في الساعة الرابعة من فجر 11 مايو/ أيار 2004 اجتاحت قوات الاحتلال بآلياتها المدرعة حي الزيتون الذي يعد مدخل مدينة غزة الجنوبي.
وضربت تلك القوات عددًا من ورش الحدادة التي تعرف بـ"المخارط" التي كانت تتهم في ذلك الوقت بصناعة أجزاء من الصواريخ البدائية وقذائف الهاون التي كانت تنتجها المقاومة، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي أحمد عبد الرحمن.
توغل عميق
كان ذلك التوغل الأكثر عمقًا في بداية الأحياء العمرانية وقد نصبت المقاومة كمينًا.
وأوضح أبو محمد أحد منفذي كمين المقاومة أن "العدو الصهيوني كان يتمركز خلف التحصينات والسواتر الترابية والرملية، وكانت لدى المقاومة مجموعة من الأسلحة الخفيفة والبسيطة وأبرزها الأسلحة الفردية التي كانت منتشرة بكثرة في تلك الفترة".
وبعد توغل دبابات الاحتلال التي تتقدمها الميركافا لعمق 200 متر تقريبًا داخل حي الزيتون باتجاه الشمال، فُجرت أكثر من عبوة ناسفة، واستهدفت الآليات بعدد من القذائف المضادة للدروع.
ومع بدء تقدم الآليات بدا للمقاومين واضحًا أن هذا الاجتياح مختلف عن غيره، بحسب أبو محمد.
أربعة مقاومين وعبوة زلزال
وتكوّنت المجموعة التي قامت بكمين حي الزيتون من أربعة مقاومين، وكان أبو محمد من بينهم.
واستطاعت المجموعة أن ترصد تحركات الآليات الصهيونية، وتقدمت رويدًا رويدًا قبل وصول الآليات الإسرائيلية إلى منطقة التفجير. ودخلت المجموعة إلى أحد البيوت المهجورة وكانت الآليات المتوغلة لا تبعد 20 مترًا عن ذلك المنزل.
وزحف أحد المقاومين مسافة بسيطة إلى أحد المفترقات الرئيسية وزرع عبوة زلزال في الطريق وعاد إلى المنزل الذي تحصّن المقاومون بداخله.
وأضاف أبو محمد: "كان لدينا علم مسبق بأن عبواتنا المصنوعة محليًا لن تؤثر بدبابة الميركافا الصهيونية المتطورة والمحصنة جيدًا".
ومرت دبابة الميركافا وكانت تتبعها ناقلة جند أقل تصفيحًا. وما إن وصلت الأخيرة إلى مكان العبوة، حتى قام أحد المقاومين بتفجيرها.
وانفجرت الناقلة و"حدث عدد من الانفجارات المتتالية داخل الناقلة حيث كانت تحتوي على عبوات تابعة لوحدات الهندسة الصهيونية"، بحسب أبو محمد.
انفجار هائل
كان ذلك الانفجار هائلًا، واهتزت البيوت من شدته. واعتقد سكان المنطقة أن الطائرة المروحية التي كانت تحلّق في السماء هي التي سقطت حيث تطايرت الشظايا مئات الأمتار وتصاعدت سحب الدخان الكثيف. كما سُمع صراخ باللغة العبرية.
وبعد التفجير بدأت قوات الاحتلال بإطلاق النار والقذائف بشكل عشوائي. وباشرت بلململة أشلاء الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في كمين المقاومة.
وعلى الإثر، أعلن نبأ تفجير عبوة ناسفة ومقتل وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين، وتوجه عشرات الصحافيين إلى حي الزيتون. وبحسب الصحافي فتحي صباح، كان ذلك التفجير في خضم انتفاضة الأقصى.
ولم يتم العثور على معظم أشلاء الجنود الإسرائيلين لأنها انصهرت نتيجة انفجار مئات الكيلوغرامات من المواد، بحسب عبد الرحمن.
وكان داخل الناقلة 6 جنود و130 كيلوغرامًا من مادة الفوسفور شديدة الانفجار.
المفاوضات لاستعادة رأس الجندي الإسرائيلي
وبدأت المفاوضات بشأن إعادة رأس الجندي الذي قُتل وكان بحوزة سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
وشارك في عملية التفاوض 3 أطراف وهي السلطة الفلسطينية والجانب المصري والصليب الأحمر الدولي.
وأشار عضو القيادة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي خالد البطش في حديث إلى "العربي" إلى أن الجانب الفلسطيني أراد تحقيق بعض المكاسب، واشترط وقف الهجوم والانسحاب الفوري لجنود الاحتلال من حي الزيتون والإفراج عن جثامين الشهداء والنساء.
الانسحاب ووقف العدوان
وأوضح المختص في الشأن الإسرائيلي أحمد عبد الرحمن أن رد "الجهاد الإسلامي" كان واضحًا بأنها لن تسلّم رأس الجندي الإسرائيلي مهما كانت الضغوطات، إلّا مقابل الانسحاب ووقف العدوان.
وكان هناك ضغوط داخلية في إسرائيل ومطالبات باسترجاع أشلاء الجنود. وكانت عملية التفاوض تلك الأولى التي تطالب بانسحاب من غزة مقابل تسليم أشلاء لجنود إسرائيليين.
وأجبرت إسرائيل على التراجع والانسحاب تحت ضغط القوة والخسائر التي تعرّضت لها في تلك العملية، بحسب عبد الرحمن.
والتزم الجانب الإسرائيلي بالإفراج عن جثامين بعض الأسرى. وتم ذلك بعد فترة، بحسب الصحافي فتحي صباح. وفي المقابل، سلّمت حركة الجهاد رأس الجندي الإسرائيلي إلى الصليب الأحمر.
وتكمن أهمية العملية التي نفذتها سرايا القدس بكونها عسكرية أسفرت عن مقتل 6 جنود إسرائيليين، كما أسفرت عن استعادة جثامين 17 شهيدًا فلسطينيًا.