بعد قطيعة لسنوات وتصعيد متبادل في المواقف والسياسات، اتفقت السعودية وإيران على استئناف العلاقات بينهما.
وتضمن إعلان مفاجئ من بكين التي رعت الاتفاق، تفصيلًا لخطوات تشمل افتتاحًا للسفارات والممثليات وتفعيلًا لاتفاقات أمنية واقتصادية.
وأكدت واشنطن علمها المسبق بالاتفاق، وسط موجة ترحيب إقليمي وعربي بخطوة سيكون لها ما بعدها.
"احترام السيادة الوطنية"
والاتفاق، بحسب بيان مشترك، يؤكد احترام السيادة الوطنية لكل من البلدين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية؛ إيذانًا بعهد جديد من العلاقات بعد توتر دام سنوات طويلة.
وتضمن الاتفاق أيضًا تفعيل اتفاقية التعاون الأمني المشترك بانتظار اجتماع مرتقب لوزيري خارجية البلدين لبحث الخطوات الإجرائية.
وكان الاتفاق وُلد بعد مخاض عسير ونتيجة محاولات متراكمة قادتها عُمان والعراق على مدار عامين حتى نضج في الصين.
وتم الاتفاق بناء على مقترحات وبنود جديدة لم تكن مطروحة في المحاولات السابقة لرأب الصدع في علاقات الطرفين؛ ما يطرح تساؤلات عن ماهية التفاهمات التي شكلت أساسًا لبناء الثقة المتبادلة.
ويبدو أن إعلان الاتفاق عزز الآمال بأن يكون مقدمة لحلحة الملفات الإقليمية المأزومة وعلى رأسها اليمن وسوريا وغيرهما.
والبيان نفسه أشار إلى حرص البلدين على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن في المنطقة والعالم.
وكان ذلك واضحًا في لهجة البيت الأبيض حينما رحّب بعودة العلاقات بين طهران والرياض، ما دام ذلك سيساعد في إنهاء حرب اليمن وخفض التصعيد في عموم الشرق الأوسط، على حد قوله.
"الاتفاق مفيد للبلدين وللصين"
تعليقًا على التطورات، يشير الباحث السياسي سليمان العقيلي، إلى عدة أمور تختلف في هذه الجولة من الحوار بين السعودية وإيران.
ويتوقف في حديثه إلى "العربي" من الرياض، في هذا الإطار أولًا عند "وجود راع ثالث يمثل قوة دولية لها علاقة ضخمة مع البلدين تُوصف ربما بالإستراتيجية".
ويضيف: "هذا الراعي يمون على الطرفين، وكان في الواقع متضررًا من تعقيدات العلاقات السعودية الإيرانية، لأن كلًا من طهران والرياض كان ينظر في السابق إلى الصين على أنها تتعاطف مع خصمها". وعليه يؤكد أن الاتفاق مفيد ليس فقط للبلدين، بل أيضًا للصين كقوة دولية.
إلى ذلك، يرى العقيلي أن سبب النجاح الثاني هو في رفع مستوى التمثيل إلى قائدين أمنيين كبيرين؛ مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد العيبان وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، موضحًا أن هذا المستوى لم تصل له الحوارات السابقة.
أما ثالثًا، فيعرب عن اعتقاده بأن "الإيرانيين كانوا حريصين جدًا على نجاح هذه الجولة، لأن من الواضح أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي طلب من الصينيين في زيارته لبكين في فبراير/ شباط الماضي التدخل لإنجاح هذا الحوار المتعثر سابقًا" على حد تعبيره.
"نضج على نار المفاوضات السابقة"
من جانبه، يعتبر أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران حسن أحمديان أن الاتفاق نضج على نار المفاوضات السابقة في بغداد وعمان، ثم انتقل إلى مستوى دولي وهو الوسيط.
ويشير في حديثه إلى "العربي" من طهران، إلى "ثقل هذا الوسيط، وهو الصين، ذات المصلحة والعلاقة الوطيدة مع الجانبين".
كما يتوقف عند الأمور الأخرى كالمستوى الذي انتقلت إليه المفاوضات، مذكرًا بأنها لم تبدأ بمستوى مستشاري الأمن القومي، بل على مستوى الخبراء في بغداد وعمان.
ويوضح أن حكومة الرئيس رئيسي ومنذ تسلمها الحكم كان لها محوران في سياستها الخارجية؛ العلاقة مع الجوار: توطيدها وحل الأزمات، والاتجاه شرقًا.
ويشير إلى أن الرئيس الإيراني كان حريصًا على إظهار هذا التوجه، متحدثًا عن إدارة هي الأكثر "أقلمة" في سياستها الخارجية؛ تدفع باتجاه توطيد العلاقات الإقليمية لإيران، على خلاف إدارات سابقة كانت تركز على المستوى الدولي في علاقاتها الخارجية.
ويرى أن الوساطة الصينية مهمة لأننا في خضم تغيير دولي مهم؛ حيث هناك توجه في المنطقة متأثر بسلوك الولايات المتحدة المختلف عن السابق، لافتًا إلى أن هذا السلوك يأتي بالغريم، أي بالصين إلى الواجهة، في اتفاق لا مثيل له في ماضي تعاطي بكين مع دول الشرق الأوسط.
"لحظة تاريخية وتحد للغرب"
من جانبه، يتحدث الباحث في الشؤون الخليجية عبد الله باعبود، عن "لحظة تاريخية، حيث توصلت دولتان مهمتان ومحوريتان في الشرق الأوسط إلى اتفاق يتجنب الصراعات والحروب والخلافات ما بينهما".
ويقول في إطلالته عبر "العربي" من مسقط: إن عُمان كانت من الدول الأولى الرئيسية التي بدأت ربما "الطبخة" في هذا المجال لاهتمامها بأن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة.
وفيما يعتبر أن كل هذه الجولات كانت تمهيدًا، يشير إلى "اختبارات للنوايا وللمواقف، إلى أن أتت الاتفاقية في الصين".
ويرى أن "الحلفاء والدول العظمى التي لها مصالح في المنطقة لا بد أنها كانت على علم عن طريق الوسطاء، أو عن طريق المملكة العربية السعودية على سبيل المثال التي ربما أعلمت الولايات المتحدة".
إلى ذلك، يؤكد باعبود أن الصين لعبت دورًا كبيرًا ورئيسيًا، لافتًا إلى أنها أصبحت اليوم ليس فقط قوة اقتصادية وقوة ناعمة في المنطقة، بل أثبتت أيضًا قوتها السياسية من حيث أنها حلّت أحد أكبر المشاكل؛ ما يعتبر تحديًا كبيرًا للغرب بصورة عامة ولواشنطن بصورة خاصة.