في أول موقفٍ منذ قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد "إعفاءه" من منصبه، ضمن سلسلة القرارات التي اتخذها أمس، ووُصِفت بـ"المحاولة الانقلابية"، أعلن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي أنه سيسلم رئاسة الحكومة لأي شخص يكلفه الرئيس قيس سعيّد حرصًا على وحدة البلاد.
وشدّد المشيشي، في بيان أصدره، على أنّ "أمن وسلامة المواطنين أولوية" بالنسبة إليه، مؤكدًا أنّه لن يكون "عنصر تأزيم للوضع الراهن".
ولفت إلى أنّ "التباين بين التيارات السياسية عطل عجلة العمل الحكومي خلال الفترة الماضية".
أصعب الفترات التي مرّت على تونس
وفي بيانه، أكد المشيشي أنّه كان له "شرف خدمة تونس" في العديد من المواقع، متعهّدًا بالبقاء دائمًا على العهد الذي قطعه في خدمتها أيًا كان موقعه.
وقال: "لقد تسلّمت مسؤولية رئاسة الحكومة منذ سنة في أصعب الفترات الّتي مرّت على تونس عبر تاريخها"، وذلك في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة نتيجة فشل النّخب السياسية المتعاقبة طيلة السنوات الأخيرة في إرساء منظومة تستجيب لتطلّعات المواطن، وقد عمّقتها جائحة الكورونا، والتي وضعته وفريقه الحكومي أمام خيارات صعبة.
ولفت إلى أنّه لم يتردّد في القبول بتكليفه بتشكيل الحكومة وقيادة المرحلة، رغم علمه بحجم الصعوبات ودقة المرحلة، وذلك "من منطلق المسؤولية تجاه وطن أدين له بالكثير كنتاج للمصعد الاجتماعي وللمنظومة العمومية منذ التعليم الابتدائي وصولًا إلى العمل بالإدارة التونسية في العديد من المواقع والمسؤوليات العليا".
احتقان وشعور باليأس
وأشار المشيشي إلى أنّ الحكومة واجهت العديد من الصعوبات كشبح إفلاس الدولة، "والذي تمكنا بفضل التنسيق مع المنظمات الوطنية من تجنبه إلى حدّ الساعة على الرغم من تشبثي بمنطق تواصل الدولة وتأكيدي على مواصلة الالتزام بتعهدات الحكومات التي سبقتني والتي شرعت فعلًا في تطبيقها".
وشدّد على أنّ "الصعوبة الأكبر كانت التوفيق بين خيار الاستقلالية وعدم التحزب والمتطلبات الموضوعية للعمل الحكومي والتي تقتضي المحافظة على أغلبية في المجلس النيابي حتى تتمكن الحكومة من بلورة تصوّراتها إلى نصوص تشريعية نافذة".
وأعرب عن "تفهّمه" لما وصفها بـ"حالة الاحتقان والشعور باليأس لدى العديد من بنات وأبناء وطننا نتيجة التأخّر الكبير في إنجاز الاستحقاقات التّي طال انتظارها مما أدّى إلى غياب الثقة في الطبقة السياسية وفي مختلف الحكومات المتعاقبة".
المشيشي "لن يتمسّك" بأي منصب
وقال المشيشي إنّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يكون "عنصرًا معطّلًا أو جزءًا من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدًا".
وبناءً على ذلك، أعلن أنّه سيقف إلى جانب الشعب واستحقاقاته، رافضًا التمسّك بأيّ منصب أو مسؤولية في الدولة.
وأكد أنه سيتولّى "تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلّفها رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنّة التّداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة"، متمنّيًا كلّ التوفيق للفريق الحكومي الجديد.
وختم بيانه بالتأكيد أنّه سيواصل خدمة تونس من أي موقع كان.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن ليلة أمس سلسلة قرارات مثيرة للجدل، بينها "تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي، ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي"، مشيرًا إلى أنّه سيتولى السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة، ويعيّنه رئيس الجمهورية.
وقد خرج سعيّد بهذا الإعلان في الذكرى 64 لعيد الجمهورية التونسية، زاعمًا أنّه جاء استنادًا إلى الفصل 80 من الدستور التونسي.
ولم تمرّ ساعات قليلة، حتى عادت الرئاسة التونسية وقالت إن تجميد أنشطة البرلمان "سيستمرّ 30 يومًا عملًا بالفصل 80 من الدستور".
وقد قوبلت القرارات الاستثنائية بموجة من الرفض من كبرى الكتل النيابية التي اعتبرتها "محاولة انقلابية".