يقف السودان على مفترق طرق وقد تفجّر الخلاف بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في معارك متواصلة واشتباكات يسقط فيها قتلى من المدنيين.
حميدتي الذي تقول شخصية معارضة إن طموحه غير محدود، وتشير إلى تخطيطه ليصبح الرجل الأول في البلاد"، برز منذ قرابة عقدين على الساحة السودانية.
هو نائب المجلس العسكري الحاكم، الذي يرأسه البرهان، واكتسب دورًا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا متناميًا على المستوى المحلي والإقليمي.
ارتبط اسمه بالجنجويد، ولم توجه له اتهامات على فظائع دارفور، وانقلب على البشير الذي ربطته به علاقة وثيقة ذات يوم، ثم على حمدوك، ويقف اليوم بمواجهة الجيش.
فمن هو محمد حمدان دقلو، وكيف انتهى خلافه مع البرهان إلى حرب عُرف متى بدأت ولا يُعرف كيف ستنتهي؟
حميدتي وتجارة الجمال ومناجم الذهب
يحمل محمد حمدان دقلو "حميدتي" رتبة الفريق أول، لكنه القائد الوحيد في صفوف المجلس الانتقالي العسكري الحاكم، الذي لم يتخرج من كلية عسكرية.
تشير وكالة "رويترز" إلى أنه صعد من بدايات متواضعة وحصل على قدر قليل من التعليم. كان تاجرًا للمواشي، وإن ابتعد عن التجارة للانخراط في العمل العسكري، إلا أنه انغمس في "الذهب"، بعدما أطلقت يده على مناجم المعدن الأصفر في دارفور وحظي بحرية بيع أثمن موارد السودان.
دقلو أسّس جماعة مسلحة عُرفت بالجنجويد، ويعود اسمها إلى العبارة السودانية "الجن راكب جواد شايل جيم" ومعناها الجن الذي يمتطي جوادًا ويحمل بندقية ألمانية الصنع من طراز "جي 3"، عملت على قمع التمرد في دارفور.
وهناك أدى الصراع إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون. واتهمت المحكمة الجنائية الدولية عمر البشير ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. ولم توجه أي تهم إلى حميدتي.
عام 2013، انبثقت قوات الدعم السريع عن ميليشيا الجنجويد في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، وتولى قيادتها دقلو ليستمد الكثير من نفوذه منها.
تورد "رويترز" أن قوات الدعم السريع أتقن مقاتلوها خبرة حروب الصحراء في منطقة دارفور، لكنهم يفتقرون إلى انضباط الجيش النظامي.
وبينما قال البشير في أحد الاحتفالات إن "أحب القرارات وأفضلها بالنسبة له هو قرار تكوين قوات الدعم السريع، وهي الذراع القوية للقوات المسلحة"، إلا أن حميدتي انقلب عليه لاحقًا برفقة الجيش إبان انتفاضة شعبية عام 2019.
وفي العام نفسه، فضت قوات الدعم السريع اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم، مما أودى بحياة ما يزيد على مئة شخص. وينفي حميدتي أن يكون قد أصدر أمرًا بالاعتداء على المحتجين.
أما عند انضمام السودان إلى التحالف في اليمن عام 2015، فقد تم نشر قوات الدعم السريع بقيادة دقلو على الجبهات، في خطوة سمحت للأخير بتوثيق علاقاته على المستوى الإقليمي.
تدهور علاقات الدعم السريع مع الجيش
وفي ما يخص تدهور العلاقة بين قوات الدعم السريع، التي يقدر عددها بنحو 100 ألف عنصر، والقوات المسلحة، فقد مر بمحطات عديدة خلال الأزمة المستمرة في البلاد منذ سنوات.
ويعود الخلاف إلى فترة نشأة قوات الدعم السريع وتجدّد في مناسبات عدة منذ الانقلاب على نظام عمر البشير عام 2019، وصولًا إلى الخلاف الحالي بشأن عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن المساعي الرامية نحو الانتقال المدني للسلطة.
قبل 4 أعوام، وعلى إثر الانقلاب تم تقسيم حكم البلاد بين مكونين مدني وعسكري، حيث أُنشى الأخير برئاسة البرهان ونيابة دقلو.
وسط تصاعد حدة الاشتباكات على الأرض.. حرب جوية عنيفة بين الطيران الحربي والمضادات الأرضية في سماء العاصمة السودانية #الخرطوم #السودان pic.twitter.com/63nLqp1Zpk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 16, 2023
وفي تعاون ظاهر علنًا، كانت قوات الدعم السريع شريكة للجيش مرة أخرى عام 2021، في انقلاب المؤسسة العسكرية على حكومة عبد الله حمدوك قبيل التوجه إلى الانتخابات.
مع ذلك، كانت الخلافات تتراكم وتتعمق بين الفريقين بشأن تقاسم السلطة والنفوذ. وبرز الخلاف مع انتقادات حميدتي للبرهان واتهامه بأن الانقلاب الثاني نفذ ليكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.
وبينما عمّت البلاد مظاهرات شعبية واسعة إبان حل حكومة حمدوك قُتل خلالها عشرات المواطنين عنوانها الديمقراطية ونزع تفرد القوات المسلحة بالسلطة، توافق بعد ذلك المكونان المدني والعسكري بعد عدة جولات على توقيع ما عرف بالاتفاق الإطاري أواخر العام المنصرم.
الاتفاق عُد شرارة صبت الزيت على جمر هذا الخلاف؛ لا سيما وأن أبرز شروطه يقضي بعملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو ما لم يعارضه الطرفان، ولكن الخلاف يتجلى في الجدولة الزمنية للدمج.
ففيما حددت القوات المسلحة سنتين لذلك، تطالب قوات الدعم بأن يتم الدمج خلال 10 سنوات. وعدا عن التنازع على النفوذ، فالقوات المسلحة ترى أن القيادة يجب أن تكون لدى قائد الجيش، في حين يطالب حميدتي علنًا على الأقل بأن تكون القيادة للحكومة المدنية.
ثم تطورت حرب البيانات إلى تحشيد في الشوارع بانتشار عشرات المركبات التابعة لحميدتي في مدن عدة، الأمر الذي عده الجيش مخالفًا لعمل ومهام الدعم السريع.
بدوره حميدتي الذي وصف التحركات بالطبيعية، تعهد بحل الخلافات والذهاب للقاء البرهان، قبل أن يفاجأ الشارع السوداني بانفجار الوضع واندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين.