الإثنين 18 نوفمبر / November 2024

كارثة هيروشيما.. كيف خرجت اليابان من أفظع هجوم نووي في العالم؟

كارثة هيروشيما.. كيف خرجت اليابان من أفظع هجوم نووي في العالم؟

شارك القصة

Mangomolo Video
تروي الحلقة قصة إلقاء الولايات المتحدة الأميركية للقنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من أغسطيس 1945، ما أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص جراء الانفجار والتعرض للإشعاعات، وتقدم قصصا وشهادات لناجين من الانفجار وكيف عاشوا تفاصيل تلك الكارثة، كما تستعرض الحلقة كيف أثرت هذه الحادثة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا على اليابان، وكيف استطاع اليابانيون إعادة بناء بلادهم بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية لتصبح ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم
بالنظر إلى حجم الدمار وقصص الألم في هيروشيما فإن خروجها من بين الركام جعلها مثالًا للوعي بأهمية السلام بدلًا من أن تكون دافعًا للانتقام.

وضعت الولايات المتحدة في السادس من أغسطس/ آب عام 1945 نهاية سريعة للحرب العالمية الثانية حين قصفت مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرّية، حيث أطلقت القنبلة موجة من الحرارة وصلت للحظة إلى 3000 – 4000 درجة مئوية وأودت بحياة ما يزيد عن مئة ألف شخص.

تسببت القنبلة في إحراق 90% من مباني مدينة هيروشيما اليابانية وحوّلت 40% من الأراضي الزراعية إلى رماد، حيث بدت أرض هيروشيما كالمقبرة ولكن زهرة القنا الحمراء الأولى التي نبتت من تحت الركام أعلنت مرحلة جديدة في تاريخ اليابان. نهضت البلاد من ركام الحرب لتصبح ثالث أقوى اقتصاد في العالم.

تجربة "مأساوية ولا إنسانية"

وفي تفاصيل الكارثة التي حلت بهيروشيما قبل نحو 77 عامًا، يسرد أويمورا توشيبا، وهو مراسل دولي في مناطق النزاع، بأنّ مدينة هيروشيما "سُوّيت بالأرض، حيث الكمية الهائلة من الحرارة أحرقت المنطقة بأكملها وسبّبت دمارًا شاملًا".

أما الأستاذ في ترميم المنشآت بعد الكوارث في جامعة كيوشو باسم العبد الله فيرى أنّ الشعب الياباني عاش "تجربة مأساة لم يعشها قبله أي شعب في العالم".

ويرى شينودا هيدياكي، الأستاذ في جامعة طوكيو ومدير مركز بناء السلام في هيروشيما، أنها "تجربة لا إنسانيّة شبيهة بتجارب أخرى تحدث حول العالم بما فيها سوريا وتجربتها مع الأسلحة الكيميائيّة". ويشير إلى أنّ هيروشيما "تمكنت من النهوض مجدّدًا لتصبح معروفة بكونها مدينة السّلام".

وفي خطاب له يقول الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان إنّه "لن يحل السلام في العالم إلا إذا دمرت القوة العسكرية اليابانية" وأن بلاده "لا ترمي إلى تحطيم أو استعباد الشعب الياباني". لكنه أشار في ذلك الخطاب إلى أنّ "الاستسلام وحده هو ما يضمن ألا يحدث لليابان مثلما حدث مع ألمانيا بسبب عنادهم ومقاومتهم غير المجدية".

مدينة هيروشيما "سُوّيت بالأرض" بعد الهجوم النووي - غيتي
مدينة هيروشيما "سُوّيت بالأرض" بعد الهجوم النووي - غيتي

سبعة عقود على الكارثة

أرادت الولايات المتحدة إنهاء الحرب مع اليابان بسرعة لتجنب الخسائر المتزايدة في صفوفها والحدّ من تقدم الاتحاد السوفييتي. ولأسباب تصفها بـ"التكتيكية" ألقت القنبلة الذرّية على هيروشيما في هجمة نووية هي الأولى من نوعها في تاريخ البشرية.

ويقول باسم العبد الله في حديث إلى "العربي": إنّ "من يسمع كلمة هيروشيما سواء في المنطقة العربية أو في العالم يرتبط ذهنه مباشرة بالانفجار على شكل فطري الذي تناولته وسائل الإعلام لفترة طويلة". لكنه يضيف أن "الانطباع الذي بقي هو كيف سُويّت المدينة بالأرض وكيف أصبحت بعد سبعة عقود" على ذلك الانفجار.

أما شينودا هيدياكي فيرى أن "بعض السياسيّين المحنّكين واجهوا الكثير من التحديات للوصول إلى تسوية مع الأعداء، حيث لم يكن كل الشعب مقتنعًا بخطط الحكومة".

ويشير هيدياكي، في حديث إلى "العربي"، إلى أن "العديد منهم كانوا يشعرون بالاستياء رغم أنّهم يدركون أن التصالح مع الولايات المتحدة منطقيّ، ولكنهم لم يتقبلوا ذلك نفسيًّا وكانوا يناقشون إمكانية الانتقام. في كل اليابان وتحديدًا في هيروشيما".

لذلك يرى أنه "كان على الحكومة اليابانية أن تهتمّ بالحالة النفسية للشعب الذي ظل يناقش فكرة الانتقام من الولايات المتحدة لمدة 3 أو 4 عقود".

هيروشيما طوت صفحة التاريخ البعيد - غيتي
هيروشيما طوت صفحة التاريخ البعيد - غيتي

ناجون يروون قصصهم

وبعد التوقيع على اتفاقية الاستسلام في خليج طوكيو، قال آمر الأسطول الأميركي حينها تشيستر نيمتز إنّه يأمل "في هذه المناسبة التاريخية الاتفاق للنهوض من وسط الدماء والمعاناة لبناء عالم مسالم مؤمن ومتفاهم. عالم لا يتجاوز كرامة الإنسان ولا يتعدى على حقّه المقدّس في الحرية والحلم والعدالة".

لكن كازوهيكو فوتاغاوا، وهو أصغر ناج من القنبلة الذرّية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما، فيروي أنّ والده وشقيقته الكبرى قد ماتا في الانفجار الذرّي حيث خرجت والدته للبحث عنهما في وقت مبكّر في أغسطس/ آب عام 1945 و"لكنها لم تعثر عليهما".

ويقول فوتاغاوا في حديثه لـ"العربي" إنّ والدته كانت حُبلى به في ذاك الوقت حين كان جنينًا عمره شهران، ويضيف قائلًا: "لحسن الحظ أنني بخير". ويشير إلى أنّ آثار الإشعاع جعلته قلقًا على صحة قلبه.

أمّا هوري سوو، وهو صاحب متجر ومن الناجين من القنبلة النووية، فيذكر أنه ولد في مدينة كوريا التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن هيروشيما حيث باغتهم لحظة الانفجار "ضوء ساطع وصوت مدوًّ". ويروي أنه في تلك اللحظات "احتضنته أخته لحمايته".

ويقول سوو إنّ والده مات بعد 6 أيام من الانفجار بسبب تأثير الإشعاع المدمّر، فيما أصيبت والدته بسرطان الثدي واستأصلت الجزء الأيسر. كما يشير إلى أنّ شقيقته الكبرى توفيت بسرطان الجلد "الذي انتشر في كل جسمها حيث كانت تتألم بشدة".

من جهتها، تروي الناشطة والموظفة في ملتقى الكتاب الاجتماعي مايوو سيتو أن جدتها كانت إحدى الناجيات من قنبلة هيروشيما حيث لم تكن في المدينة حين ألقيت القنبلة، "لكنها دخلت إلى المدينة بعد 10 أيام وتعرّضت للإشعاع".

وتلفت في حديثها إلى "العربي" إلى أنّ مصطلح "هيباكوشا" هو اسم يطلق على الأشخاص الذين تأثّروا بالقنبلة. وتقول إنّ جدتها "لم تروِ قصتها أبدًا لها رغم أن عمرها كان 19 عامًا وقت القصف الذرّي". وتضيف: "لا بد أنها تتذكّر الكثير من الأحداث إلا أنها تقول إنها لا تتذكّر شيئًا على الإطلاق".

وتشير إلى أنها عندما تسأل جدتها عن لحظة دخولها إلى مدينة هيروشيما وعن منظر المدينة وعن الأشخاص الذين رأتهم أو تحدّثت إليهم فإنها "لا تجيب عن هذه الأسئلة وتقول بأنّها لا تتذكّر".

وتقول الناشطة: "قد يكون هذا حقيقيًّا لا تتذكّر شيئًا لأنّها قمعت ذكرياتها نتيجة للألم والصدمة. هذا استنتاجي الخاص". وتضيف أن هناك "العديد من الناجين الذين لا يشاركون قصصهم عن تلك الحادثة".

أقيمت أول حصة مدرسية في فصل بلا سقف في أبريل/ نيسان عام 1946 بعد الكارثة النووية - غيتي
أقيمت أول حصة مدرسية في فصل بلا سقف في أبريل عام 1946 بعد الكارثة النووية - غيتي

أزهار القنا الحمراء تنبت من تحت الأنقاض

وبعد أسابيع من كارثة هيروشيما جراء الانشطار النووي الهائل الذي خلف آلاف الضحايا ودمارًا كبيرًا، انتهت الحرب العالمية الثانية وسرت شائعة أنه "لن ينمو شيء في هيروشيما لمدة 75 عامًا"، لكن أزهار القنا الحمراء كانت أول من نبت في الأنقاض المتفحمة وكانت مصدرًا هائلًا للأبد.

بدأ الناس يجمعون المواد التي لم تحترق ويستخدمونها لبناء بيوتهم في تجمعات سكنية غير مرخصة حول نهر أوتا. كما أنّ الأطباء الـ820 الناجون من القنبلة شكلوا فرقًا في الشوارع والمعابد لإسعاف المتضررين. ومن تحت الأنقاض، جمّع المعلمون مدرسة حتى أقاموا أول حصة مدرسية في فصل بلا سقف في أبريل/ نيسان عام 1946.

ويقول الأستاذ في جامعة طوكيو ومدير مركز بناء السلام في هيروشيما شينودا هيدياكي عن تلك اللحظات بعد الانفجار النووي: إنّ "معنويات الشعب الياباني كانت محطمة خلال الحرب وبعد انتهائها".

ويضيف أنهم "لم يريدوا أن يخوضوا حروبًا أخرى، وألقوا باللوم على قادة الحرب وبالأخص قادة الجيش الذين يتحمّلون مسؤولية السياسات الوطنية".

الخروج من الانهيار

وشهد المجتمع الياباني تغييرات مهمة وملفتة خلال تلك الفترة على مستوى العالم، فقد خرج الاقتصاد الياباني المنهار بسرعة من تحت رماد الحرب العالمية الثانية.

وخلال فترة التعافي التي امتدت بين عاميّ 1945 و1956، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد حيث تلا التعافي فترة النمو السريع وبدأت اليابان الاقتراب من الغرب مرة أخرى وبسرعة تجاوزت مستوى التقدم ما قبل الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، يعتبر الأستاذ في ترميم المنشآت بعد الكوارث في جامعة كيوشو باسم العبد الله أنه بمجرد زيارة بسيطة إلى متحف السلام في مدينة هيروشيما تجري مقارنة بين "الماضي والكارثة والدمار وما بين عليه المدينة الآن".

ويرى أن الارتباط بين الماضي والحاضر "يعطي خلاصة لتجربة شعب عاش مأساة لم يعشها قبله أيّ في العالم".

أمّا مدير مركز بناء السلام في هيروشيما شينودا هيدياكي فيرى أن التطور الذي حصل في المدينة بعد الكارثة النووية يعود إلى "بعض القادة الممتازين مثل السيد شينزو حماي وهو أول رئيس بلدية منتخب ديمقراطيًا لهيروشيما".

ويقول: إنّ حماي "كانت لديه رؤية وكان عازمًا على قيادة مدينة هيروشيما من تحت الدّمار لتصبح مدينة السلام".

من جهته، يعتبر هوري سوو، وهو من الناجين من القنبلة النووية أنه "لا يمكن إنهاء الأزمة إلا إذا تغيّرت الأنظمة الاقتصادية والسياسية باعتبار أنّ العديد من الأشخاص الذين يعملون في المؤسسات العسكرية يتقاضون أجرًا على تصنيع الأسلحة".

لذلك يرى سوو أنه "لا بد من التركيز على تصنيع المواد التي تخدم البشرية وتخدم الأجيال القادمة"، مذكّرًا بأنّ جيله "تضرر بسبب المواد الملوثة والمدمّرة".

من جانبه، يلفت شينودا هيدياكي إلى أنّ الحكومة واجهت صعوبات بعد الانفجار النووي، حيث "كان من الصعب على الحكومة أن تحدد من ستعتبرهم ضمن الناجين، مثلًا: هل نضع في خانة الناجين الأشخاص الذين تضرروا من القنبلة ضمن نطاق 5 كيلومترات واستثناء من هم خارج هذا النطاق؟".

ويقول: "فهناك أشخاص لم يتضرروا من انفجار القنبلة ولكنّهم جاءوا ليبحثوا عن أقربائهم في الأيام التالية وتعرضّوا للإشعاع وعانوا من آثاره"، مؤكدًا أنّ عملية تحديد الناجين "كانت إشكاليّة معقّدة".

وقفت اليابان على قدميها في ما يشبه "المعجزة" بعد كارثة هيروشيما - غيتي
وقفت اليابان على قدميها في ما يشبه "المعجزة" بعد كارثة هيروشيما - غيتي

"معجزة" اليابان

وقفت اليابان على قدميها في ما يشبه "المعجزة"، فهي الدولة الوحيدة التي ضربت بقنبلتين ذرّيتين ونجت وداوت جراحها. ومع انتهاء الحرب انهارت سندات البنوك اليابانية التي كانت عبارة عن بنوك للحرب وصناعة الأسلحة، عندها تحرّك البنك المركزي الياباني لشراء سندات ضعيفة بأموال جديدة والتي بدورها ضخت الدماء والحياة في عروق الاقتصاد.

وفي خطوة لتجنّب احتجاجات الفلاحين التي كانت مدعومة من الشيوعيين في الصين، نقل المجلس العسكري في اليابان ملكية الأراضي من الاقطاعيين إلى الفلاحين.

وفي هذا الإطار، يشير شينودا هيدياكي إلى أنّ "العديد من الناس غادروا هيروشيما بلا عودة وأخفوا حقيقة أنهم من هيروشيما حتى لا يتعرضوا للتّمييز"، لكنه يوضح أنّ "هناك أشخاص قرروا الحفاظ على أرض الأجداد من أجل الافتخار بقوتهم أمام الدول الأخرى والأعداء السابقين".

أمّا الأستاذ في جامعة كيوشو باسم العبد الله فيتحدث أنه "بعد الكارثة سواء عبر الحراك الشعبي أو عبر القوانين التي جاءت من الحكومة المركزية، لم يقع التفريق بين اليابانيين أو الأجانب المقيمين في تقديم الدعم إليهم".

وبالنسبة إلى المراسل الدولي في مناطق النزاع أويمورا توشيبا فيؤكد أنه "كصحفي قام بتغطية العديد من مناطق النزاعات وشهد العديد من الحروب الدامية والقصص والضحايا"، لكن "يمكن معرفة مدى قساوتها من خلال فهم تجربة هيروشيما".

ويقول توشيبا إنه رغم ذلك "اسطعنا تجاوز الكراهية. نكره الحروب ونكره الأسلحة والأسلحة النووية ولكننا تجاوزنا كراهية أميركا". ويرى أنه جراء "هذا التصالح تم إعادة بناء مدينة هيروشيما".

لكن هيدياكي يقول في حديثه إلى "العربي" إنّه "بسبب الاعتراف بجهود المصلحين وبسبب الألم والأمل، فإن عدد قليل من الناس يفكرون بالانتقام من أميركا"، مؤكدًا أنّ "الأغلبية يريدون أنّ تعترف أميركا بالجهود المبذولة لإعادة إحياء هيروشيما، فهي مصدر فخر. الفخر أهمّ من الانتقام"، حسب قوله.

لذلك يرى أنه "كان لا بد من عمل تسوية وبناء ثقة متبادلة، لذلك استطاعت المدينة النهوض مجدّدًا وتمكنت من عمل تسوية واستطاعت تغيير هويتها"، مشيرًا إلى ضرورة الاستفادة من تجربتها.

وبالنظر إلى حجم الدمار وقصص الألم في هيروشيما فإن خروجها من بين الركام وما حققته من إنجازات وتطور في سنوات معدودة جعلها مثالًا للوعي بأهمية السلام بدلًا من أنّ تكون دافعًا للانتقام، لتطوى الهوية القديمة في سجل التاريخ البعيد لهيروشيما، عاصمة الحرب، وتظهر الهوية الجديدة لمدينة السلام والنهضة الاقتصادية المستمرة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close