عادت مشاهد الدماء والأشلاء لتتصدر المشهد العراقي مجدداً، مع الهجوم الانتحاري المزدوج الذي استهدف سوقاً مزحمة في ساحة الطيران وسط العاصمة بغداد، وأدّى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيّين.
وتتمثّل خطورة هذا الهجوم بأنّه الأول من نوعه منذ 18 شهرًا، علمًا أنّ التفجيرات الانتحارية باتت نادرة في العراق منذ إلحاق الهزيمة بـ "تنظيم الدولة" في العام 2017، ولو أنّ خلايا من التنظيم بقيت ناشطة في مناطق متفرّقة.
ومع تبنّي "تنظيم الدولة" للهجوم، بعدما وُجّهت أصابع الاتهام إليه منذ اللحظة الأولى، باعتبار أنّه سبَق أن استخدم هذا الأسلوب في هجمات سابقة، تُطرَح علامات استفهام عن عودة هذا التنظيم إلى الساحة العراقية، ومدى قدرته على تنفيذ عمليات نوعية جديدة.
الهجوم هو الأول من نوعه في #العراق منذ نحو عامين pic.twitter.com/w3gazLkVIt
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) January 21, 2021
خرق فاضح
يعتبر الباحث في الشؤون الأمنية سرمد البياتي أنّ ما حصل في بغداد "خرق أمني واضح وفاضح"، مشيرًا إلى أنّ عودة "تنظيم الدولة" بهذا الأسلوب بعد سنواتٍ من الاستقرار أمرٌ مريب وغير معقول.
ويطرح البياتي، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، مجموعة من علامات الاستفهام حول ملابسات التفجير، عن المحرّك للتنظيم، ومن الذي جهّز الانتحاريّين، ومن الذي استضافهم، معتبرًا أنّ وجود "مضافات" في بغداد أمرٌ خطيرٌ جدًا.
ويلفت البياتي إلى أنّ الاعتقاد السائد كان أنّ عمل التنظيم بات مقتصرًا على محافظات معينة وضواحيها أي أماكن في الأطراف والقرى، وبموجب أسلوب حرب العصابات، لكنّ هذا الهجوم غيّر كلّ هذه القناعات.
وإذ يلفت إلى أنّ هذه العملية أعِدّ لها منذ شهر على الأقل، يسأل عن عمل الوكالات الاستخبارية، وكيف استطاع التنظيم الوصول إلى قلب بغداد لتنفيذ عمليته.
تساؤلات كبيرة
من جهته، يتحدّث مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي عن توقيت "مريب" للعملية، لافتاً إلى "شكوك" أيضًا حول طبيعة الاستثمار السياسي من استهداف ساحة الطيران وسط بغداد.
ويوضح الكبيسي، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، أنّ هذه المنطقة تعرضت إلى عشرات التفجيرات طوال السنوات الماضية، وكان هذا أمراً مستغرباً جداً لأنّ هذه المنطقة تُعَدّ تجمّعاً لعمال المياومة ومكانًا لبيع الملابس المُستعمَلة، وبالتالي هي منطقة فقيرة ومعظم من يرتادها من الفقراء.
ويشدّد الكبيسي على أنّ المشكلة في العراق أنّه لا وجود لتحقيقات مهنية وحقيقية تجري حول طبيعة التفجير، بمعنى أنه عند حدوث أي تفجير من هذا النوع يتم اتهام التنظيمات الإرهابية من دون أي تحقيق جدي ما يؤدي إلى اختلاط العمليات الإرهابية بالعمليات السياسية التي يكون هدفها الاستثمار السياسي.
كما يلفت إلى مشكلة أخرى، تتمثل بغياب مركزية القرار الأمني، مشيرًا إلى وجود نوع من التنازع حول القرار الأمني وهناك عشرات الهيكليات الأمنية. ويعتبر أنّ هذا الأمر غالبًا ما يكون سببًا في ضعف الفعالية الأمنية في مواجهة هذا النوع من التهديدات.
وفيما يتحدّث عن تقييمات خاطئة لطبيعة "تنظيم الدولة" وقوته إذا ما ثبت أنه من قام بهذه العملية، بعدما أعلن المسؤولون في العراق قبل أسابيع "نهايته"، يطرح في الوقت نفسه تساؤلات كبيرة حول قدرة التنظيم على القيام بعمليات نوعية من جديد.