حوّل ارتفاع سعر رغيف الخبز المدعم بأربعة أمثال في مصر الحياة بالنسبة إلى الملايين في البلاد إلى معاناة أصعب من أي وقت مضى، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".
وتواجه الحكومة المصرية ارتفاعًا حادًا في تكلفة استيراد القمح، الأمر الذي دفعها لإصدار قرار دخل حيز التنفيذ في الأول من يونيو/ حزيران الجاري، بزيادة سعر رغيف الخبز المدعم للمرة الأولى منذ عقود.
وهذه الأرغفة الصغيرة متاحة لأكثر من 70 مليون مصري ولا غنى عنها للفقراء. وعلى الرغم من أن سعرها بعد الزيادة لا يزال مخفضًا بشكل كبير، إذ يبلغ بعد القرار 20 قرشًا (0.0042 دولار) للرغيف ارتفاعًا من خمسة قروش، فهذا السعر فوق طاقة تحمل الكثير من الأسر.
وسيشعر الملايين بتأثير زيادة السعر لأن رغيف الخبز المدعم سلعة أساسية لا غنى عنها لأغلب سكان البلاد البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تقريبًا.
أحداث عام 1977
وكانت زيادة سعر رغيف الخبز المدعم مسألة ذات حساسية سياسية، مما أجل القرار لسنوات في بلد يشكل فيه الخبز الرخيص عنصرًا رئيسيًا على موائد الطعام بسبب انتشار الفقر.
ورغم جولات متكررة من الإصلاحات التقشفية، أبقت الحكومة أسعار الخبز دون تغيير منذ الثمانينيات لقلقها من رد فعل الشارع. وأثارت محاولة لتغيير نظام الدعم في 1977 أعمال شغب. وبدلًا من زيادة السعر، لجأت الحكومة من قبل للحد من المستفيدين وتقليل وزن الرغيف نفسه.
ونحو ثلثي السكان يستفيدون من دعم الخبز، وأحقيتهم في ذلك تتحدد على أساس الدخل، وهذا يمنحهم خمسة أرغفة يوميًا.
وبذلك قد ترتفع فاتورة الخبز الشهرية لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 120 جنيهًا من 30 جنيهًا فقط في بلد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيه ستة آلاف جنيه بعد زيادته 50% في مارس/ آذار الفائت.
أزمة التضخم
واتخذت الحكومة القرار فيما بلغ معدل التضخم السنوي 32.5% في أبريل/ نيسان الفائت، بعد أن وصل إلى 38% في سبتمبر/ أيلول الماضي. كما أن لدى مصر فاتورة ضخمة لخدمة الدين، وسمحت بانخفاض حاد في قيمة الجنيه في مارس/ آذار، عندما تحولت إلى نظام سعر صرف مرن.
ومصر غالبًا أكبر مستورد للقمح في العالم. ويقول تجار إن من غير المتوقع أن يغير رفع السعر من كميات مشتريات الحكومة في الأمد القصير. وتسبب انهيار الجنيه والتضخم الجامح في زيادة حادة في فاتورة استيراد القمح الحكومية.
ويقول وزير التموين علي المصيلحي لوكالة "رويترز"، إن السعر الجديد يشكل 16% فقط من تكلفة الرغيف، التي زادت بسبب ضعف العملة المحلية وزيادة أسعار القمح عالميًا.
وذكر المصيلحي أن الحكومة تخصص نحو 125 مليار جنيه (2.65 مليار دولار)، لدعم الخبز في موازنة 2024-2025 ارتفاعًا من 91 مليارًا العام الماضي. وأضاف أن الوزارة لم تتلق أي شكاوى من المواطنين بعد زيادة السعر.
"ضربة قوية للفقراء"
وتقول الحكومة إنها توسع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي، لكن بعض المنتقدين يتساءلون عن سبب خفض دعم الخبز، في وقت تنفق فيه الحكومة بسخاء على مشروعات كبرى مما زاد من حجم الديون.
ويقول تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط: إن الدولة يجب بدلًا من ذلك أن تعطي الأولوية لخفض إعفاءات الشركات التي يملكها الجيش التي تمتع منذ فترة طويلة بامتيازات مالية. وتابع قائلًا: إن رفع سعر رغيف الخبز المدعم سيكون "ضربة قوية للأسر الفقيرة".
وأضاف أن الخطوة قد تؤجج الإحباط والاستياء العام من الظروف الاقتصادية، حتى وإن لم تدفع الناس للتظاهر بعد التضييق على المعارضة، وحظر أغلب الاحتجاجات العامة.
ويوم السبت، سألت الإعلامية المصرية لميس الحديدي في برنامجها، الذي يذاع على إحدى القنوات المحلية وزير التموين، عن أن أقساط الديون تشكل نسبة 62% من إنفاق الميزانية بينما يمثل الدعم 11.5% فقط. ورد المصليحي بالقول إن مصر عليها أن تسدد الديون، وأضاف: "نحن نتكلم في واقع هذا النهار، وماذا سنفعله غدًا".