي الشيخ جراح، وأخرى عن جرائم الاحتلال والرواية الفلسطينية في غزة.
وتابع أن تطبيق "تيك توك" حذف العديد من الحسابات لصحافيين ومؤسسات إعلامية فلسطينية وعربية في مقدمتها حسابات شبكة "قدس" ووكالة "صفا"، وذلك بعد ساعات فقط من اجتماع وزير القضاء الإسرائيلي بيني غيتس مع إدارة الموقع.
ضربة قاسية للشعب الفلسطيني
واستنكر المركز تغاضي مواقع التواصل الاجتماعي عن دعوات المستوطنين لحرق الأطفال واغتصاب النساء الفلسطينيات، واعتبر أنه "تآمر جديد وضربة قاسية للشعب الفلسطيني".
وأطلق المركز مع عدد من المختصين في مواقع التواصل والإعلام الجديد؛ مبادرة "الغرفة الموحدة للأنشطة الرقمية الفلسطينية"، بهدف توحيد الجهود الرقمية في فلسطين، وتوجيه هذه الجهود والأنشطة إلى الآليات والطرق الفعالة والأكثر كفاءة، للتعامل مع الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية.
حرب "الرواية" على شبكات التواصل الاجتماعي
ويرى نديم الناشف، المدير التنفيذي للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي في فلسطين، أن شبكات التواصل منحازة للجانب الإسرائيلي، حيث يتّبع الاحتلال سياسة الضغط على إدارة هذه الشركات، وذلك عن طريق علاقات سياسية ومالية؛ مما يؤثر على التعريفات والمصطلحات، لا سيما ما يتعلق بخطاب الكراهية.
وفي حديث إلى "العربي"، يقول الناشف: إننا نخوض حربًا على "الرواية"، لأن الاحتلال يحاول طمس الرواية الفلسطينية بشتى الوسائل، خصوصًا على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال إظهار الرواية الإسرائيلية بلغات متعددة.
وعلى الرغم من التضييقيات التي تمارسها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي على المحتوى المتعلق بفلسطين، مبررة ذلك بأخطاء تقنية، لا يزال المشهد الفلسطيني يحتل مساحة لافتة في العالم الافتراضي، ويتصدّر الوسوم الأكثر تداولًا على مختلف المنصّات.