لا يزال المغرب يلملم جراحه من تداعيات الزلزال القوي الذي شعر به السكان في عدة بلدات ومدن، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 2400 شخص وجرح وشرد الآلاف.
وفيما يستمر البحث عن ناجين، تبرز الأضرار الهائلة الناجمة عن هذه الكارثة الطبيعية المدمرة التي ضربت المغرب يوم الجمعة الفائت بقوة 7 درجات على مقياس ريختر.
فقد تطرقت الصحف العالمية إلى آثار الزلزال الكارثية على الاقتصاد المغربي، حيث أصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية "الإنذار الأحمر" بشأن الخسائر الاقتصادية المحتملة.
وقالت الوكالة: "من المحتمل وقوع أضرار كبيرة، ومن المرجح أن تكون كارثة واسعة النطاق"، فيما قدرت أن تصل الخسائر الاقتصادية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، وقد ترتفع إلى 8%.
وتابعت الوكالة التي مقرها في فيرجينيا الأميركية، أن مستوى الأحداث التي تشهدها المملكة نتيجة هذه الكارثة تتطلب استجابة على المستوى الوطني أو الدولي.
الزلزال ضرب قلب الاقتصاد
ورأت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها صدر اليوم الإثنين، أن الزلزال ضرب بالتأكيد الاقتصاد المغربي، مشيرةً إلى أن الزلزال أصاب قلب صناعة السياحة في المغرب قبل أسابيع من ذروة موسمها.
وبحسب الصحيفة، يعاني المغرب أصلًا انكماشًا اقتصاديًا كبيرًا، ويواجه الآن خسائر محتملة تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، والسيناريو الأكثر ترجيحًا هو خسائر تتراوح بين مليار دولار و10 مليارات دولار.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبير اقتصادي قوله: "تعافي الاقتصاد المغربي بعد الزلزال سيستغرق سنوات في وقت ما زال فيه المواطنون متخوفون من الهزات الارتدادية التي ستستغرق أسابيع".
من جهته، أشار مراسل "العربي" من المغرب عبد الصمد جطيوي إلى أن منظمات دولية قدرت الخسائر المالية الأولية للزلزال بأنها قد تتجاوز 130 مليار دولار، ما يمثل نحو 2% من الناتج المحلي المغربي وهو رقم مرجّح للارتفاع، فيما تحاول الحكومة أن تنهي تقييمها لخسائر الزلزال.
معضلات كبيرة في إعادة البناء
من جهتها، رأت وكالة "بلومبيرغ" أن المغرب يحتاج وقتًا للتعامل مع تداعيات كارثة الزلزال، واعتبرت أن الكارثة وجهت ضربة قوية للمملكة التي تعتبر نفسها جزيرة استقرار في شمال إفريقيا.
كما يعد المغرب نقطة جذب للمستثمرين، القلقين من الاقتصادات الأخرى في المنطقة.
وحسب "بلومبيرغ" سلطت الأحداث الأخيرة الضوء أيضًا على الفوارق المادية في المغرب، ففي حين كانت مراكش مقصدًا لرجال الدولة والمشاهير والمليارديرات، إلا أنها تقع على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من قرى تعاني من نقص الخدمات الأساسية.
وبرأي الصحيفة فإن الحكومة المغربية ستواجه معضلات كبيرة في إعادة بناء المناطق المتضررة وإصلاح الضرر في البنية التحتية في ظل الصعوبات المالية التي تعانيها البلاد أصلًا.
فالاقتصاد المغربي يعاني من انكماش حاد، بفعل الأزمات المحلية والدولية بما في ذلك الجفاف وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وفقًا للبنك الدولي.
وقال البنك الدولي في مايو/ أيار الفائت، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمغرب انخفض إلى ما يقدر بـ 1.2 % بين عامي 2021 و2022 من 7.9 % "ما دفع بالتضخم إلى معدل 8.5 % في فبراير/ شباط الفائت الذي بدوره يؤثر على الأسر الأكثر فقرًا".
تضرر شريان الاقتصاد المغربي
ويؤثر خطر الزلازل على منطقتين من البلاد: الشمال وهو مركز النشاط الاقتصادي، ومنطقة أكادير إحدى المراكز السياحية الرئيسية في المغرب، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويعتمد المغرب بشكل رئيسي على القطاع السياحي، في حين تعد مراكش مركزًا للعديد من المواقع الأثرية الموضوعة على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة "اليونسكو".
ولم يعرف حتى الآن إلى أي مدى ستتأثر السياحة نتيجة الزلزال، في وقت تمثل السياحة 7% من النشاط الاقتصادي المغربي، وتوظف أكثر من نصف مليون شخص، وفقًا لـ"موردور إنتليجنس".
في السياق، نقل مراسل "العربي" في الرباط أن فرنسا أعلنت مقتل 4 من مواطنيها وإصابة 15 آخرين كانوا سياحًا دون تحديد مكان مقتلهم، لكن كان ذلك جراء الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز.
وفي بيان مشترك أمس الأحد، قال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية وفرنسا والهند والاتحاد الإفريقي، إنهم "سيدعمون المغرب بأفضل طريقة ممكنة".
وقالوا: "لقد كنا وما زلنا شركاء ملتزمين للمغرب، وندعم السلطات في سعيها لبناء اقتصاد شامل ومرن بمؤسسات قوية.. هذه القوة ستخدم الشعب المغربي بشكل جيد وهو يتعافى من الدمار الذي خلفه الزلزال".
كما تعهدت المجموعة بتقديم "كل الدعم اللازم لأي احتياجات مالية عاجلة على المدى القصير ولجهود إعادة الإعمار" في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
ولتحقيق هذه الغاية، ستحشد هذه الدول الأدوات والمساعدات التقنية والمالية بطريقة منسقة، "لمساعدة الشعب المغربي على التغلب على هذه المأساة الرهيبة".