الخميس 12 Sep / September 2024

أزمة فاغنر.. كيف ستؤثر على التركيبة العسكرية في روسيا؟

أزمة فاغنر.. كيف ستؤثر على التركيبة العسكرية في روسيا؟

شارك القصة

"فقرة من برنامج "قضايا" تناقش تأثير أزمة فاغنر على المشهد الروسي الداخلي وعلى التركيبة الأمنية والعسكرية (الصورة: غيتي)
سلطت محاولة تمرد قائد "فاغنر" الضوء على صلاحيات المؤسسة العسكرية في روسيا وخطوط السلطة بينها وبين مؤسسة الرئاسة بقيادة بوتين.

دفعت تجربة التمرد الأخيرة التي قادها رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين إلى التساؤل عن مدى قوة النظام السياسي الروسي ومتانة الجبهة الداخلية، لا سيما وأن العلاقة بين الرئيس فلاديمير بوتين وبريغوجين ظلت وثيقة إلى عهد قريب حتى عكرتها تبعات حرب أوكرانيا.

ومع أن محاولة التمرد انتهت بخروج عناصر فاغنر بوساطة بيلاروسيا دون أن تحدث مواجهات دامية مع المؤسسة العسكرية إلا أنها سلطت الضوء على صلاحيات المؤسسة العسكرية وتركيبتها وخطوط السلطة بينها وبين مؤسسة الرئاسة بقيادة بوتين وموقع الكيانات العسكرية غير النظامية أو شبه النظامية من هذه التركيبة ككل.

صلاحيات واسعة لوزير الدفاع الروسي

من المعروف أنه وبموجب الدستور الحالي لروسيا الاتحادية فإن الرئيس يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة التي تندرج تحتها صنوف الأسلحة البرية والبحرية والجو فضائية بحسب المسمى الروسي.

وإلى جانب القائد العام يأتي منصب وزير الدفاع الذي يلعب دورًا إداريًا في تنظيم الجيش من الناحية النظرية إلا أنّ وزير الدفاع الحالي سيرغي شويغو يمتلك سلطة تنفيذية كبيرة على الجيش والقوات المسلحة تزاحم صلاحيات رئيس الأركان.

لكن يفترض برئاسة الأركان أن تكون هي القيادة الرئيسة بصلاحيات إجرائية وميدانية أكبر من وزارة الدفاع إلا أن الدور الحالي للأركان بات يختزل ضمن إحدى إدارات وزارة الدفاع وهي شعبة التخطيط الإستراتيجي، أي أنها خاضعة عمليًا لسلطة وزير الدفاع.

هياكل عسكرية مستقلة

وتنقسم أجهزة القوات العاملة إلى القوات التقليدية البرية والبحرية والجوية، لكن هناك هياكل عسكرية منفصلة مستقلة بذاتها في الحالة الروسية.

ومن بين هذه الهياكل يأتي جهاز الصواريخ الإستراتيجية، الذي يختص بالأسلحة الهجومية في حالة الحرب النووية، ولا يمتلك صلاحية استخدامها سوى الرئيس الروسي الذي تحصر بيده صلاحيات استخدامها فقط بناء على تقديره للتهديدات من قبل العدو.

توجهت مجموعة فاغنر إلى موسكو في مشهد يذكّر بسلسلة طويلة من المؤامرات والانقلابات في تاريخ روسيا -غيتي.
توجهت مجموعة فاغنر إلى موسكو في مشهد يذكّر بسلسلة طويلة من المؤامرات والانقلابات في تاريخ روسيا -غيتي.

كما تستقل قوات العمليات الخاصة بجهاز خاص فيها منذ عام 2012 تضم قوات النخبة وصفوتها، وتوكل للقوات الخاصة مهام التدخل خلف خطوط العدو والتخلص من الأهداف ذات القيمة الإستراتيجية لحماية مصالح روسيا.

يذكر أن القوات الخاصة كانت جزءًا من إدارة المخابرات الرئيسية الروسية "جي آر يو"، وانفصلت عنها بموجب إصلاح شمل المؤسسة العسكرية والأمنية في 2008، وقد خصّها الرئيس بوتين بمرسوم يقضي باعتبار يوم 27 من فبراير/ شباط يومًا للقوات الخاصة.

أمّا بالنسبة إلى إدارة المخابرات فتتبع لهيئة الأركان وبالتالي لوزير الدفاع في الحالة الروسية، وهي تعتبر من أكبر وكالات الاستخبارات في البلاد مقارنة بالوكالات الأمنية والاستخبارية الأخرى التي تدور معظمها في فلك الرئيس بوتين.

تمرد فاغنر

تمردت مجموعة فاغنر العسكرية التي تربت في كنف ورعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صانعها وأعلنت العصيان بل وتوجهت إلى موسكو في مشهد يذكّر بسلسلة طويلة من المؤامرات والثورات والانقلابات في تاريخ روسيا.

وعلى الرغم من انسحاب عناصر فاغنر وخروج زعيمها يفغيني بريغوجين من روسيا وإنهاء التمرد العسكري، كما وصفته موسكو إلا أن الحادثة برمتها تطرح أسئلة جوهرية بشأن صلابة الجبهة الداخلية الروسية ومدى وضوح التركيبة الأمنية والعسكرية وانسجامها مع الرؤية السياسية للنظام الروسي بوجه عام.

فمنذ أن أطلق بريغوجين اتهاماته للمؤسسة العسكرية بالتقاعس عن دعم فاغنر في جبهات القتال في أوكرانيا كانت المؤشرات تشي بالتوتر بين أقطاب المؤسسة العسكرية بين داعم ورافض لتقوية هذه المجموعات وإعطائها سلطة تقدير الموقف في الميدان.

لقد خصّ بريغوجين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بهذه الاتهامات، وصعّد خطابه ليشمل لاحقًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل جبروته وعنفوانه، ووصل به الأمر إلى إطلاق خطابات لتأليب الرأي العام دون أن يحسب حسابًا للعواقب، بحسب خبراء للشؤون الروسية.

إخضاع الميليشيات

تقتضي التقاليد العسكرية أن تكون التراتبية بين الرئيس والمرؤوس من الصرامة، بحيث يكون رفض الأوامر بمثابة "خيانة عظمى"، والمؤسسة العسكرية الروسية ذات التقاليد القديمة والعريقة لن تكون استثناء في ذلك.

لذا فإن رفض المجموعات القتالية غير النظامية وتعاملها المشاغب وعدم الامتثال للأوامر شكل عامل تنافر بينها وبين المؤسسات الرسمية بما فيها المؤسسة الأمنية بالرغم من التزامها الصمت حيال ما تفعله مجموعة "فاغنر" وقائدها بريغوجين، بحسب متابعين للشؤون العسكرية الروسية.

بعد محاول التمرد انسحب عناصر فاغنر وخرج زعيمها يفغيني بريغوجين إلى بيلاروسيا - غيتي.
بعد محاول التمرد انسحب عناصر فاغنر وخرج زعيمها يفغيني بريغوجين إلى بيلاروسيا - غيتي.

والحل الوحيد الذي سعت إليه القيادات الروسية العسكرية هو إخضاع هذه الميليشيات إلى تراتبية الجيش النظامي مع ما يعنيه ذلك من إلغاء لسلطة بريغوجين وخضوعه للضوابط والقوانين العسكرية.

وبالفعل هذا ما حاولت وزارة الدفاع فعله عندما أعلنت في مطلع يونيو/ حزيران الماضي قرارا مفاجئا يقضي بإدراج كافة القوات غير النظامية تحت سلطتها. وهذا سيعني بالنسبة لبريغوجين إنهاء مسيرته كقائد مستقل بميليشياته عن الدولة. أما بالنسبة لبوتين فقد تجاوز بريغوجين حد التابع ذي الحظوة عنده، وما تمرده العسكري سوى خيانة تستوجب الردع الحاسم، بحسب مؤيدين للرئيس الروسي.

قوة الحرس الوطني

وهنا ظهرت قوات الحرس الوطني كقوة تدخلية تلبي الردع والسرعة، وهي رصيد بوتين الذي يخبئه لمثل هذه المفاجآت كحرس رئاسي يحمي حكمه ونظامه.

ويتراوح عدد قوات الحرس الوطني الروسي ما بين 350 ألفًا و400 ألف بقيادة الجنرال فيكتور زولوتوف أحد أقرب المقربين إلى بوتين وتخضع لأوامره مباشرة. فهذه القوات المدربة من نخبة المقاتلين الروس كانت قد هيأت لقمع الاحتجاجات والعمليات المخلة بأمن الدولة. وبالتأكيد لضرب أيّ محاولة تمرد يكشفها الرئيس الروسي.

مرة أخرى، تنظر المؤسسة العسكرية بعين الريبة إلى هذه القوات التي ترى فيها أنها قوة موازية للجيش مع أنها شكلت طوق نجاة للرئيس بوتين كما بينت الأحداث الماضية.

وتحول الحرس الوطني إلى المظلة العسكرية التي لجأ إليها بوتين بدلًا من المؤسسة العسكرية التي تعتمر في نفس قادتها مشاعر المرارة لتقديم الكيانات العسكرية شبه النظامية عليها مرة أخرى.

صراع داخل أجنحة الحكم 

وتعتبر الأستاذة في جامعة دراسات الحرب في وارسو مارزينا زاكوفسكا أن تمرد مجموعة فاغنر يعكس صراعًا داخل أجنحة الحكم في موسكو.

وتقول في حديث إلى "العربي" من وارسو: "إن المؤسسة العسكرية كانت في صراع سياسي مع مجموعة فاغنر بصفتها ليست جيشًا نظاميًا"، مشيرة إلى أنه منذ بدء نزاع أوكرانيا أصبحت فاغنر جزءًا من المنظومة العسكرية الروسية.

وتضيف زاكوفسكا: "انضم حوالي 25 ألف شخص إلى قوات فاغنر وهذا رقم كبير. وقد تحولوا إلى قوة يمكن تشغيلها في أي بيئة في الحرب"، لافتة إلى تمتع هذه المجموعة بالقدرة على التحرك في أي بيئة. 

وتعتبر أن ما حدث هو إمكانية للتمرد، مستبعدة حصول أي تمرد في الوقت القريب حيث سيسحق بوتين أي تمرد قد يحدث في الميدان السياسي أو العسكري.  

وأشارت إلى أن خروج رئيس مجموعة فاغنر من روسيا يبعد احتمال تمكن هذه المجموعة من إسقاط حكومة بوتين وتنظيم الأمور.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close