الخميس 19 Sep / September 2024

تواطؤ وعلاقات سرية مهّدت للتغلغل.. كيف استطاعت إسرائيل اختراق إفريقيا؟

تواطؤ وعلاقات سرية مهّدت للتغلغل.. كيف استطاعت إسرائيل اختراق إفريقيا؟

شارك القصة

فقرة من "أنا العربي" تلقي الضوء على اختراق إسرائيل للقارة الإفريقية والوصول إلى خاصرة العرب (الصورة - غيتي)
تسعى إسرائيل لاستغلال الإمكانيات الاقتصادية للقارة السمراء، حيث الفرص في أسواق التكنولوجيا وتجارة الأسلحة وتقنيات الأمن، إلى جانب كنوز إفريقيا الأخرى.

على مدار عقود، وبوجود حاجز دبلوماسي عربي، لم تستطع إسرائيل تحقيق حلمها بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي.

إلا أن هذا الحاجز العربي تهاوى. وبعد رفض عضويتها لمرات ثلاث في السابق، دخلت تل أبيب اتحاد القارة السمراء بحصولها للمرة الأولى على صفة "مراقب" في تموز/ يوليو الماضي، بموجب قرار فردي من رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي، الذي تحاصره تُهم "فساد وتحرش".

واعترضت 7 دولٍ عربية بشكل رسمي على القرار، بينما التزمت ثلاث دول أخرى الصمت حياله.

وبهذا القرار، دخلت تل أبيب، التي أغرقت حلفاءها في القارة الإفريقية بالأسلحة والتدريب والتكنولوجيا، عمق القرار السياسي في القارة من أوسع أبوابه، بعد أن ثبّتت أقدامها في العمق الاقتصادي، بحسب ورقة "تقدير موقف" صادرة عن وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

من المقاطعة إلى التطبيع

قاطعت الدول الإفريقية إسرائيل لعقد من الزمن، وتحديدًا بعد احتلال تل أبيب لسيناء وهزيمة يونيو/ حزيران عام 1967. وترافقت هذه المقاطعة مع سنوات من الدعم الإفريقي للقضية الفلسطينية، والرفض القاطع لاعتداء إسرائيل على مصر، البلد الذي تربّع سياسيًا على عرش القارة لسنوات.

في السبعينيات، أصبحت مصر أولى الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، بعد اتفاقية كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام عام 1979. وبالتالي عادت إسرائيل إلى إفريقيا مجددًا، من الباب الكبير: مصر.

وكانت هذه العودة صاخبة، حيث استغلّت إسرائيل الأمر، وشيّدت جسورًا سياسية واقتصادية بين عواصم إفريقية وتل أبيب.

وكانت بعض تلك العلاقات على استحياء، وظلّت الأخرى طي الكتمان والسرية لسنوات، حتى جاء موعد إخراجها إلى العلن، حينما أرادت إسرائيل اختراق قلب وعقل القارة السمراء، أي منظمة الاتحاد الإفريقي.

وفي يونيو/ حزيران عام 2014، بدأت الحكومة الإسرائيلية جولات رسمية شملت رواندا وساحل العاج وغانا وأثيوبيا وكينيا، وقادها وزير الخارجية آنذاك، أفيغدور ليبرمان، بهدف رئيسي تمثّل في تعزيز مساعي إسرائيل في الحصول على صفة المراقب في الاتحاد الإفريقي.

عام 2016، حاولت إسرائيل تعزيز حضورها في أفريقيا مجددًا، من خلال جولة أخرى قادها هذه المرة رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو. وشملت الجولة 4 دول: أوغندا، وكينيا، ورواندا، والحليف الإفريقي الأول حاليًا لإسرائيل: إثيوبيا.

وفي الوقت نفسه، خصّصت إسرائيل ميزانية بقيمة 13 مليون دولار لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية. فكانت جولة نتنياهو إيذانًا بعودة إسرائيل العلنية إلى القارة السمراء.

فشل القمة الإسرائيلية الإفريقية

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، دفعت إسرائيل نحو تنظيم قمة إسرائيلية - أفريقية في توغو، تجمع رؤساء الدول الإفريقية باستثناء الدول المغاربية.

إلا أن تلك القمة أُلغيت؛ الأمر الذي اعتُبر ضربة لمساعي نتنياهو من أجل كسب أصوات لصالح مشروع الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، خاصّة وأن طلب إسرائيل الانضمام إلى المنظمة كان قد رُفض ثلاث مرات، في أعوام 2013 و2015 و2016.

ورغم الإحباط الذي مُنيت به إدارة نتنياهو، إلا أن ذلك لم يمنعه من تعزيز نفوذ إسرائيل السياسي والعسكري والاستخباراتي، خاصة في كل من روندا وأثيوبيا.

إسرائيل ومكاسب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي

يضمّ الاتحاد الإفريقي 55 دولة، إضافة إلى السلطة الفلسطينية التي تحمل صفة عضو مراقب، ويقع مقرّه في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

في المقام الأول، يمثل الاتحاد جزءًا من إستراتيجية تل أبيب للتأثير في المنطقة العربية التي تحتضنها القارة السمراء، حيث تسعى إسرائيل إلى التحالف مع جيران هذه المنطقة الذين يمثلون عمقها الإستراتيجي.

كما يمثّل جزءًا هامًا من مخطط يسعى لكسب التأييد الإسرائيلي على المستوى العالمي، حيث تأمل تل أبيب بأن يمنع انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي، تصويت الدول الإفريقية ضدها في المحافل الدولية.

كما تسعى تل أبيب لاستغلال الإمكانيات الاقتصادية للقارة السمراء، حيث الفرص المتاحة في سوق التكنولوجيا وتجارة الأسلحة وتقنيات الأمن المتخصصة، إلى جانب التعدين والطاقة والبنية التحتية، وغيرها من كنوز أفريقيا التي تحلم بها تل أبيب.

أضف إلى كل ذلك، رغبة إسرائيل في نفي صفتي العنصرية والاحتلال عن نفسها، عبر قبولها في دول العالم الثالث. وتزداد تلك الرغبة مع التصاق تهم "الأبارتايد" أو نظام الفصل العنصري بإسرائيل. وبالتالي، لا يوجد سبيل لتبييض الوجه أفضل من الاتحاد الإفريقي، الذي يضمّ جنوب أفريقيا، وهي الدولة التي قضت على هذا النظام وأعلنت انتهاءه مطلع تسعينيات القرن الماضي.

حلقة من أرشيف برنامج "الخط الأخضر" تسلط الضوء على التغلغل الإسرائيلي الاقتصادي والعسكري في أفريقيا (الصورة: غيتي)

انحسار عربي في القارة السمراء

وفي مقابل التوسّع الإسرائيلي في افريقيا، شهدت القارة السمراء انحسارًا عربيًا، رغم كونها من أبرز الداعمين للقضايا العربية خلال العقود الأولى بعد التحرّر من الاستعمار الغربي.

وبالفعل، ازداد اتساع الشرخ بين العالم العربي وأفريقيا مؤخرًا، بعد أن فقدت القوى العربية الأشد تأثيرًا في المنطقة، وبالتحديد مصر، عمقها الإفريقي لصالح قوى أفريقية أخرى مثل أثيوبيا.

عام 2019، وصل نتنياهو إلى تشاد في زيارة للتباحث حول إمكانية فتح سفارة تشادية في القدس المحتلة، على غرار أميركا ودول أخرى. وحملت الزيارة أيضًا العنوان الدائم لزيارات أي مسؤول إسرائيلي لأفريقيا: "تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي".

بعد تلك الزيارة، غرّد رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلًا: "إسرائيل عادت إلى أفريقيا.. وأفريقيا عادت إلى إسرائيل".

اتفاقات التطبيع

كانت تلك العبارة فاتحة اتفاقات تطبيع وقّعتها إسرائيل مع السودان والمغرب، اللذين أعلنا تطبيع علاقتهما إلى جانب الإمارات والبحرين.

كما أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع تشاد عام 2019، التي كان موسى فكي رئيسًا لوزرائها بين عامي 2003 و2005، ووزيرًا لخارجيتها بين عامي 2008 و2017، أي قبل انتخابه رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي عام 2017.

في ذلك الوقت، تعهّد نتنياهو بإنفاق نحو مليار دولار في أفريقيا على مدار 4 سنوات، لتحسين مشاريع الطاقة.

وهكذا، أصبحت الدول الإفريقية في غنى عن تبرير علاقاتها مع إسرائيل، أمام مسارعة دول عربية للتطبيع، على الرغم من أن الدول الإفريقية ظلت لفترة طويلة مناصرة للقضية الفلسطينية، بل وشكّلت حجر عثرة على طريق قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد، خاصة خلال رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الإفريقي.

وبحلول عام 2021، بدا أن اللحظة مناسبة لإسرائيل للانقضاض على الاتحاد الإفريقي واقتناص حلمها القديم، الذي لم تنجح في تحقيقه طوال 19 عامًا.

في 22 يوليو 2021، حصلت إسرائيل على عضويتها في الاتحاد الإفريقي بصفة "مراقب"، لتُحقّق بذلك حلمًا قديمًا سعى إليه نتنياهو منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة، وحصل بعد خروجه منها بشهر واحد فقط.

حيثيات القرار والاعتراض العربي "المتأخّر"

بطريقة احتيالية، مرّر رئيس المفوضية موسى فكي القرار منفردًا، إذ لم يُبحث الطلب الإسرائيلي مع الدول الأعضاء في الدورة الـ 34 لمؤتمر الاتحاد الذي انعقد قبل نحو 6 أشهر. لا وبل مرّره بتواطؤ قديم من دولة المقرّ أثيوبيا، وسط صمت عربي أفريقي.

صمت لم يكسره في البداية سوى الجزائر، التي تقود مساعي دبلوماسية مع جنوب أفريقيا، لإبطال عضوية إسرائيل.

وتبنّت الجزائر وحلفاؤها في الاتحاد، مبادرة تُشدّد على ضرورة تعديل ميثاق الاتحاد الإفريقي، بما يضمن عدم السماح لأي دولة خارج القارة، تقوم على أي أساس باحتلال أراضي الغير، بالحصول على أي صفة داخل الاتحاد.

كما تسعى المبادرة إلى منع انفراد مفوضية الاتحاد بقرارات حساسة، على غرار قرار موسى فكي، المتّهم بالفساد، والتحرّش الجنسي، وممارسة الترهيب في المفوضية، وفق تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية.

في 3 أغسطس/ آب 2021، أي بعد مرور نحو أسبوعين على قبول عضوية إسرائيل، قدّمت 7 دول عربية- وهي: الجزائر، ومصر، وليبيا، وتونس، وموريتانيا، وجزر القمر، وجيبوتي- اعتراضًا على الإجراء الذي قام به رئيس مفوضية الاتحاد.

واعتبرت الدول السبع، في رسالتهم للاتحاد، أن ما فعله فكي هو "تجاوز إجرائي وسياسي غير مقبول".

وبينما وقّعت هذه الرسالة دول عربية غير أعضاء في الاتحاد، مثل قطر، والكويت، والأردن، والسلطة الفلسطينية، واليمن، إضافة إلى بعثة جامعة الدول العربية؛ التزمت بقية الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، المغرب، والسودان، والصومال، الصمت حيال القرار، على الرغم ممّا يحمله انضمام إسرائيل من تهديد صريح لأمن ومصالح دول عربية أفريقية عديدة، وأخرى لها مصالح ووجود في القارة السمراء.

كما أن القرار جاء بعد شهرين فقط من عدوان إسرائيلي غاشم على قطاع غزة، وفي وقت تتصاعد فيه الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية في القدس والضفة الغربية.

لكن.. ماذا بعد انضمام إسرائيل إلى الاتحاد؟

أوضحت ورقة "تقدير الموقف"، الصادر ة عن المركز العربي، أن إسرائيل تُدرك أهمية الاعتراف بها رسميًا في الاتحاد الإفريقي.

ورغم أن لإسرائيل علاقات رسمية وسرية تربطها بـ46 دولة عربية وأفريقية، في إطار اتفاقيات تعاون عسكري وأمني واقتصادي، إلا أن قرار الانضمام يمنحها إنجازًا معنويًا، إضافة إلى بعض الامتيازات، من بينها الوصول إلى القنوات الرسمية للتأثير في القضايا التي تهم مصالحها، وعلى رأسها تقويض التعاطف الإفريقي مع القضية الفلسطينية.

وتبرز قيمة هذا الإنجاز لدى إسرائيل، من خلال الاحتفال والاحتفاء البالغين اللذين أظهرهما وزير الخارجية الإسرائيلي عندما أعلن خبر قبول عضوية بلاده مراقبًا في الاتحاد، باعتباره تتويجًا لجهودٍ استمرت 20 عامًا.

وهكذا، اخترقت إسرائيل قلب القارة السمراء، وأصبحت في خاصرة العرب مرة أخرى!

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close