مع انتهاء "الرد الأولي" على عملية اغتيال القيادي فؤاد شكر، أكد حزب الله أنّه أطلق مئات الصواريخ لإشغال القبة الحديدية وتعطيل آليات الرد، متحدثًا عن خطة عسكرية لا تقوم على استهداف المدنيين والبنى التحتية.
ويؤكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن محور المقاومة سيرد منفردًا، لافتًا إلى أن عملية الرد على اغتيال القيادي فؤاد شكر أُنجزت.
ويقول إنّه لا يوجد خرق استخباري، فما حدث عدوان وليس ردًا استباقيًا كما يرى نصر الله الذي كشف عن ضرب قاعدة غليلوت الإستراتيجية التي تبعد 110 كلم عن حدود لبنان، إضافة إلى قاعدة عين شيمر العسكرية الإسرائيلية.
ومن جانب إسرائيل التي أوقفت الحركة في مطار بن غوريون، وأعلن جيشها عن مقتل جندي وإصابة اثنين آخرين في الجبهة الشمالية، يؤكد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بأن الجيش دمَّر آلاف الصواريخ الموجّهة إليها.
أمّا الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، فيقدّم روايتين: الأولى تقوم على منع صواريخ حزب الله ومسيًّراته من الوصول لأهدافها في وسط إسرائيل، والثانية يقول فيها إنّ حزب الله استخدم صواريخ متوسطة المدى في الهجوم.
إسرائيل تزعم إفشال الهجوم
وتلوّح تل أبيب بنيّتها الذهاب لاستهداف أي جغرافيا في لبنان قد تشكّل تهديدًا لإسرائيل، وتؤكد أنها أفقدت حزب الله توازنه وأفشلت الهجوم.
بدوره، يقول حزب الله إن ردّه تأجّل لضمان عدم الفشل ولأسباب تتعلق بحجم الاستنفار الإسرائيلي والأميركي، مستندًا إلى قواعد اشتباك جديدة تفرضها معادلة العدوان على غزة، ترجمها عبر إطلاق المسيرات لأول مرة من البقاع.
وهذا المشهد، الذي ينذر بتصعيد، يبحثه قائد الأركان المشتركة الأميركي في تل أبيب. وتقول هيئة البث الإسرائيلية: "إن واشنطن قدّمت مساعدة استخباراتية لإسرائيل في الهجوم على لبنان".
ويأتي كل هذا يأتي تزامنًا مع جولة مفاوضات في القاهرة، فيما تحذّر أكثر من دولة من تصعيد في أي وقت.
حزب الله ثبّت قواعد الاشتباك
وفي هذا الإطار، يرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معين الطاهر أن حزب الله ثبّت قواعد الاشتباك الجاري العمل بها منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لافتًا إلى أن الحزب أعلن بوضوح أنه لا يريد أن يقصف مدنيين أو بنى تحتية لرغبته في حماية المدنيين اللبنانيين، كما أشار الحزب إلى خلل في موازين القوى لصالح إسرائيل التي تدعمها أميركا وحلف الناتو، بحسب الطاهر.
وفي حديث إلى "التلفزيون العربي" من عمان، قال الطاهر: "ما حدث اليوم هو تمامًا تطبيق لقواعد الاشتباك السابقة وإن بوتيرة أعلى، حيث كان معدل الصواريخ التي تُطلق يوميًا يتراوح بين 70 و80 صاروخًا، وارتفع اليوم إلى 340 حسب رواية حزب الله".
ولحظ الطاهر شيئًا مميزًا آخر حدث اليوم وهو أن حزب الله استخدم الصواريخ لاستنزاف القبة الحديدية وإلهائها عن عبور المسيرات إلى العمق الإسرائيلي لتستهدف مركز قيادة جهاز "أمان" وقاعدة للدفاع الجوي خشية من اعتراضها الطائرات المسيرة.
وبحسب الطاهر، فإن خطة العملية "محكمة" من الناحية النظرية، لكن الحزب أشار إلى أنه سيتأكد من إصابة المسيرات للهدف رغم أنه يمتلك معلومات أولية تفيد بذلك، في مقابل نفي بنيامين نتنياهو إصابة القاعدة.
وقال الطاهر: "من الواضح أن حزب الله كان حريصًا إلى عدم الانجرار إلى حرب إقليمية أو إلى ضربة كبيرة، كما هدأ من روع اللبنانيين وطلب منهم العودة إلى منازلهم التي هجروها في بعض المناطق".
خطوة "عقلانية"
ومن جهته، يعتبر الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية علي مطر أن حزب الله يقرأ ما يحصل في العالم وفي المنطقة وفي لبنان ويدرس خطواته بشكل عقلاني، ورأى أن العملية التي نفّذها حزب الله "تأتي في سياق هذه الدراسات العقلانية".
وفي حديث إلى "التلفزيون العربي" من بيروت، لفت مطر إلى أن ما حصل هو "سحب الذرائع من إسرائيل"، مشيرًا إلى أن بنيامين نتنياهو ربما يريد هذه الذرائع لش حرب يورط بها الولايات المتحدة.
وبتقدير الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية فقد "استطاع حزب الله أن يعيد صورة الردع كما يريد هو وليس كما يريد بنيامين نتنياهو". ويلفت إلى أن جميع الأطراف الأخرى "لا تريد الحرب نظرًا لتكلفتها المرتفعة ولأنها قد تفجر "بركانًا في المنطقة".
"حرب سرديات"
وبشأن الموقف الإسرائيلي، يوضح رئيس تحرير موقع "عرب 48" رامي منصور أنه منذ الصباح بدأت التصريحات الإسرائيلية "الاحتفائية" والتي تزعم تنفيذ هجمة استباقية ضد حزب الله، لكن نبرة هذه التصريحات أصبحت "أكثر تواضعًا" خلال اليوم مع إعلان حزب الله عن تفاصيل عمليته.
وفي حديث إلى "التلفزيون العربي" من حيفا، يلفت منصور إلى ما وصفه بـ "حرب سرديات قائمة"، حيث تنفي إسرائيل استهداف حزب الله لقاعدة غليلوت.
كما يوضح منصور أن استهداف القاعدة المذكورة ليس أمرًا سهلًا في ظل حالة الاستنفار والتأهب الإسرائيلية ونشر طائرات التجسس والاستطلاع في الأجواء اللبنانية خلال الفترة الماضية.
لكنّه يرى أنه بالنسبة لإسرائيل فهي تعتبر أن انتهاء هذا اليوم دون تصعيد أمر إيجابي رغم أنه لم يغيّر من الواقع الميداني والإستراتيجي في ظل استمرار جبهة إسناد قطاع غزة جنوب لبنان.