تتواصل موجة الحرّ في دول أوروبية عدة بالتزامن مع نشوب حرائق أجبرت آلاف الأشخاص على إخلاء منازلهم.
وبينما يُتوقع أنّ تسجل مستويات حرارة قياسية في فرنسا والمملكة المتحدة تصل إلى 44 درجة مئوية، أطلقت السلطات البريطانية تحذيرًا من تبعات الحرارة الشديدة في أجزاء كبيرة من إنكلترا، موضحة أنّ الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة سيؤثر على حركة السفر والرعاية الصحية والمدارس.
أمّا فرنسا، فقد سارعت إلى إرسال مزيد من الطائرات ومئات رجال الإطفاء لمكافحة حرائق الغابات المنتشرة وإجلاء آلاف الأشخاص. وكذلك فعلت السلطات في جنوب إسبانيا وشمال المغرب بسبب الحرائق.
"فرصة لإعادة بناء الثقة"
ويتزامن مع هذه الموجة اجتماع مسؤولو 40 دولة في برلين لإجراء محادثات مباشرة، بشأن كيفية الاستمرار في التركيز على مكافحة ظاهرة تغيّر المناخ.
ووصف المنظمون "حوار بطرسبرغ للمناخ" بالفرصة لإعادة بناء الثقة بين الدول الغنية والفقيرة قبل قمة المناخ، التي ستعقدها الأمم المتحدة في مصر هذا العام، وسط تحذيرات من فوات الأوان أمام محاولات الحد من الاحتباس الحراري.
وكانت الدول المشاركة في قمة المناخ بغلاسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قد تعهدت بتخفيض استخدام الوقود الأحفوري بدلًا من منعه وتخفيض معدلات انبعاث الغازات الدفيئة وثاني أوكسيد الكربون، بما يتماشى مع تقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى أقل من درجة ونصف مئوية.
ويأتي ذلك فيما يحذّر علماء من أن الأرض ستشهد كوارث مفجعة إذا زادت درجة حرارة الأرض عن هذا الحد، رغم توقعات بارتفاعها بـ 2.4 درجة بنهاية القرن الحالي، في حال التزام الدول بكل تعهداتها.
"حلقة جهنمية خطيرة لا عودة فيها"
ويشير الكاتب الصحافي المتخصص في شؤون البيئة حبيب معلوف، إلى أن أرقامًا قياسية كانت قد شهدتها أوروبا قبل أربع سنوات حول ارتفاع درجات حرارة الأرض وزيادة حرائق الغابات والجفاف.
ويلفت في حديثه إلى "العربي" من بيروت، إلى أن أرقامًا قياسية جديدة تُسجل هذا العام، ومن المتوقع أن تُسجل كل سنة أرقام قياسية جديدة، لأن زيادة الحرارة تؤدي إلى زيادة حرائق الغابات، التي تزيد بدورها من الانبعاثات.
ويقول إن زيادة الأخيرة تؤدي إلى المزيد من زيادة حرارة الأرض وتغير المناخ، متحدثًا عن الدخول بذلك في حلقة جهنمية خطيرة لا عودة فيها إلى الوراء.
ويذكر بأن الإجراءات التي كانت مطلوبة من الدول، والتي كانت متقدمة بعض الشيء في مؤتمر غلاسكو العام الماضي، قد تم التراجع عنها بشكل دراماتيكي ما بعد الحرب الأوكرانية.
إلى ذلك، يرى معلوف أن "التغيرات عالمية وشاملة، ودول المنطقة ستتأثر فيها أكثر من غيرها لأنها غير مستعدة بعد لهذه السيناريوهات بالغة السوء".
وينبه إلى أن ما هو قادم خطير جدًا، ولن تستطيع شعوب هذه المنطقة الصمود أمام التغيرات المناخية، التي سيكون لها آثار خطيرة جدًا على الاقتصاد والصحة العامة، مشددًا على ضرورة التغيير من النظام الحضاري التنموي الذي كنا نتبعه.
"أسباب بشرية وظروف مناخية مساعدة"
من ناحيته، يقول المستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية سعيد شكري، إن الحرائق التي عرفتها مجموعة من الدول، لا سيما دول البحر الأبيض المتوسط، ناتجة عن أسباب بشرية، ولكن هناك ظروف مناخية مساعدة كثيرة جدًا.
ويوضح في حديثه إلى "العربي" من طنجة، أن الخلل الذي شهده هذا العام، خصوصًا من حيث الأمطار المتأخرة ونمو العشب بشكل غير عادي مع الحرارة والجفاف، هيّأت ظروفًا ملائمة للحرائق.
ويشير إلى إشكالية الرياح القوية، التي ربما تعرفها خصوصًا منطقة مضيق جبل طارق، وهي أحيانًا ما تؤخر الحد من هذه الحرائق وإطفائها في الوقت المحدد، مما يؤدي إلى اشتعالها في مناطق مختلفة.
ويردف بأن الأسباب الحقيقية تبقى في عدم تقدير المواطنين والمواطنات لخطورة هذه الحرائق واستعمالاتهم اليومية، لا سيما في الطبخ أحيانًا أو في إشعال النار دون تقدير للخطورة، من حيث أن الظروف قد تكون مهيئة وأي شرارة ربما تؤدي إلى حرائق كثيرة جدًا.
ويشدد على ضرورة السياسات الإستباقية، لافتًا إلى أن ما نعيشه اليوم هو ما كانت قد أعطته التقارير والدراسات، ولا سيما الهيئة العلمية لتتبع المناخ.
ويذكر بأنه كلما تأخرنا ستصعب الظروف أكثر، وسيصعب احتواؤها أكثر.