في ظل استمرار الغموض بشأن مسار المفاوضات وتعثرها حتى اللحظة، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى إنهاء العملية العسكرية في مدينة رفح بعد نحو أسبوعين، وفق ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية ووسائل إعلام أخرى.
وقد أكّد مسؤولون إسرائيليون أن انتهاء العمليات العسكرية في رفح يعني بالضرورة الانتهاء فعليًا من المرحلة الثانية من الحرب.
انتهاء المرحلة الثانية من الحرب على غزة
ورغم ذلك، فإن جيش الاحتلال سيبقي السيطرة على محورَي نتساريم وفيلادلفيا ومعبر رفح بعد انتهاء العمليات، بحسب مصادر أمنية إسرائيلية.
وبالتوازي مع الخطط الإسرائيلية، ترى المؤسسة الأمنية والجيش في تل أبيب أن إنهاء العمليات العسكرية وإنهاء المرحلة الثانية دون تحقيق أهداف الحرب المعلنة، ودون إيجاد بديل عن حركة حماس في القطاع، يعني فشلًا وليس نجاحًا.
ويأتي كل ذلك وسط استمرار المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عمليات توصف بالنوعية في محاور التوغل في مدينة رفح.
وتسفر تلك العمليات عن قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين، آخرها ما أعلنه الاحتلال عن مصرع ثمانية عسكريين في تفجير مدرعة "النمر" في رفح.
مرحلة ثالثة أقل حدّة
وبحسب تقارير أمنية إسرائيلية، فإن نهاية المرحلة الثانية والتحول للمرحلة الثالثة من الحرب ستتسم بوتيرة منخفضة ومحددة وأقل حدّة، قوامها تطبيق مبدأ العمليات الخاطفة الخاصة.
وقد تكون عملية استعادة الأسرى في مخيم النصيرات، قبل أيام، نموذجًا لشكل الهجمات التي يروّج لها جيش الاحتلال في المرحلة الثالثة، إن لم تكن هنالك صفقة تبادل تفضي إلى إنهاء الحرب. ولكن يبقى التعثر هو العنوان الأبرز في مسار طريق المفاوضات حتى الآن.
إسرائيل تتقصد التسريبات
وفي هذا السياق، يشير الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معين الطاهر إلى أنه جرت العادة أن العديد من التسريبات بشأن العمليات العسكرية في قطاع غزة تبدأ أولًا من خلال الصحافة، وتُنسب إلى مصادر أمنية أو سياسية، ومن ثم تأتي تأكيدات رسمية إسرائيلية.
ويردف بأن الأمر نفسه يسري بشأن القتلى والجرحى والعمليات العسكرية.
وفي حديثه إلى "العربي" من الدوحة، يعتبر الطاهر أن الاحتلال يسعى لتسريب الخبر للجمهور بطريقة تدريجية ومتسلسلة.
ويقول: "كل شيء في إسرائيل يبدأ عبر التسريب، أو عبر بالونات اختبار".
الاحتلال يسعى للسيطرة على محور فيلادلفيا
وبشأن ملامح المرحلة الثالثة للحرب على غزة التي تحدثت عنها المصادر الإسرائيلية، يشير المستشار الأكاديمي بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية د.محمد مجاهد الزيات إلى أن محور صلاح الدين لم يكن جزءًا من معاهدة السلام، لكنه طُرح في اتفاق تم بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، حيث وُضع بروتوكول ينص على أن هذه المنطقة يجب أن تكون خالية من أي وجود عسكري.
ويرى مجاهد أن "قضية محور فيلادلفيا هي جوهر موقف إسرائيل، التي تعتقد بوجود أنفاق يهرَّب من خلالها قادة حماس"، لافتًا إلى أن "إسرائيل تسعى لجعل قواتها حاجزًا بين الأراضي الفلسطينية ومصر"، لكن "هذا الهدف مرفوض بالنسبة للقاهرة".
وفي حديثه لـ"العربي" من العاصمة المصرية، يعتبر مجاهد أن "الحديث عن انتهاء المرحلة الثانية لا معنى له، لأن الجيش الإسرائيلي دخل لتحقيق هدف ولم ينجح في تحقيقه".
ويذكر بأن الهدف الإستراتيجي الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقادة في جيش الاحتلال "هو تدمير القدرات العسكرية للمقاومة واعتقال قياداتها العليا ثم تحرير المختطفين"، مشيرًا إلى أن أيًا من ذلك لم يحدث حتى الآن.
فشل عسكري في غزة
ومن جانبه، يوضح الباحث في مركز مدى الكرمل د. مهند مصطفى أن الخطاب الإسرائيلي لا يقسّم مراحل الحرب التي تشير إليها التسريبات.
ويشرح في حديث إلى "العربي" من أم الفحم، أن إسرائيل لا تحاول أن تميّز بين مراحل مختلفة من الحرب لأن هذا التمييز يضرّ بالحكومة الإسرائيلية.
ويعلّل ذلك بأن وضع مراحل محددة وواضحة الأهداف أمر غير واقعي، لأن إسرائيل لم تحقق أيًا من أهداف الحرب التي وضعتها.
ويلفت إلى أن الداخل الإسرائيلي بدأ يتجرأ للحديث عن "فشل عسكري في قطاع غزة"، تعبّر عنه نخب سياسية وعسكرية وإعلامية، وتطالب إسرائيل بإنهاء الحرب وإبرام اتفاق يتم من خلاله استعادة الأسرى الإسرائيليين.
إلى ذلك، يعتبر مصطفى أن مصدر التسريبات الأخيرة هو المؤسسة العسكرية، التي تحاول أن تقول للمجتمع الإسرائيلي "أننا أنهينا إمكانية استعمال القوة العسكرية في تحقيق أهداف الحرب، ولن نستطيع أن نفعل أكثر مما فعلناه في غزة".