تعد الحروب والصراعات جزءًا من تاريخ البشرية، وتعرف على مرّ العصور بضراوتها وطول أمدها، حتى إن بعضها يستمر لعشرات السنوات، وبعضها لم ينته حتى يومنا هذا، ولكن هل سمعتم بأقصر حرب في التاريخ، والتي لم تدم أكثر من 38 دقيقة؟
قد يكون من المُبالَغ به وصف الحرب الإنكليزية الزنجبارية بأنها "حرب" فعلية وذلك لقصر الصراع بأكمله والنصر أحادي الجانب المروّع، لكنّ التاريخ يعتبرها كذلك.
ففي 27 أغسطس/ آب 1896، وقعت مواجهة بين البحرية الملكية البريطانية والسلطان العنيد خالد بن برغش، يُشار إليها عمومًا على أنها أقصر حرب مسجلة في التاريخ.
أقصر حرب في التاريخ
في القرن التاسع عشر، كانت زنجبار إمبراطورية تجارية قوية في شرق إفريقيا. فمن موانئها، غادرت السفن المحملة بالعاج والتوابل من البر الإفريقي وعادت بالمنسوجات والبنادق. لكن التجارة "الأكثر ربحًا" كانت بيع العبيد.
ووفق مجلة "ذا هيستوريان"، شملت هذه التجارة ما يقدر بين 25 إلى 30 ألف شخص مستعبد من زنجبار أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر.
في ذلك الوقت أيضًا، كانت بريطانيا تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة وضمان سيطرتها على الممر الإستراتيجي في المضيق البحري بين جزيرة زنجبار والبر الرئيسي لإفريقيا.
وعام 1890، وقعت بريطانيا معاهدة مع ألمانيا نصت على "مناطق نفوذ" منفصلة للدولتين الإمبرياليتين في إفريقيا، وأصبحت زنجبار "محمية" بريطانية، أي ليست مستعمرة كاملة، ولكنها تخضع لسيطرة الحكومة البريطانية وجيشها.
"دبلوماسية الزوارق الحربية"
وبعد الادعاء بأن زنجبار أصبحت "محمية بريطانية" من دون أن يكون للسكان المحليين أي رأي في الموضوع، أراد البريطانيون تنصيب سلطان جديد لوضع حد لتجارة الرق في الجزيرة، وتنفيذ الأجندة وتحقيق المكاسب الاقتصادية البريطانية في المنطقة.
عندها، وقع اختيارهم على حمد بن ثويني، الذي يوصف بأنه كان "دمية" موالية لبريطانيا، وأصبح خامس سلطان لزنجبار عام 1893.
وحكم الثويني لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتوفى بشكل غير متوقع في 25 أغسطس/ آب 1896. وتقول الروايات المتناقلة وفق موقع "هاو ستاف ووركس" إن ابن أخيه خالد بن برغش سممه، قبل أن ينصب نفسه على الفور سلطانًا جديدًا.
لكن البريطانيين لم يعجبهم برغش، فقد كان مستقلًا ولا يرغب في الانصياع لمطالبهم، ورفض قبول خليفة تفضله الإمبراطورية البريطانية.
لذلك، انخرطت الحكومة البريطانية في ممارسة شائعة تعود إلى القرن التاسع عشر تسمى "دبلوماسية الزوارق الحربية" التي يقصد بها استعراض القوة العسكرية للضغط النفسي على الطرف الآخر.
وبالفعل، وجّهت بريطانيا مدافع ثلاث سفن حربية بحرية نحو قصر السلطان الجديد، وطلبت منه "بأدب" المغادرة بحلول الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي.
حرب الـ38 دقيقة
بحسب موسوعة "بريتانيكا"، تمسّك برغش بموقفه وأكّد أنه لن يغادر القصر، وأطلق نيران المدفعية الثقيلة كرسالة تحذيرية ونشر الآلاف من المدافعين معظمهم من المدنيين والعبيد حول جدران القصر.
وعند الساعة الثامنة من صباح 26 أغسطس، أبلغ برغش القنصل البريطاني باسل كيف، أنه "ليس لديه أي نية لإنزال علمه ولا يعتقد أن بريطانيا ستطلق عليه النار".
حينها، كان الرد أن البريطانيين يفضلون عدم الهجوم، "لكن ما لم تفعل ما قيل لك، لن يترددوا بذلك".
ومع حلول الساعة التاسعة صباحًا، أوفى البريطانيون بوعدهم فأطلقت السفن الحربية النار وقصفت القصر بلا هوادة.
واستغرقهم الأمر 38 دقيقة فقط (أو 42 حسب بعض الروايات الأخرى)، لتدمير دفاعات السلطان بالكامل بحيث لم يكن لقواته أي فرصة للتصدي أو الدفاع بفعالية أمام الهجوم البريطاني المدمر.
وفي أقل من ساعة سقطت زنجبار في يد القوات البريطانية، بعد تدمير البنية التحتية والمنشآت الحكومية الرئيسية، وإسقاط القصف البريطاني 500 من جنود برغش بين قتيل وجريح، فيما أصيب بحار بريطاني واحد فقط بجروح خطيرة.
وبحلول ذلك الوقت، كان برغش نفسه قد غادر بعد دقيقتين فقط من بدء القصف، حيث لجأ إلى القنصلية الألمانية قبل أن يتم تهريبه لاحقًا من قبل البحرية الألمانية ونقله إلى ما يعرف الآن بتنزانيا.
ما بعد المعركة
وبحلول عصر ذلك اليوم نفسه، عُين حمود بن محمد الموالي لبريطانيا سلطانًا على زنجبار، بعد أن وافق على جميع الشروط البريطانية.
وبالفعل حظر السلطان الجديد تجارة الرق بحلول عام 1897، وقبل بالمطالب البريطانية المتعلقة بإلغاء العبودية في زنجبار.
ولم تحدث أي ثورات أخرى في جزيرة زنجبار، إلى حين إعلان الإنكليز بأنفسهم إلغاء وضعها كمحمية بريطانية عام 1963، بحسب موقع "بي بي سي".
أما خالد بن برغش، فعاش في المنفى حتى اعتقله البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى، ثم توفي في مومباسا عام 1927.