تشهد عودة الدوري الإنكليزي كل عام زخمًا عالميًا خاصًا لاعتباره أقوى الدوريات في العالم، إلا أنّه هذا العام يترافق مع مفاجأة قوية، تمثّلت في عودة الأندية الإيطالية للمنافسة، ما أعاد إلى أذهان الكثيرين تاريخ الكالتشيو، وتحديدًا، الكالتشيوبولي، المصنّفة على أنّها أكبر فضيحة في تاريخ كرة القدم.
فمع نهاية الموسم الكروي 2022-2023 في أوروبا، شكّل وصول ثلاثة أندية إيطالية لنهائيات كلّ البطولات الأوروبية على مستوى الأندية، وهي إنتر وروما وفيورنتينا، مفاجأة كبيرة في الأوساط الرياضية، ولا سيما في ضوء الغياب الكامل لنجوم العالم في الكرة عن الدوري الإيطالي.
وطرح هذا الأمر علامات استفهام فعليّة في الأوساط الرياضية عمّا إذا كان ما يحصل محاولة لتكرار رقم قياسي تاريخي كان قد تحقّق قبل 33 عامًا، وسُجّل باسم الكالتشيو، لكن قبل ذلك عن سبب تراجع الدوري الإيطالي الذي كان في وقتٍ من الأوقات مصنّفًا على أنّه "جنّة كرة القدم".
فهل تعتبر فضيحة الكالتشيو التي حصلت عام 2006 هي السبب؟ وما قصّة هذه الفضيحة وكيف حصلت؟ وكيف استغلّ الإنكليز هذا الأمر لتصبح بطولتهم هي الدوري الأقوى والأغنى في العالم؟
عن هذه الأسئلة، يجيب اليوتيوبر محمد أبو زيد (الكوير)، بأسلوبه الخاص، في أولى حلقات برنامج "مع الكوير" الذي يعرض حصريًا على منصّات "العربي" الرقمية، ويختصّ بالقضايا المتعلقة بكرة القدم وتقاطعها مع القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية.
أزمة الكرة الإنكليزية في أواخر الثمانينات
من عودة الأندية الإيطالية إلى المنافسة، ينطلق "الكوير" في مقاربته، ليعود بالزمن 31 عامًا إلى الوراء، وتحديدًا إلى 15 أغسطس/ آب 1992، اليوم الذي انطلق فيه الدوري الإنكليزي الممتاز باسمه الجديد "English Premier league"، حيث كانت الأندية الإنكليزية تواجه في تلك الفترة الكثير من المشاكل، وحتى مظاهر الشغب والعنف.
آنذاك، أدت هذه المشاكل لانخفاض عائدات البث التلفزيوني للأندية الإنكليزية، وهو ما ترافق مع "كارثتين" أرختا بثقلهما على الدوري، الأولى كانت في مايو/ أيار 1985، خلال مباراة ليفربول ويوفنتوس الشهيرة، حين اقتحم من يسمّون بـ"الهوليغانز"، في إشارة إلى أعنف المشجّعين، المدرجات الخاصة بجمهور اليوفي، ليحصل هرج ومرج وتدافع بين الجماهير، انتهى بانهيار جزء من سور الملعب، ومقتل 39 شخصًا.
أما الكارثة الثانية التي أصابت الكرة الإنكليزية فقد تكون الأسوأ على مستوى ملاعب كرة القدم في العالم كلّه، وهي كارثة ملعب هيلزبره، أو حادثة التدافع التي حصلت خلال مبارة بين ناديي نوتينغهام فورست وليفربول عام 1989، وأدّت إلى مقتل 96 شخصًا وإصابة المئات.
الكالتشيو.. "جنة كرة القدم"
وعلى عكس "كوارث" الدوري الإنكليزي في أواخر الثمانينات، كانت الأمور في إيطاليا في أحسن الأحوال، بل في منتهى الجمال، وفق تعبير "الكوير"، الذي يتحدّث في الحلقة بنوع من "الحنين" إلى ما يسمّيه بـ"الماضي الطلياني الجميل".
حينها، كان "الكالتشيو" يعيش أزهى عصوره، لدرجة أنّه وُصِف بـ"جنّة كرة القدم" التي كان كلّ نجوم اللعبة يتوقون إلى دخولها، بل الأندية الإيطالية في تلك الفترة كانت قادرة على استقطاب كلّ نجوم العالم، لدرجة أنّها كسرت الرقم القياسي لأغلى الصفقات في العالم 6 مرات خلال فترة التسعينات.
يسرد "الكوير" بعضًا من هذه الصفقات، التي بدأها اليوفي في صيف 1990 بالتعاقد مع نجم منتخب إيطاليا في مونديال 1990 الأسطورة روبيرتو باجيو مقابل 8 مليون جنيه إسترليني، وهي الصفقة التي بقيت الأغلى في العالم لمدة عامين، لتتوالى بعدها العديد من الصفقات التي سعت لكسر الأرقام.
أكثر من ذلك، يقول "الكوير" إنّ الأرقام التي أنفِقت على هذه الصفقات، لو تمّ تحويلها إلى قيمة اليوم، مع احتساب معدلات التضخم وفرق العملات، لتبيّن أنّها بالفعل أرقام فلكية توازي انتقالات شباب اليوم، من نيمار إلى كوتينيو وديمبيلي وغيرهم، وهو ما يكشف عمليًا الإمكانيات الهائلة التي كانت تتمتع بها الأندية الإيطالية في ذلك الوقت.
الكالتشيوبولي.. أكبر فضيحة في تاريخ كرة القدم
ووفق قاعدة أنّ "كل هذه الأموال والصفقات كانت بمثابة الشجرة التي تخفي خلفها غابة المشاكل"، ينتقل "الكوبر" في سرديّته للحديث عن اللحظة الاستثنائية التي وصفها كثيرون بـ"المسمار الذي دقّ نعش الكرة الإيطالية"، بل التي غيّرتها إلى الأبد، إن جاز التعبير.
إنّها ببساطة فضيحة الدوري الإيطالي 2006، أو كما تسمّى بالإيطالية "الكالتشيوبولي"، المرتبطة بترتيب نتائج مباريات كرة القدم في الدوري الإيطالية، بل بالتلاعب بنتائج المباريات واختيار الحكّام، وتورطت فيها العديد من النوادي، من يوفنتوس إلى إيه سي ميلان وفيورنتينا ولاتسيو وريجينا.
يقول "الكوير" إنّ الحكاية بدأت فعليًا عام 2004، حين تمّ التداول بإشاعات في إيطاليا حول تناول عدد من لاعبي يوفنتوس المنشطات، كما حول وجود بعض الحكام الفاسدين وحصول مراهنات غير قانونية في الدوري الإيطالي، لكنّها بقيت عندها محصورة في خانة الادعاءات.
إلا أنّ الشرطة الإيطالية أخذت هذه الإشاعات على محمل الجدّ، وبدأت التحقيق بصحّة الادعاءات. ومع أنّها لم تجد ما يثبت صحّتها في ذلك الوقت، إلا أنّها من خلال عمليات تنصّت على مكالمات هاتفية لمسؤولي الدوري الإيطالي، توصّلت إلى ما هو أخطر وأكبر بكثير منها.
فما الذي توصّلت إليه تحديدًا؟ ولماذا باتت "الكالتشيوبولي" تصنَّف على أنّها "أكبر فضيحة في تاريخ كرة القدم" على الإطلاق؟ وكيف أثّرت على الدوري الإيطالي الذي أضحى، بنظر البعض، "دوري العجائز والمتقاعدين"؟
ماذا عن "ثورة" الدوري الإنكليزي: البريمرليغ؟ هل أسهم سقوط "الكالتشيو" في صعودها عمليًا؟ وما الخلاصة التي يستنتجها "الكوير" من كلّ ما سبق حول أهمية المال في صناعة كرة القدم؟