يدلي رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة بشهاداته حول مواقف وأحداث شهدها لبنان، في سلسلة إطلالات على شاشة "العربي"، ضمن برنامج "وفي رواية أخرى".
السنيورة وهو شخصية سياسية ومالية محورية في المشهد السياسي بعد الحرب الأهلية التي انتهت باتفاق الطائف عام 1989، كان قد أسهم كوزير للمالية إلى جانب صديقه ورفيق دربه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في رسم السياسة المالية للبنان.
كان الهدف إعادة إعمار البلاد ووضعها على سكة التنمية والاستقرار، لكن تلك السياسة وإن كانت قد استكملت بحماس في البداية، إلا أنها سرعان ما اتُهمت بإغراق البلاد ماليًا بدل إنقاذها.
وبعد اغتيال الحريري وارتداداته الداخلية والخارجية، تسلم السنيورة زمام الأمور رئيسًا للحكومة ليواجه تحديات أكبر من قبيل حرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان، والمواجهة السياسية مع حزب الله وحلفائه الذين حاصروا السراي الحكومي لأشهر واستهدفوا مقر تيار المستقبل في أحداث 7 مايو/ أيار 2008.
وبعد خروجه من رئاسة الحكومة عام 2009 لم يخرج السنيورة من المشهد السياسي تمامًا، إذ دخله مرة أخرى من باب عضوية مجلس النواب، ثم أخيرًا باتخاذه موقفًا متمايزًا عن رئيس الحكومة السابق نجل رفيق الحريري، سعد الدين الحريري، الذي آثر ترك معترك السياسة ودهاليزها.
فماذا الذي يقوله في حواره مع الزميل بدر الدين الصايغ في أولى الحلقات؟
النشأة والدراسة والتدريس
يعود السنيورة بذاكرته إلى مسقط رأسه صيدا حيث وُلد في أربعينيات القرن الماضي، فيلفت إلى أنه ولد في عائلة كبيرة نسبيًا، حظي فيها بـ8 أشقاء وشقيقات.
ويوضح أنه تلقى وأخوته علومهم في مدارس المقاصد الإسلامية في صيدا، واصفًا تلك الفترة بأنها الأجمل، لما تتمتع به مدينة صيدا من علاقات اجتماعية تقوم على الصداقة والمحبة.
بعد التحاقه في العام الدراسي الأخير في مدرسة الأميركان في صيدا، انتقل إلى الجامعة الأميركية التي تخرج منها عام 1967 بدرجة البكالوريوس، ويقول إنه دخل معترك العمل مباشرة بعد ذلك وتابع في الآن عينه دراسته للحصول على شهادة الماجستير.
كان تخصصه الأعمال في الدراسة، إلا أنه يوضح أن الطب كان حلمه في الصغر، وأنه دخل الجامعة الأميركية لدراسته رغبة منه في أن يصبح طبيب عيون.
رئيس الوزراء اللبناني السابق #فؤاد_السنيورة: هذه القصة الجميلة كانت وراء تسمية "السنيورة" 👇#وفي_رواية_أخرى pic.twitter.com/WclksL9TNn
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 20, 2022
ويردف بأنه اكتشف بعد السنة الأولى أن الطب لم يكن المجال المناسب له، فتحول إلى دراسة التجارة، مذكّرًا بأن والده كان تاجرًا، وكان الأمر بالتالي "بالدم".
إلى ذلك، يشير السنيورة إلى أنه درّس مادة المحاسبة والمالية لنحو ست سنوات في الجامعة الأميركية، وأنه درّس لعام واحد في الجامعة اللبنانية.
ويضيف أنه كان محاضرًا في المركز التدريبي لـ"سيتي بنك"، الذي يوضح أنه كان المكان الأول الذي بدأ فيه حياته المهنية.
وفيما يتحدث السنيورة عن مشاركته كمحاضر في دورات تدريبية أُقيمت في الجامعة الأميركية، يلفت إلى أنه عكف بعد ذلك على تأسيس معاهد.
ويذكر في هذا الإطار أنه أسّس عندما أصبح وزيرًا للمالية المعهد المالي، الذي كان عنصرًا أساسيًا في تطوير الكفاءات داخل الوزارة.
الانتساب إلى حركة القوميين العرب
عن اهتمامه بالعمل السياسي يقول إنه يعود أيضًا إلى الصغر، حيث كان يحرص على الاستيقاظ باكرًا ليستمع رفقة والده لنشرة الأخبار على إذاعة الشرق الأدنى "بي بي سي"، ويمر على الدور الذي لعبته الصحف. كما يتحدث عن اهتمامه في مدرسة المقاصد بنوادي الخطابة.
ويقول إنه كان في الثامنة تقريبًا عندما جاء خبر الانقلاب في مصر وثورة يوليو 1952، مستذكرًا أنه وقف يومها خطيبًا، وبالقدر الذي امتلكه من معلومات وعبارات، خطب عن الأمر.
السنيورة الذي يتحدث عن حركة القوميين العرب التي انضم إليها، يعود بالذاكرة إلى عام 1958 فيقول: "كنا شبابًا حينها في مرحلة الشهادة المتوسطة وما بعدها، وحديثي العهد بالنكبة الفلسطينية".
ويلفت إلى أن مدينة صيدا كانت إحدى أهم المناطق التي استضافت الفلسطينيين في الجنوب اللبناني، وكان مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية، متحدثًا عن التلاقي بين التلامذة اللبنانيين والفلسطينيين في المدارس.
وفيما يشير إلى أن قضية فلسطين كانت حاضرة في منزل عائلته، يذكر بأن جدته لوالدته فلسطينية، وبأن أخواله عاشوا في فلسطين وبأن والده الصناعي والتاجر ارتبطت تجارته أيضًا مع فلسطين.
ويلفت إلى أن مدينة صيدا عمومًا كانت تعتمد على هذه التجارة بين البلدين، إلى جانب قدر كبير من المصاهرة.
فيخلص إلى القول إن القضية الفلسطينية والتداخل في صيدا بين اللبنانيين والفلسطينيين والاهتمام بالسياسة كانت عوامل دفعته للانتساب إلى حركة القوميين العرب.
ويشير إلى أن "الحركة بغالبية أعضائها المؤسسين كانوا فلسطينيين؛ جورج حبش ووديع حداد وغيرهم إلى جانب لبنانيين كانوا جميعًا يمثلون خطًا أساسيًا رافضًا للنكبة وعاملًا لإنقاذ الوعي العربي بهذه المحنة وضرورة البحث عن وسائل حول كيفية الخروج من هذا المأزق، وهو ما زلنا نعيشه حتى الآن".
وبينما يقول السنيورة إن صداقته مع رفيق الحريري بدأت في سن مبكرة، يشرح أنهما كانا في مدرستين متقاربتين في صيدا، ثم تطورت العلاقة وكانا في خلية واحدة في حركة القوميين العرب.
ويروي ما سمعه من رفيق الحريري أن لبنانيًا كان يبحث عن عمل جاءه عندما كان في السعودية، فأخبره أنه من إحدى قرى البقاع صغيرة جدًا وربما لا يعرفها.
ويردف بأن الحريري أجاب الرجل مشيرًا إلى ما فيها من معالم، ما دعاه إلى الاستغراب لأن تلك المواقع لا يعرفها إلا من زار المكان.
ويذكر "السنيورة أن تلك القرية كانت البلدة التي مر فيها رفيق الحريري عندما تولى مسؤولية تهريب جورج حبش من سوريا".
ويؤكد أن الحريري كان ناشطًا فعليًا في حركة القوميين العرب، واصفًا إياه بأنه كان رجل المهمات الصعبة، جريئًا وشجاعًا.
وفيما يلفت إلى أن الحريري عمل في صحيفة "الحرية"، التي كانت حينها صحيفة حركة القوميين العرب، يقول إنه "كان رجلًا عصاميًا بكل ما للكلمة من معنى".
فؤاد السنيورة والمسيرة المهنية
وإذ يتوقف السنيورة عند انطلاقة مسيرته المهنية، يشير إلى ظروف عمله في مصرف "سيتي بنك" الدولي في بيروت مباشرة بعد التخرج.
ويقول إن المصرف كان آنذاك يمر في فترة صعبة واحتاج إلى دم جديد، وهو ما وضعه أمام تحد كبير، إذ كان عليه إثبات جدارته إزاء تحديات.
وبينما يقول إن توقعاته كانت كبيرة، يشير إلى أن هذا الأمر مكّنه من تولي مسؤوليات والتقدم بسرعة.
ويلفت إلى أنه تابع دارسته الجامعية بالتوازي مع عمله في المصرف، ونال شهادة الماجستير.
كما يشير إلى أنه أمام طلب الجامعة الأميركية أن يتولى التدريس فيها، استمر في عمله المصرفي وحاضر في الجامعة.
ويردف بالإشارة إلى أن إدارة "سيتي بنك" تمنت عليه لاحقًا أن يدرّس في مركزه التدريبي إلى جانب عمله المصرفي.
وبينما يوضح أنه عمل في القطاع المصرفي التجاري ثم انتقل للعمل في المجال الاستثماري المصرفي، يلفت إلى أنه لم يتوقف في ذلك الوقت عن عمله في مجال التدريس.
ويتحدث عن "استمرار نشاطه الثقافي أيضًا في النادي الثقافي العربي، الذي تأسّس عام 1943، ويُعد من أوائل المؤسسات الثقافية في العالم العربي".
ويضيف أن النادي ما زال قائمًا وأنه ما زال عضوًا وناشطًا فيه، مبيّنًا أنه أصبح رئيسًا للنادي عام 1972.
الحرب الأهلية اللبنانية وتداعياتها
عام 1975 اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية وكان السنيورة حينها يعمل في قطاع العمل الاستثماري المصرفي، يتحدث عن التداعيات ومنها إقفال الجامعة الأميركية أبوابها، مشيرًا إلى اتجاهه للقيام بدراسات مع الدكتور عصام عاشور ودار الهندسة، وفي عدد من المشاريع التي كانت تقام في منطقة الخليج. كما يعرّج على مرحلة إقامته وزوجته في لندن.
ويذكر توصل المتحاربين في لبنان إلى إنهاء الحرب اللبنانية عبر الوساطة العربية، حيث تم انتخاب الرئيس الياس سركيس، الذي تعاون مع الدكتور سليم الحص - وكان أستاذ السنيورة في الجامعة الأميركية – فشكل الحكومة الأولى في عهده.
ويقول السنيورة إنه كان في لندن، وبينما كان يزمع العودة إلى عمله في المجال المصرفي الاستثماري، فاتحه الحص بمسألة توليه رئاسة لجنة الرقابة على المصارف، وهو الموقع الذي كان الحص يرأسه شخصيًا.
ويردف بأن الحص أوصى لدى سركيس، الذي كان حاكمًا للمصرف المركزي اللبناني قبل توليه رئاسة الجمهورية، بأن يُصار إلى تعيينه من قبل مجلس الوزراء اللبناني، وهو ما تم منتصف العام 1977.
فما الذي يقوله السنيورة عن فترة عمله كرئيس لجنة الرقابة على المصارف، وفترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982؟ الإجابة والمزيد ضمن الحلقة المرفقة من "وفي رواية أخرى" مع رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة.