تحول المفاوض الإيراني إلى وسيط بين روسيا والدول الأوروبية بعد أن كانت الأخيرة هي الوسيط في الاتفاق النووي مع إيران.
بين موسكو وطهران علاقات تاريخية يشكل الدعم السياسي عمودها الفقري بحسب ما يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وقاربت هذه العلاقات مستويات نوعية بما يسمح لإيران بتأسيس بنية تحتية تعيد شبك روسيا بالاتحاد الاوروبي.
ويقول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي يزور روسيا إنه ليس ساعي بريد برسالة أوروبية حول القضية الأوكرانية بل هناك مبادرات لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا على حد تعبيره.
ويضع عبد اللهيان الخبرات النووي الإيراني بتصرف منع الأضرار في محيط محطة زابوريجيا النووية.
الوساطة الإيرانية تحاول فتح ممر يعيد ضخ الغاز الروسي إلى دول أوروبا. الكل رابح من هذه المعادلة وصيغتها النهائية قيد الإخراج لحفظ ماء وجه الجانبين.
فالدول الأوروبية عاجزة عن استقبال شتاء من دون الغاز الروسي، وروسيا تراكم خسائرها على المدى الطويل بعد تراجع صادرتها وامتلاء خزاناتها بالغاز ولو ارتفعت أسعاره.
وتفكيك التصعيد الروسي الأوكراني دونه عقبات كثيرة من الواجب تذليلها على رأس قائمتها العقوبات.
إلا أن أي تفويض أوروبي بوساطة إيرانية لا يعني بالضرورة حسن النية، فزيارة عبد اللهيان إلى موسكو تزامنت مع اجتماع أوروبي في براغ تمخض عنه تعليق اتفاقية تسهيل حصول الروس على تأشيرات دخول إلى الاتحاد الأوروبي.
"استئناف التصدير عبر دولة ثالثة"
وفي هذا الإطار، رأى المحلل السياسي أندريه انتيكوف أن هناك اهتمامًا من قبل روسيا وبعض الدول الأوروبية باستئناف تصدير بضائع إلى موسكو عن طريق دولة ثالثة قد تكون إيران أو تركيا.
ولفت في حديث إلى "العربي" من موسكو إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يزال على تواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول القضية الأوكرانية، معتبرًا أن ماكرون يحاول التأثير على نظيره الروسي.
انتيكوف الذي أشار إلى أن الدول الأوروبية خاضعة للضغوطات الأميركية، اعتبر أن أوروبا باتت تضحي اليوم بمصالحها الاقتصادية.
"رسالة من ماكرون إلى رئيسي"
بدوره، رأى الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي أن الأوروبيين والأميركيين غالبًا ما تكون تصريحاتهم العلنية مختلفة عن تلك التي يقولونها خلال الاتصالات تحت الطاولة.
وقال في حديث إلى "العربي" من طهران إن "كل الدلائل تشير إلى أن ماكرون بعث برسالة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وطلب منه الوساطة مع روسيا لأن الأوروبيين يأسوا من الدور الأميركي".
وأشار إلى أنه تبين للأوروبيين أن "الدور الأميركي استغلالي بعدما بدأوا يعيشون أزمة خطيرة مع حلول الشتاء في ظل غياب أي حل".
موسوي الذي تحدث عن العلاقة الجيدة التي تجمع إيران بروسيا، لفت إلى أن الأوروبيين ينتقدون إيران إلا أنهم يطلبون منها في ذات الوقت المساعدة في ملفات تخص دولًا كأفغانستان والعراق ولبنان.
"عرض لخفض التصعيد"
أستاذ العلوم السياسية علي العبسي رأى أن ما يقوم به عبد اللهيان في موسكو ليس بوساطة بقدر ما هو عرض لخفض التصعيد بين روسيا والدول الأوروبية، لافتًا إلى أن هناك عرضًا محددًا طُلب من طهران إيصاله إلى موسكو.
وأوضح في حديث إلى "العربي" من برلين أن هذا العرض يقضي بتخفيف بعض العقوبات عن روسيا في مقابل أن تضمن موسكو إمدادات الغاز إلى دول الاتحاد خلال فصل الشتاء.
ولفت إلى أن القادة الأوروبيين يدركون أن الولايات المتحدة ستخوض المعركة في الأراضي الأوكرانية والأوروبية بوجه روسيا، وأن خسائر واشنطن من هذه الحرب محدود وليست بقدر تلك التي يتكبدونها.
وقال: "ربما الحسابات الأوروبية لم تتوقع ردة الفعل الروسية التي حصلت من خلال استخدام الغاز في معركتها بعدما اتخذوا عقوبات كبيرة ضد موسكو في بداية الحرب"، معتبرًا أن الأوروبيين عاقبوا من خلال خطواتهم أنفسهم قبل أن يعاقبوا روسيا.