أعاد قرار الحكومة الفرنسية بحظر ارتداء العباءة في المدارس الانقسامات التي تعاني منها المعارضة اليسارية حول العلمانية إلى الواجهة. ففي حين رحّب جزء منها بهذا القرار، أعلن اليسار المتطرّف الثلاثاء عزمه على الطعن به أمام القضاء.
فقبيل أيام من بدء العام الدراسي الجديد، قال وزير التربية الوطنية غابرييل أتال (وسط) خلال مؤتمر صحافي إنّه يعتزم حظر العباءة في المؤسسات التربوية، مشيرًا إلى أن ارتداء هذا الزي الإسلامي يعد انتهاكًا للقوانين العلمانية الصارمة المطبقة في مجال التعليم في البلاد.
واعتمد الوزير في تصريحاته على مذكرة صادرة عن أجهزة أمن الدولة جاء فيها أن الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في المدارس آخذة في التزايد بشكل كبير منذ حادثة قتل مدرس عام 2020، وارتفعت بنسبة 120% خلال العامين الدراسيين الماضيين.
وقال أعضاء في الحكومة الفرنسية إن حظر ارتداء العباءة في المدارس يستجيب لما وصفوه بـ"ضرورة الاتحاد في مواجهة الهجوم السياسي الموجه إلى العلمانية".
انقسام داخل اليسار
ويعد هذا الإجراء الذي لقي تأييدًا من جانب اليمين واليمين المتطرّف، رمزًا جديدًا للانقسامات التي يعاني منها اليسار.
ومنذ أن شكّل اليسار الفرنسي ائتلافًا لخوض الانتخابات التشريعية عام 2022، عانى من خلافات عدّة كان آخرها هذا الصيف مع مسألة تشكيل قائمة مشتركة للانتخابات الأوروبية المقرّرة في يونيو/ حزيران 2024.
#فرنسا تحظر ارتداء العباءة في المدارس باعتباره "انتهاكا للقيم العلمانية"#العربي_اليوم pic.twitter.com/EJq06U20Mh
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 29, 2023
وقد وافق على قرار حظر العباءة في المدارس العديد من نواب الحزبين الاشتراكي والشيوعي باسم العلمانية. لكنّ المدافعين عن البيئة انتقدوا القرار معتبرين إياه "وصمة"، في حين أدانه حزب اليسار الراديكالي "فرنسا الأبية" معتبرا إياه قرارًا "معاديًا للإسلام" و"قاسيًا".
وأعلن منسّق الحزب النائب مانويل بومبار الثلاثاء عزمه اللجوء إلى مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية فرنسية، للطعن في القرار، معتبرًا أن هذا الحظر يثير "المخاوف والأوهام وسيترجم مرة أخرى بتمييز حيال الشابّات وبخاصة المسلمات".
ولفت إلى أن السلطات الدينية الإسلامية تقول "إنّ العباءات ليست لباسًا دينيًا وبالتالي لست أرى سببًا لحظرها"، مشددًا على أنّ السعي لتنظيم لباس المرأة قرار "مفتوح على كلّ الاحتمالات".
الاستقطاب السياسي داخل المدارس
بدوره، أعرب زعيم "فرنسا الأبية" جان-لوك ميلانشون في منشور على موقع إكس (تويتر سابقًا) عن "حزنه لرؤية العودة إلى المدراس عرضة للاستقطاب السياسي عبر حرب دينية جديدة سخيفة ومصطنعة تمامًا حول لباس نسائي".
لكنّ النائب الاشتراكي جيروم غيدج حذّر نوّاب حزب فرنسا الأبية ونشطاء البيئة من أنّ "هناك خطرًا من خلال الكلمات التي يستخدمونها للتشكيك في قانون 2004. وسيكون ذلك كارثيًا".
ونتيجة لقانون 1905 بشأن الفصل بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة، فإن المفهوم الفرنسي للعلمانية يحصر الدين في المجال الخاص.
ووفقًا لقانون 15 مارس/ آذار 2004 "يحظر على الطلاب في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية ارتداء العلامات أو الملابس التي تُظهر انتماءهم الديني".
وقد حددت مذكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أنّ الملابس التي تظهر "بطبيعتها الانتماء الديني" وتلك التي "يمكن أن تصبح كذلك" بسبب "سلوك الطالب" مشمولة.
كما سمح نصّ عام 2004 "تهدئة الأوضاع" المرتبطة بالمدرسة باعتبارها "مساحة حيادية لبناء الإرادة الحرة والحكم لتحرير الشباب الصاعد".