الأحد 15 Sep / September 2024

احتجاجات فرنسا.. أين أصبح شعار "الحرية والمساواة والأخوة"؟

احتجاجات فرنسا.. أين أصبح شعار "الحرية والمساواة والأخوة"؟

شارك القصة

نافذة إخبارية عن آخر تطورات احتجاجات فرنسا بعد مقتل شاب جزائري بيد رجل شرطة (الصورة: اسوشييتد برس)
ما الخطأ الذي ترتكبه فرنسا والذي يمنع شرائح من سكانها، لا سيما بين ذوي البشرة الملوّنة، من الانصياع لوعدها بالمساواة والأخوة للجميع؟

لطالما طمحت فرنسا لتحقيق المثل العليا من "الحرية والمساواة والأخوة"، حتى تمّ نقشها على عملات معدنية، ونُحتت فوق أبواب المدرسة في جميع أنحاء البلاد.

ومع ذلك، فهي عكس ما رآه بعض الفرنسيين في مقطع الفيديو الصادم لرجل الشرطة الذي قتل الشاب الجزائري نائل البالغ 17 عامًا، خلال عملية تدقيق مروري.

في غضون ساعات من الحادث، كانت أولى حرائق الغضب والانتقام تضيء سماء نانتير، إحدى ضواحي باريس.

وسرعان ما انتشرت نيران الغضب، من المدينة الواقعة على أطراف الحي التجاري الشاهق في العاصمة الفرنسية، مع مشاريع الإسكان المحرومة، والفجوات الصارخة في الثروة، ومزيج من الأعراق والتأثيرات الثقافية المستوردة من المستعمرات الفرنسية السابقة.

وأبلغت أكثر من 200 مدينة وبلدة عن هجمات متعمّدة على مبان عامة، وإحراق سيارات، واشتباكات مع الشرطة، وعمليات نهب وأعمال فوضى أخرى في ست ليال من الاضطرابات.

وانتشر العنف في جميع أنحاء البلاد، من موانئ ذوي الياقات الزرقاء على الساحل الشمالي لفرنسا إلى المدن الجنوبية المطلة على جبال البيرينيه، ومن أحواض التعدين السابقة غير الصناعية إلى نانت ولا روشيل على الساحل الغربي للمحيط الأطلسي، والتي كانت ذات يوم قلب تجارة الرقيق الفرنسية.

وبعد أكثر من 3400 عملية اعتقال وإشارات على أن العنف بدأ ينحسر الآن، تُواجه فرنسا مرة أخرى تصفية حسابات، كما فعلت بعد أعمال الشغب السابقة في الأحياء المحرومة والمختلطة الأعراق في الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي هذا الإطار، سألت وكالة "أسوشييتد برس": "ما الخطأ الذي ترتكبه فرنسا والذي يمنع شرائح من سكانها، لا سيما بين ذوي البشرة الملوّنة، من الانصياع لوعدها بالمساواة والأخوة للجميع؟".

مشكلات قديمة جديدة

من بين العوامل التي يتمّ إلقاء اللوم عليها هي المشاكل القديمة والجديدة على حد سواء: العنصرية في صفوف الشرطة والمجتمع الفرنسي على نطاق أوسع، واتساع رقعة الفقر بسبب ارتفاع التكاليف المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، وعقود من الإهمال الحضري، وانهيار الزيجات والسلطة الأبوية، وتداعيات وباء كوفيد 19.

وكان المراهقون الصغار، الذين تعطّلت حياتهم الدراسية بسبب حظر التجوّل مع جائحة كورونا، من بين أولئك الذين قاموا بالتحطيم والحرق والسرقة والقتال مع الشرطة، مستمتعين بالفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي.

بالنسبة إلى يزيد خيرفي، الذي يقضي وقته في القيادة من مشروع سكني إلى آخر لتوعية الشباب حول كيفية تجنّب المسار الذي سلكه في الجريمة والسجن، كان العنف صرخة استياء من جيل يقول إنّه يشعر بأنّه غير محبوب، وتُرك جانبًا.

أبلغت أكثر من 200 مدينة وبلدة فرنسية عن هجمات متعمّدة
أبلغت أكثر من 200 مدينة وبلدة فرنسية عن هجمات متعمّدة - اسوشييتد برس

على ظهر السيارة الصغيرة التي يستخدمها خيرفي، رسم اقتباسًا من مارتن لوثر كينغ يقول: "يجب أن نتعلّم كيف نعيش معًا كأخوة أو سنموت جميعًا كحمقى". لكن في جولاته، قال خيرفي لوكالة اسوشييتد برس، إنّه كثيرًا ما يسمع شبانًا يشكون من عنصرية الشرطة بسبب لون بشرتهم.

وأضاف للوكالة: "الشرطة ليست مدربة جيدًا للعمل في الأحياء الصعبة. بعض رجال الشرطة عنصريون، وعنيفون، حيث يتمّ توقيف السود والعرب بشكل متكرّر أكثر بكثير من البيض".

وقال: "نحن بعيدون جدًا عن الحرية، والمساواة، والأخوة. لقد كان الأمر على هذا النحو لأكثر من 40 عامًا. لذلك بالطبع، في كل مرة تقع فيها أعمال شغب في فرنسا، يكون ذلك مرتبطًا بوفاة شاب أثناء عملية حفظ الأمن. ونادرًا ما تلوم الشرطة نفسها".

سارع المسؤولون الحكوميون إلى إدانة تصرّفات الضابط المسجون الآن بتهمة أولية تتعلق بالقتل العمد. ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إطلاق النار بأنه "لا يمكن تفسيره ولا يغتفر".

تفاوتات صارخة لا يمكن تجاهلها

إن قياس مستوى العنصرية وعدم المساواة العرقية في فرنسا معقّد، مع قيود صارمة على البيانات التي يمكن جمعها. بالنسبة للنقّاد، جعلت هذه الفلسفة الموجّهة الدولة غافلة عن التمييز. التعداد السكاني في فرنسا ليس لديه أسئلة حول العرق والأصول.

ومع ذلك، فإن التفاوتات صارخة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ووجدت وكالة الإحصاء الحكومية عام 2020، أنّ معدلات الوفيات بين المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء تضاعفت في فرنسا، وتضاعفت ثلاث مرات في منطقة باريس في ذروة وباء كورونا، في اعتراف بتأثير الفيروس وغير المتناسب على المهاجرين والأعضاء من البشرة السوداء، من مجموعات الأقليات الأخرى التي تمّ التغاضي عنها بشكل منهجي.

وكشفت أبحاث أخرى عن العنصرية في أماكن العمل والتوظيف.

وقال أبيل بويي، رئيس مجموعة "كلنا فريدون، كلنا متّحدون" التي تهدف إلى التوفيق بين الشباب وفرنسا وقيمها الجمهورية، لوكالة اسوشييتد برس: "على مدار 40 أو 45 عامًا، كانت هناك علامات تحذيرية بشأن التمييز".

وانتقد بويي، وهو من ذوي البشرة السمراء، "عمى الألوان" في البلاد، ووصفه بأنه "نفاق فرنسي". وأوضح أنّه يُصادف بانتظام شبابًا من ذوي البشرة البيضاء والسمراء من الأحياء المحرومة الذين يتقدّمون لعشرات الوظائف، ولكن لا يتمّ تعيينهم "لأن اسم العائلة يبدو غريبًا، أو لأن عنوان السكن ليس جيدًا".

وقال: "لسوء الحظ، عندما يكون هناك ظلم، هناك دائمًا طرف متطرّف يوجّه إلى العنف. رأينا هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 19 عامًا، يحرقون السيارات ويرجمون رجال الشرطة بالحجارة ويرجمون الحافلات في ساعات متأخرة من الليل. إنّه أمر فظيع. الغضب حقّ لهم، لكن طريقة التعبير عنه خاطئة".

"صبّ الوقود على النار"

يساعد فيديو وفاة نائل في تفسير الانتشار السريع والقوي المفاجئ للعنف، على غرار حادثة مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة، حين تركت الصور بعض الناس يتساءلون عما إذا كانت انتهاكات الشرطة في بعض الأحيان تمر دون عقاب لأنّه لم يتمّ التقاطهم بالكاميرا.

وكتب المتظاهرون على الجدران في نانتير: "بدون فيديو، سيكون نائل مجرّد رقم".

اعتبر بعض الفرنسيين أنّ نائل سيكون مجرد رقم لأنّه لم يتمّ التقاط عنف الشرطة ضده بالكاميرا
اعتبر بعض الفرنسيين أنّ نائل سيكون مجرد رقم لأنّه لم يتمّ التقاط عنف الشرطة ضده بالكاميرا- اسوشييتد برس

وفي هذا الإطار، قال ضابط الشرطة وليد حرار لوكالة أسوشييتد برس إنّ "العلاقة بين قوات القانون والنظام في فرنسا والأحياء المحرومة التي يعمل فيها، لم تنكسر مع بدء أعمال الشغب".

ويُدير حرار مجموعة متطوّعة من الضباط باسم "حرّاس الأخوة"، الذين يجتمعون مع أطفال الحي في محاولة للتفاهم ومساعدتهم على رؤية أنّهم أناس أيضًا بغضّ النظر عن زيّهم الرسمي. وأقرّ أنّه "في بعض الأحيان، تكون المحادثات صعبة للغاية وعاصفة".

لكن حرار، وهو مغربي الأصل ومسلم، قال إنّ قوة الشرطة "تغيّرت بشكل هائل"، وأصبحت أكثر تنوّعًا منذ انضمامه إلى الشرطة عام 2004.

لكن في العام التالي اجتاحت أعمال الشغب فرنسا. وأمضى حرار حياته المهنية في الضواحي الشمالية لباريس حيث اندلع هذا العنف لأول مرة، عندما تمّ صعق بونا تراوري (15 عامًا) وزيد بينا (17 عامًا)، أثناء الاختباء من الشرطة في محطة كهرباء فرعية في كليشي سو بوا.

وقال حرار إنّ أحد الفروق بين الماضي والحاضر هو أنّ "الجيل الجديد من المشاغبين لا يعرف حدودًا على ما يبدو، وهم يحطّمون المدارس، وقاعات البلديات، ومراكز الشرطة، وغيرها من رموز السلطة".

أما الاختلاف الرئيسي الآخر فهو الشبكات الاجتماعية. لم يحتفل هذا الجيل بالفوضى في مقاطع فيديو قصيرة على منصتي "تيك توك" و"سناب شات" فقط، ولكن يتمّ تنظيم هذه الاحتجاجات على شبكاتهم أيضًا وفقًا للحكومة.

وسرعان ما غمرت الميمات والهاشتاغات حول النهب، المنصّات الداعية للعدالة لنائل. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنّ بعض مثيري الشغب بدوا وكأنهم يمثّلون "ألعاب الفيديو التي سمّمتهم".

كل هذا يُضاعف الخطر، مع وجود تصدّعات عميقة في أسس بلد لا يزال غير متوافق مع ماضيه الاستعماري العنيف في كثير من الأحيان، ومع التمييز المتأصل والتفاوتات التي تتحدى الحلول السريعة.

وفي هذا الإطار، شدّد بويي على أنّ فرنسا تُواجه "تحديًا كبيرًا" في القرن الحادي والعشرين يتمثّل في "كيفية جمع العديد من التواريخ في تاريخ واحد مشترك يهمنا جميعًا، بغض النظر عن لون البشرة وأصلها".

تابع القراءة
المصادر:
العربي، ترجمات
Close