الخميس 14 نوفمبر / November 2024

عزمي بشارة عن تهمة "معاداة السامية": إرهاب فكري يجب أن يُرَدّ عليه

أخبار فلسطين
عزمي بشارة عن تهمة "معاداة السامية": إرهاب فكري يجب أن يُرَدّ عليه
السبت 11 مايو 2024

شارك القصة

شدد الدكتور عزمي بشارة على وجوب العودة إلى الخطاب الذي يؤكد على عدالة قضية فلسطين باعتبارها قضية تحرر وطني
شدد الدكتور عزمي بشارة على وجوب العودة إلى الخطاب الذي يؤكد على عدالة قضية فلسطين باعتبارها قضية تحرر وطني

أكّد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة أنّ إسرائيل تحاول إخضاع مفهوم معاداة السامية لخدمة مصالحها السياسية، واصفًا ذلك بأنّه "إرهاب فكري يجب أن يُرَدّ عليه بقوة".

وثمّن بشارة في حديث إلى "العربي" ضمن التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتصعيد في المنطقة، الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات الأميركية والغربية، حيث اعتبره أكبر حراك دولي عابر للحدود لصالح القضية الفلسطينية منذ النكبة.

ولفت إلى أنّ اليمين الأميركي يعيش حالة هستيريا نتيجة الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات، داعيًا إلى الحفاظ على هذا الحراك، وتشجيعه على الانفتاح والتوسّع، وعدم الانغلاق مع مجموعات راديكالية متطرفة.

وفيما اعتبر بشارة أنّ انتشار التعاطف مع قضية فلسطين هو أحد الإنجازات التي تحقّقت نتيجة الصمود الفلسطيني في وجه الحرب الإسرائيلية، شدّد على وجوب العودة إلى الخطاب الذي يؤكد على عدالة قضية فلسطين باعتبارها قضية تحرر وطني.

وتوقف بشارة عند تصوّرات "اليوم التالي" للحرب، حيث لفت إلى أنّه لا يوجد لدى إسرائيل أي تصور حقيقي لليوم التالي في قطاع غزة، متحدّثًا عن "فوضى وتخبّط" في هذا الإطار.

لكّنه أشار إلى أنّ "الناقص" في هذا المشهد هو وجود طرف فلسطيني يستغلّ هذا الأمر لفرض "تصوّره" لليوم التالي، مشدّدًا على أنّ وجود قيادة فلسطينية موحدة سيفرض خيار الحل العادل للقضية الفلسطينية على جميع الأطراف.

وفي قراءته للتطورات السياسية والميدانية، لفت بشارة إلى أنّ المجتمع الفلسطيني كلّه يريد وقف إطلاق النار ولن يقبل أن تعود حركة حماس من المفاوضات بما هو دون ذلك.

وأشار إلى أنّ الواضح أن المقاومة تحضرت لمعركة رفح باعتبارها معركة فاصلة، ملاحظًا في الوقت نفسه أنّ إسرائيل تقوم بتصعيد عملياتها العسكرية حتى خلال جولات المفاوضات، كما أنّها مصرّة على أن تلعب دور الضحية في كل الحالات وتحت كل الظروف.

أكد الدكتور عزمي بشارة في حديثه لـ"العربي" أنه لا يوجد لدى إسرائيل أي تصور حقيقي لليوم التالي في قطاع غزة
أكد الدكتور عزمي بشارة في حديثه لـ"العربي" أنه لا يوجد لدى إسرائيل أي تصور حقيقي لليوم التالي في قطاع غزة

الفلسطينيون لا يقبلون بأقلّ من وقف إطلاق النار

من مفاوضات الصفقة وعملية رفح على وقع الجدل الأميركي الإسرائيلي، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى "العربي"، حيث أكّد أنّ الأميركيين كانوا يعرفون بمخطط إسرائيل الدخول إلى رفح، ولذلك كانوا يلحّون على إنجاز الصفقة قبل يوم الثلاثاء.

ووصف التخبّط الذي شهدته المفاوضات هذا الأسبوع، بأنّه سلسلة من "سوء الفهم"، معتبرًا أنّه لم يكن هناك أساس لأيّ اتفاق، في ضوء التباعد في وجهات النظر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، خصوصًا في ما يتعلق بوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من قطاع غزة.

وشدّد على أنّ المجتمع الفلسطيني كلّه يريد وقف إطلاق النار ولن يقبل أن تعود حماس من المفاوضات بما هو دون ذلك، في حين أنّ إسرائيل تقول إنّها لم تنهِ المهمّة، علمًا أنّ المفارقة في هذا الموضوع أنّ إسرائيل تفاوض الطرف الذي تقول إنّها تريد القضاء عليه، وكأنّها تطلب منه أن يساعدها لتقضي عليه.

وفيما أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الوسطاء توصّلوا يوم الثلاثاء إلى شيء شبيه بوثيقة باريس، متحدّثًا عن "مرونة" من جانب حركة حماس في هذا الإطار، شدّد على أنّ إسرائيل في المقابل ترفض أيّ صيغة يمكن أن تَشي بوقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يشكّل عقدة حقيقية في طريق المفاوضات.

بين اجتياح رفح والقضاء على المقاومة

أكثر من ذلك، أعرب الدكتور بشارة عن اعتقاده بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرهن "مهمّة" القضاء على حماس بمسألة الهجوم على رفح، لافتًا إلى وجود نقاش على "كيفية" الدخول إلى رفح وليس على الدخول إلى رفح بحدّ ذاته، متسائلاً كيف يمكن أن يحصل اتفاق في مثل هذه الظروف.

ورأى استنادًا إلى ذلك، أنّ ما يتسرّب عن مسار المفاوضات يؤكد أن المقاومة مرنة وتبذل جهدًا وتريد التوصل إلى تسوية في حين أن إسرائيل تريد أن تتوصل إلى هدنة مؤقتة فقط يتلوها مواصلة الحرب، لكن بعد إنجاز صفقة تبادل الأسرى، مشدّدًا على أنّ المجتمع الفلسطيني لا يريد أقلّ من وقف إطلاق النار.

المجتمع الفلسطيني كلّه يريد وقف إطلاق النار ولن يقبل أن تعود حماس من المفاوضات بما هو دون ذلك، في حين أنّ إسرائيل تقول إنّها لم تنهِ المهمّة

وفي سياق متّصل، تحدّث بشارة عن "تجذّر" أكثر لمطالب حركة الاحتجاج في إسرائيل بمعنى أنها أصبحت تهتف مطالبة بوقف إطلاق النار وتتهم نتنياهو بأنه غير مكترث بحياة الأسرى والرهائن، معربًا عن اعتقاده بأنّ عناصر من حركة الاحتجاج ما قبل الحرب دخلت الآن على الخط واختلطت الأمور ببعضها.

ولفت إلى أنّ الأمر الرئيسي بالنسبة إلى نتنياهو كما أصبح واضحًا، هو إطالة زمن الحرب لكي يبقى في السلطة، وهو يعتقد بأنه بالإمكان الانتهاء من إدارة حماس لغزة، وبالتالي يريد أن يعلن بعد انتهاء الهجوم على رفح أنّ "المهمّة اكتملت"، وبالتالي أنّ الوقت حان لبدء التفاوض مع الأطراف التي ستدير غزة.

وفيما رأى أنّ نتنياهو يعتقد أنّ مثل هذا الأمر ممكن بالقصف والقتل، لفت إلى أنّ سلوك المقاومة في المقابل يُظهِر أنّ هناك مفاجآت تنتظره، معتبرًا أنّ المقاومة تحضرت لمعركة رفح باعتبارها معركة فاصلة، مضيفًا: "لن يكون هناك (يوم تالي) على ما يبدو لا توجد فيه المقاومة".

"خلاف حقيقي" بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟

وتوقف بشارة عند ما يظهر من خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فأكد وجود "خلاف حقيقي" ولكن ليس على طبيعة المعركة، بل على الأدوات.

وأوضح أنّ حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة يشعرون بالحرج من طول الحرب ومن عدم قدرتهم على القضاء على المقاومة، ولكن أيضًا من عدد الضحايا المدنيين والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في القطاع.

وقال إنّ بايدن وإدارته يتفقون مع إسرائيل على ضرورة القضاء على حركة حماس بالمعنى الذي يفهمونه، أي ألا تكون قادرة على إدارة غزة وعلى تهديد أمن إسرائيل كما يقولون، "لكنّهم يريدون أن يتحقّق هذا الهدف من دون إحراج لهم".

وأضاف: "بمعنى آخر، فهم يتفقون على أن دخول رفح لا بد منه لإعلان القضاء على حماس، لكنّهم يريدون أن يدخل رفح بدون حجم الفضائح الذي كان حتى الآن والذي يتوقعون أن يكون أكبر في رفح، ولذلك يحرصون على ما يسمّونها خطوط حمراء".

وشدّد على أنّه لا يوجد تغير حقيقي في الدعم والمساندة الأميركية لإسرائيل بالمال والسلاح والأهم المساندة السياسية، لافتًا في المقابل إلى "فجور" في الخطاب الإسرائيلي، حتى إزاء الإدارة الأميركية نفسها.

وفي إشارة إلى كلام نتنياهو ضدّ بايدن، تحدّث بشارة عن "نكران للجميل"، ولكن أبعد من ذلك، عن "ردح ناجم عن لعب دور الضحية في كل الأحوال".

تصعيد إسرائيلي في خضمّ المفاوضات

وفي خلاصة القراءة السياسية والميدانية، رأى الدكتور بشارة أنّ الواضح هو عدم القدرة على التوفيق بين من يرفض وقف إطلاق النار بأيّ ثمن، ويعتبر ذلك خطًا أحمر، ومن يعتبر في المقابل وقف إطلاق النار هو الخط الأحمر، الذي لا يمكن القبول بما هو أقلّ منه.

ولفت إلى أنّ هناك طرفًا في الولايات المتحدة كان يعتقد أنه بالإمكان التوصل إلى وقف إطلاق نار ولكن تدريجيًا بمعنى هدن طويلة يصعب بعدها العودة إلى إطلاق النار، وكان يسعى إلى التوصل إلى "صيغة وسط" من هذا النوع، لكن حماس لم تعتبر ذلك كافيًا، وطالبت بضمانات.

وأشار إلى أنّ الولايات المتحدة حاولت إزاء ذلك، أن تُدخِل صياغات في النصّ، تشي بأنّ التهدئة تعني وقفًا دائمًا لإطلاق النار، لكنّ إسرائيل رفضت هذه الصياغات أيضًا. وأوضح أنّ إسرائيل لم تتِح المجال لمن يفكّر بهذه الطريقة في الولايات المتحدة أن يعبَّر عنه في الصياغات، وهي لا تريد أي صيغة يمكن تفسيرها أنها وقف دائم لإطلاق النار.

وردًا على سؤال، أشار إلى أنّه يجري التفاوض على كل الأمور الأخرى، "لكن تبقى هذه العقدة فيفشل كل شيء من جديد"، معربًا عن اعتقاده بأنّ الهدف هو ألا يظهر أي أحد كأنه يريد وقف التفاوض.

وخلص إلى أن الوسطاء يعملون جهودهم بهذه الإمكانيات بمعنى أنهم يصلون إلى شيء تدرجًا، لكنّ المفارقة وسط كل ذلك أنّ إسرائيل تصعّد حتى أثناء المفاوضات، وهي لا تبدي أيّ حسن نيّة.

رأى بشارة أن اليمين الأميركي يعيش حالة هستيريا نتيجة الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات
رأى بشارة أن اليمين الأميركي يعيش حالة هستيريا نتيجة الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات

أيّ تصوّر لدى إسرائيل لـ"اليوم التالي"؟

وفي المحور الثاني من حديثه لـ"العربي"، توقف المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مليًا عند تصوّرات ما يسمّى "اليوم التالي"، حيث لفت إلى أنّه لا يوجد لدى إسرائيل أي تصور حقيقي لليوم التالي في قطاع غزة.

واستعاد بشارة في هذا السياق لحظة السابع من أكتوبر، التي قال إنّها صدمت الإسرائيليين، فخرجوا سريعًا للحرب بناءً على اعتبارات عدّة، منها استعادة هيبة الردع واستعادة توازن المجتمع الإسرائيلي وضمان عدم تكرار أيّ حدث مشابه لـ7 أكتوبر والقضاء على المقاومة وتحرير الأسرى.

ولفت إلى أنّ الإسرائيليين أيضًا استغلّوا الحرب وأجواء الحرب للقيام بأمور في الضفة يخططون منذ مدّة لتنفيذها مثل تهجير مجمعات بدوية وتوسيع الاستيطان والتخلص من بؤر للمقاومة في المخيمات وحتى مراجعة العلاقة مع عرب الداخل، لكنّهم لم يكن لديهم أيّ خطة فعليّة، أو ما يُعرَف عسكريًا بالـExit Strategy.

وعلى مستوى تصوّرات "اليوم التالي"، لفت إلى طروحات إسرائيلية عدّة، بينها كلام عن إمكانية أن تأتي قوة فلسطينية محلية لإدارة القطاع بالتعاون مع قوى دولية، كما تحدّث عن الرهان سابقًا على العشائر، مع العلم أنّ هذه العشائر لا تشكّل قوة حقيقية في قطاع غزة، فضلاً عن كونها أصلاً مخترقة من الأحزاب والقوى السياسية.

كما أشار إلى طروحات أخرى، من بينها التعويل على قوى محلية أخرى أو أجهزة أمن سابقة كانت في قطاع غزة قبل أن تستولي حماس على السلطة عام 2006، بحيث تستلم إدارة القطاع مجدّدًا بالتعاون مع دول مثل الأردن ومصر وربما بعض الدول الخليجية.

ماذا عن "التصوّر الفلسطيني"؟

وخلص بشارة إلى أنّ هذا "كله كلام تنظير لا أساس له حتى الآن"، معربًا عن اعتقاده بأنّهم "لو تركوا غزة الآن فستستلمها حماس من جديد". وشرح أنّ القوة المنظمة الآن على الأرض في غزة ما زالت حركة حماس وفصائل المقاومة المتحالفة معها مثل الجهاد، مضيفًا: "لا أقول إنه لا توجد قوى أخرى لكن غير قادرة على إدارة القطاع".

وتوقف بشارة عند ما وُصِفت باجتماعات "السداسية"، حيث أشغل الأميركيون ستّ دول عربية، بما فيها فلسطين، في إعداد تصوّرات لكيفية الوصول بشكل واثق إلى حلّ الدولتين، وبالفعل أعدّت هذه الدول أوراقًا، لم تحمل عمليًا شيئًا جديدًا أو منظّمًا، "إلا أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رفضها كلّها".

وأوضح أنّ الأميركيين لا يريدون فعلاً حلّ الدولتين، وحين يُسأَلون عن البديل، يقولون إنّ لا بديل لديهم في سنة انتخابات، مستنتجًا أنّ هناك "فوضى وتخبّطًا حقيقيًا". وقال: "ليس لديهم تصور حقيقي لليوم التالي وهذه كارثة، لكنّ الكارثة أنه في الجهة المقابلة لا يوجد من يستغلّ هذا الأمر لفرض تصوّره".

ما يمكن أن تقبله المقاومة هو حكومة أو إدارة يتمّ التوافق عليها، ويكون لها مرجعية من خارجها هي مرجعية وحدة وطنية ضمن إطار برنامج يقود إلى دولة فلسطينية

وأضاف: "قد تكون هناك دول عربية راغبة بأن تدخل إلى غزة، لكنها لا تستطيع أن تدخل وحماس بهذه القوة التي نراها، أو لا تستطيع أن تعبّر عن رغبتها في ظلّ الحرب، وبالتالي لا يوجد تصور لليوم التالي سوى كلام من نوع كلام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي".

لكنّه شدّد على أنه "لا يوجد في المقابل طرف فلسطيني واحد يقول نحن القادرون على إدارة غزة والضفة بعد الحرب وهذا تصوّرنا والعالم يجب أن يقبله، لأنّ هذا يتطلب وحدة وطنية".

القيادة الفلسطينية الموحّدة والحلّ العادل

ورأى بشارة أنّه "فيما حرب الإبادة مستمرّة، لا يوجد طرف يستغلّ هذا الأمر ويقول سيكون عليكم العودة للشعب الفلسطيني، ولدينا قيادة موحّدة وهذا تصوّرنا"، معربًا عن اعتقاده بأنّ هذا الأمر "هو الناقص الآن".

وفيما أقرّ بأنّ لديه نظرة متشائمة لناحية الأوضاع العربية وأوضاع الفلسطينيين، لفت إلى أنّ المقاومة الفلسطينية "قد تقبل ألا تكون في إدارة قطاع غزة"، لكن هذه المقاومة التي تدرك أنها لا تستطيع أن تدير الخراب والحصار، ويمكن أن تقبل بحكومة أخرى توافق عليها، لن تقبل بإدارة تُفرَض عليها.

وشدّد على أنّ أي محاولة من هذا النوع ستفشل، بل ستكون مشروع خراب مديد، ولن يكون ذلك في صالح "حفظ أمن إسرائيل" أيضًا. وقال: "ما يمكن أن تقبله المقاومة هو حكومة أو إدارة يتمّ التوافق عليها، ويكون لها مرجعية من خارجها هي مرجعية وحدة وطنية ضمن إطار برنامج يقود إلى دولة فلسطينية".

ورأى أنّ من يريد حلاً سياسيًا يجب أن يقبل بهذا الخيار الوحيد الممكن والمشرّف أيضًا والذي يحلّ قضية التسوية العادلة، مستذكرًا في هذا السياق محطّات تاريخية تثبت أنّه لا يوجد حركة تحرر وطني تنتصر عسكريًا على الاستعمار، ولكن أيضًا أنّ الاستعمار الاستيطاني يصل إلى قناعة بأنّ التكلفة لم تعد تحتمل، وأنّ سياسة القوة لا تنفع، ولا حلّ سوى بالتفاوض.

وشدّد على أن وجود قيادة فلسطينية موحدة سيفرض خيار الحل العادل للقضية الفلسطينية على جميع الأطراف، مضيفًا: "لست متفائلاً أنّ هذا سيحصل لكن واجبي أن أقوله".

أكد بشارة أن وجود قيادة فلسطينية موحدة سيفرض خيار الحل العادل للقضية الفلسطينية على جميع الأطراف
أكد بشارة أن وجود قيادة فلسطينية موحدة سيفرض خيار الحل العادل للقضية الفلسطينية على جميع الأطراف

"الإنجاز الثاني" للصمود الفلسطيني

وخصّص المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حيّزاً واسعًا من النقاش في حديثه لـ"العربي"، إلى الحراك المتصاعد دعمًا لفلسطين في الغرب، وتحديدًا في الجامعات، حيث اعتبر أنّ ما يحصل مهمّ جدًا ومفصليّ، ويكاد يكون الإنجاز الثاني للصمود الفلسطيني، بعد إحباط عملية تهميش قضية فلسطين بالتطبيع وغيره.

ومع ذلك، لفت بشارة إلى أنّ هذا الانتشار للتعاطف مع قضية فلسطين في صفوف الشباب وطلاب الجامعات ليس جديدًا، إذ ظهر بوضوح في استطلاعات الرأي التي كانت تجرى خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي بيّنت أنّ جيل ما بعد الحرب الباردة المتحرر من الأيديولوجيات والذي يحكم على قضايا الشأن العام من منظور أخلاقي أكثر، يشهد على تعاطف مع قضية فلسطين "لم نعرفه في السابق".

وأشار إلى أنّ الاستطلاعات في السنوات العشر الماضية أظهرت تزايد نسبة التأييد لفلسطين والنفور من إسرائيل، وتحديدًا في فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب والتحالف بينه وبين نتنياهو، لكنه أكد أنّ "قفزة مهمّة جدًا" حصلت على هذا الصعيد بعد السابع من أكتوبر.

وقال: "نحن لم نشهد منذ 76 عامًا، أي منذ النكبة، هذا الحجم التفاعل مع قضية فلسطين، وهذا الأمر جوهري، لأنّ هؤلاء قادة المستقبل ولهم دور مهم، كما لهم تأثير على النخبة في المجتمع الأميركي والبلدان التي جاؤوا منها".

وبهذا المعنى، أعرب عن اعتقاده بأنّ الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات الأميركية والغربية مهمّ جدًا، وهو يشبه الحراك الذي حصل ضد الحرب في فيتنام، بل يُعَدّ أكثر أهمية منه من ناحية أخلاقية، باعتبار أنّ الحراك الأخير كان فيه "مصلحة ذاتية"، انطلاقًا من أنّ الأميركيين كانوا عمليًا يناضلون ضد تجنيدهم في الجيش وإرسالهم إل فيتنام.

وقال: "في هذه الحالة هو تضامن مع شعب آخر تمامًا، ولا سيما أنه لا يوجد ضرر لهم كشباب ممّا يجري في غزة أو مصلحة مباشرة، وبهذا المعنى فإنّ ما يجري مهم سياسيًا وأخلاقيًا ويجب الحفاظ عليه وتشجيعهم على التوسع وليس الانغلاق مع مجموعات راديكالية متطرفة".

أكبر حراك دولي عابر للحدود منذ 1948

وإذ أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ هذه فرصة كبيرة جدًا للتأثير على الرأي العام الأميركي، لفت إلى أنّه ثبت في هذه الحرب أهمية الدول الغربية والولايات المتحدة لإسرائيل، التي لم تستطع الدفاع عن نفسها من دون هؤلاء.

وقال: "ظهر بشكل جلي للعيان أنّ إسرائيل حين تخوض حربًا بهذا الحجم لا تستطيع الاستمرار لأسبوع واحد دون الولايات المتحدة، ولذلك فإنّ لغة المقاومة الفلسطينية يجب أن تكون لغة تعرف كيف تخاطب هذا الرأي العام".

وذكّر بأنّ حركة المقاومة الفلسطينية هي حركة دينية إسلامية سياسية، وإن كانت تتخذ طابع حركة تحرر وطني أكثر فأكثر، في حين أنّ المتظاهرين في الولايات المتحدة هم من ديانات مختلفة، ودافعهم هو دافع أخلاقي متعلق بعدالة قضية فلسطين. ومن هذا المنطلق، شدّد على ضرورة العودة إلى الخطاب الذي يؤكد على عدالة قضية فلسطين باعتبارها قضية تحرر وطني.

وفي السياق نفسه، ثمّن حراك الجامعات بوصفه أكبر حراك دولي عابر للحدود تتلقاه القضية الفلسطينية منذ العام 1948، قائلاً: "هذه ظاهرة يجب أن نقدّر قيمتها وأن نرى الإمكانية الكامنة فيها وهي ضخمة وهائلة".

وفيما تحدّث عن معركة حقيقية ترافق هذه المعركة على حرية التعبير وعلى معنى التحرر الوطني، شدّد على أنّ تأثير هذه الحركات أكبر ممّا نراه، ملاحظًا أنّ اليمين الأميركي يعيش حالة هستيريا نتيجة الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات. كما لفت إلى أنّ إسرائيل قلقة جدًا مما يجري على مستوى الجامعات، "وعلينا ألا نستخفّ بهذا الحراك".

تهمة معاداة السامية والإرهاب الفكري

ومن هذه الدعوة، انتقل بشارة للحديث عن تهمة معاداة السامية التي وُجّهت للمتظاهرين، على الرغم من أنّ الحراك نفسه يُعَدّ من أكثر الحراكات سلميّة على الإطلاق، "ولذلك يُفترى عليهم، كما أنه يأتي في بعض الأحيان استفزازيون صهاينة يعتدون عليهم ليحصل صدام". ولفت إلى أنّ العديد من أساتذة الجامعات خرجوا في الإعلام بكثافة وشهدوا أن هذه حركات سلمية فرّقتها الشرطة بالقوة، وكلّ ذلك يؤكد أنّ المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة تخشى من هذا الحراك.

وبالحديث عن تهمة معاداة السامية، لفت إلى أنها تهمة جاهزة تستخدمها إسرائيل دائمًا ضدّ خصومها السياسيين، علمًا أنّ ذلك ينطوي على "تزوير بمعنى المصطلح"، مشيرًا إلى أنّ المحاولة بالمجمل هي محاولة "إزاحة للقضية"، بحيث "تصبح إسرائيل هي الضحية أو اليهود هم الضحايا، في حين أنّ الشعب الفلسطيني هو الضحية هنا".

اليمين الأميركي يعيش حالة هستيريا نتيجة الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات، كما أنّ إسرائيل قلقة جدًا مما يجري على مستوى الجامعات، وعلينا ألا نستخفّ بهذا الحراك

واستغرب بشارة كيف يصبح كلّ من يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ويقول إنّ إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية بحقه، معاديًا للسامية، متحدّثًا عن "ابتزاز للمشاعر" وفق هذا المنطق. وقال: "إذا قلت إن هذه إبادة تتهم بأنك معادٍ للسامية، وذلك لأنك تتهم إسرائيل في إبادة شعب آخر في حين هم يحتكرون مسألة الإبادة باعتبار أنهم الذين تعرّضوا لإبادة".

وأضاف: "هذا إرهاب فكري ويجب أن يُرَدّ عليه بقوة وألا نتعب وألا نكتفي بالدفاع عن حرية التعبير، بل يجب أن نجاهر بأنّ هذه ليست عداء للسامية وأن ربط اليهود بإسرائيل هو العداء للسامية".

العداء للسامية عبر التاريخ

ولشرح مفهوم العداء للسامية، وكيف يوظَّف اليوم في الغرب ضدّ المتعاطفين مع فلسطين، استعاد الدكتور عزمي بشارة بعض الوقائع التاريخية المتّصلة بالمفهوم، حيث أكد أنّ العنصرية ضدّ اليهود تاريخيًا كانت قبيحة بصورة خاصة لأنها أدّت إلى المحرقة النازية.

ولفت إلى أنّ تسمية اللاسامية تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، علمًا أنّ العداء لليهود بدأ قبل ذلك، حيث كان هناك عداء قومي، وعداء اجتماعي لليهود بغطاء ديني، كما أنّه كان يوجَّه عداء الطبقات الفقيرة والفلاحين إلى الأقليات لأنه يسهل اتهامها بصلب المسيح إلى آخره".

وقال: "كان يسهل استخدام العوامل الدينية لتحشيد الناس ضد عدو وهمي هو اليهود، وهذا له تاريخ عبارة عن قرون من العداء لليهود في الحضارة الأوروبية الغربية لا علاقة لنا به". وأضاف: "في القرن التاسع عشر أصبح يُطفى عليه طابع علمي بعد أن نشأت نظرية الأعراق".

وأوضح أنّ نظرية الأعراق كانت تحاول استخدام قضايا متعلقة بالبيولوجيا منها حجم الجمجمة لتقسيم العالم إلى أعراق، لكن لم يُشمَل اليهود في ذلك، ومع ذلك فإنّ المعادين لليهود وجدوا فيها طريقة لإظهار عدائهم لليهود علميًا، وهذا أدّى في نهاية الأمر إلى الجرائم الكبرى التي تمثلت في المحرقة في القرن العشرين.

وبعد ذلك أصبح هنالك نفور دولي من العداء للسامية، وفق بشارة، الذي لفت إلى أنّ نظرية الأعراق كلها أفلست لكن اللاسامية أصبحت جريمة في أوروبا، حيث أصبحت العنصرية الوحيدة التي يحاسب عليها القانون في أوروبا.

الهجوم المضاد لتهمة معاداة السامية

وقال: "أكثر عنصرية مرفوضة ومحارَبة في الغرب ويوجد إجماع عليها هي العنصرية ضد اليهود، وفي المقابل بإمكانك أن تشتم الإسلام والقرآن والمسلمين والعرب وتعتبر الجزائريين والمغاربة خطرًا لكن لا تنكر المحرقة وتكون سالمًا".

وسأل استنادًا إلى ما تقدّم: "بأي حجّة يأتي الصهاينة اليوم ويتحدّثون عن اللاسامية؟"، مستنتجًا أنّ "المحاولة هي محاولة سياسية أيديولوجية بائسة لإخضاع هذا المفهوم لمصلحة إسرائيل لكي لا تستطيع أن تنتقد إسرائيل".

وشدّد على وجوب محاربة ذلك، قائلاً: "نحن ضد كل أنواع العنصرية بما فيها العنصرية ضد اليهود، لكن نرى أنّ من يجب حمايته الآن هو العرب وشعوب العالم الثالث والمسلمين". وأضاف: "نحن نعتبر تهمة اللاسامية تشهيرًا مضرًا بالشخص ومهنته ومستقبله ويجب أن يكون هنالك صندوق تموله الدول العربية لرفع دعاوى على من يتهمون باللاسامية".

وعلى المستوى العملي، دعا بشارة إلى هجوم مضاد بموضوع تهمة اللاسامية، عبارة عن حملة دعاية مضادة، لافتًا إلى أنّ اللاسامية الآن هي الأقلّ انتشارًا والأقلّ خطورة الآن بين كل أنواع العنصرية.

المحكمة الجنائية الدولية.. والوجه "القبيح" للولايات المتحدة

وردًا على سؤال عن تأثير حراك الجامعات على الانتخابات الأميركية، اعتبر بشارة أن الوقت سيُظهِر حجم هذا التأثير، "لكنّ الواضح أنّ الرئيس جو بايدن بدأ يخشى ذلك، وبدأ يشعر بتهديد ناجم عنه".

واعتبر أنّ ما تمّ تحقيقه حتى الآن هو أنّ قضية فلسطين عادت إلى الأجندة بوصفها قضية مركزية ولم تهمَّش، كما أّنّه ثبت مرّة أخرى أنّها قضية أخلاقية بالدرجة الأولى، ولا سيما أنّها تعتبر قضية عدل وظلم".

ولعلّ الأهم من ذلك، وفق بشارة، أنّها باتت منتشرة في أوساط لم يقتحمها النشطاء الفلسطينيون في السابق، في إشارة إلى أوساط واسعة من فئات كانت بعيدة جدًا عن الاهتمام بقضية فلسطين، لافتًا إلى حصول شرخ واضح بين اليهود في أميركا بهذا الشأن.

وختامًا، تطرق بشارة إلى التسريبات عن احتمال صدور مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين عن المحكمة الجنائية الدولية، فلفت إلى أنّ هناك احتمالات لذلك، "لكن رد الفعل الإسرائيلي هدفه أن يئد وأن يدفن هذه المحاولة في المهد".

وقال: "لا أشكّ بنوايا محقّقي المحكمة الدولية وبينهم نشطاء حقوق إنسان ومحامون وحقوقيون"، لكنه لفت إلى أنه على مستوى المدعي العام تدخل السياسة ولذلك يوجد ضغط. وأشار إلى أنّ "النبرة التي سمعناها من الكونغرس وإلى آخره تكشف الوجه القبيح للولايات المتحدة في العلاقات الدولية".

وأضاف: "يحاولون التحكّم في المحكمة من خارجها وعلى نحو سافر وهذا عمليًا ضد منظمة دولية حقوقية عملها الرئيسي محاولة تحميل مجرمي الحرب مسؤولية فردية، ولذلك فهذه فضيحة كبرى بالنسبة لهم".

ولاحظ ختامًا أنّ إسرائيل في الماضي لم تكن بحاجة لكلّ ذلك، حيث كانت مهيمنة بالرأي العام الغربي دون التهديد، فيما هي الآن تحتاج إلى قمع حرية التعبير والضغط وحتى التهديد لفرض خطابها، "وهذا دليل ضعف".


تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع الدكتور عزمي بشارة، التي حاوره فيها الزميل زاهر عمرين، وناقشت مجموعة من المحاور بينها مفاوضات الصفقة وعملية رفح على وقع الجدل الأميركي الإسرائيلي، وتصوّرات ما يسمّى "اليوم التالي"، إضافة إلى الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات، وتهمة "معاداة السامية".

المصادر:
العربي
Close