أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض عن انتشار واسع لوباء الكوليرا، مشيرًا إلى أن معظم الحالات متفشّية في أوساط النازحين السوريين.
وأوضح أن الوزارة لاحظت تزايدًا في عدد المصابين من اللبنانيين، وهو ما يرفع درجة الاستعجال لإيجاد حلول، لكنّه، في الوقت نفسه، يستدرك أن تأمين المياه النظيفة مهم لمنع انتشار الكوليرا، وأن المنظمات الدولية تقوم بجهود في هذا السبيل.
وفي تقريرها، أشارت وزارة الصحة إلى ارتفاع عدد الوفيات نتيجة الكوليرا إلى خمسة، وتسجيل ما يتجاوز 80 إصابة جديدة، ليبلغ العدد التراكمي 169 إصابة.
وسجّلت الوزارة في السادس من الشهر الحالي، أول إصابة بالكوليرا في البلاد منذ عام 1993، في محافظة عكار الشمالية.
من جهة أخرى، تفيد تقديرات لبنانية بوجود نحو مليون و800 ألف لاجئ سوري، منهم 880 ألفًا فقط مسجّلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما يوجد حوالي 200 ألف لاجئ فلسطيني.
وينتقل وباء الكوليرا عن طريق المياه، ويُسبّب إسهالًا حادًا يُهدّد حياة المصاب إذا لم يخضع للعلاج.
ويسجّل المرض بعودته في هذا الوقت تدهورًا للوضعية الصحية للاجئين السوريين الذين يعانون مسبقًا من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة في ظل قلّة الحلول والأصوات الدولية.
وأمّنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" كمية من المازوت للاستخدام في محطات ضخّ المياه في البقاع والشمال للتخلّص من أي مياه ملوّثة.
بينما تعمل وزارة الصحة اللبنانية على تجهيز مستشفى ميداني في عرسال مع وجود 8 مستشفيات ميدانية جاهزة توزّع عليها المستلزمات العلاجية، لكنّها خطوة تطرح التساؤل عن قدرتها على حلّ هذه الأزمة الصحية.
الوصول إلى مصادر بديلة لمسبّبات المرض
وأوضحت الدكتورة عاتكة بري، رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة اللبنانية، أن البيئة في مخيمات اللجوء السوري في لبنان كانت بيئة حاضنة لمرض الكوليرا، مشيرة إلى أن المحافظات السورية، بدورها، تشهد موجة وبائية، ما أدى إلى انتقال المرض إلى لبنان.
وقالت بري، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إن تردّي الظروف الصحية، وخاصة غياب المياه السليمة الآمنة للشرب، ناهيك عن التخلّص غير السليم من الفضلات السائلة كلها عوامل ساهمت في انتشار هذا المرض داخل المخيمات وانتقاله إلى الخارج.
وأوضحت أن الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان أثّرت على الوضع الصحي في لبنان وقدرات وزارة الصحة.
وأشارت برّي إلى أنه في إطار مكافحة الكوليرا، تحتاج وزارة الصحة، إضافة إلى الأدوية والأمصال والأسرة الخاصّة واللقاحات والفحص السريع، تأمين المياه النظيفة لكافة المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتصريفا سليما لمياه الصرف الصحي، معتبرة أن كل ما تقوم به السلطات خارج هذين العنصرين هو جيد لكنه لا يكفي.
واعتبرت أنه للخروج من هذه المشكلة بأقلّ الخسائر، نحتاج إلى تكاتف جميع الوزارات والمنظّمات المعنية، للوصول إلى مصادر بديلة لمسبّبات المرض.
خطة طوارئ مرضية وإدارة توحّد الجهود
بدورها، أوضحت هبة هيكل، مديرة برنامج تمكين اللاجئين في لبنان، أن انتشار المرض لا يتحمّله اللاجئون السوريون فقط، بل تتحمّله أيضًا البلديات ووزارتي الطاقة والمياه، والصحة والمنظمات الدولية المعنية باللاجئين، إذا ما كان الحديث يتعلّق فقط بالمخيمات.
وأشارت هيكل، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أن اللبنانيين، بدورهم، عانوا من انقطاع المياه وحاجتهم إلى شراء مياه دون معرفة مصدرها.
وشرحت أن الخلل يكمن في غياب التنسيق بين جميع الجهات لوضع خطة طوارىء مرضية، وإدارة توحّد الجهود وتوزّعها بشكل عادل بين المخيمات.
تعبئة المزيد من الموارد لاحتواء الموجة الوبائية
من جهته، أوضح الدكتور عبد الناصر أبو بكر، مدير وحدة التأهّب لمخاطر العدوى والوقاية منها في المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، أنّ السوريين واللبنانيين عرضة للإصابة بالكوليرا، وبأي مرض آخر، وإن كان اللاجئون أكثر عرضة من غيرهم لغياب المياه النظيفة، وشبكات الصرف الصحي.
وقال أبو بكر، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إن المرض لا يميّز بين شخص وآخر، أو بين جنسية وأخرى، طالما أن الأسباب الكامنة وراء الإصابة بالمرض مشتركة.
وأشار إلى أنّ منظمة الصحة تعمل بشكل وثيق مع وزارة الصحة للاستعداد لهذه الأمور، واستطاعت من خلال نظام المراقبة اكتشاف أول إصابة بالمرض، وقدّمت المعدات التي تكفي لعلاج مئات الحالات، وبنت قدرات العاملين في مجال الصحة، لتقوم بشكل استباقي بعلاج الحالات.
وأكد أنّ لدى المنظمات المعنية فرصة لاحتواء الموجة الوبائية من خلال برنامج الاستعداد المتكامل للكوليرا، ولذلك يجب تعبئة المزيد من الموارد في هذا الإطار.