"تضليل وعنصرية وازدواجية معايير"، بهذه الكلمات عبّر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن استياء بلاده من حملة التشويه التي تشنّها بعض الدول الغربية على قطر لاستضافتها كأس العالم 2022.
ومن المفارقات، بحسب الوزير القطري، أن هذه التصرفات التي وصفها بـ"المتغطرسة" تصدر عن ساسة أوروبيين في دولٍ تسمي نفسها ديمقراطية ليبرالية، والدول هذه ذاتها لا توجد لديها مشاكل مع قطر عندما يتعلق الأمر بشركات أو استثمارات في مجال الطاقة.
وقامت دولة قطر بإصلاحات مستمرة في مجال حقوق العمال، ومن ذلك إقرارها قانون العمل الذي ضربه وزير الخارجية القطري كمثالٍ على الإجراءات التي تتخذها الدوحة، وهي بذلك سحبت البساط من تحت أقدام من يهاجمون بلاده في إطار حملةٍ ظاهرها حقوق العمال، وباطنها في الواقع عنصرية مترسخة لدى أصحابها، فقط لأنها دولة من الشرق الأوسط تستضيف البطولة.
وعلى مدى 12 عامًا، أي منذ أن نالت شرف استضافة كأس العالم، تتعرض الدوحة لهذا الهجوم، وهو ما أكده مسؤولون قطريون على رأسهم أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
كما سخّرت قطر كل الإمكانيات اللازمة لإنجاح البطولة، وذهب رئيس "الفيفا" لحد التعبير عن اقتناعه بالقول إنها ستكون الأفضل على الإطلاق في تاريخ كرة القدم، بفضل خطط تنظيمية وتسهيلات لم تحظَ بها بطولة من قبل.
ومع ذلك، لم تتعرض أي دولة استضافت بطولة رياضية كبرى من قبل لمثل ما تتعرض له قطر.
خلفيات حملة التشويه
ومتابعةً لهذا الملف، يؤكد الإعلامي القطري جابر الحرمي أن حملات التحريض والعنصرية ضد قطر ليست وليدة هذا العام أو العامين المنصرمين، بل بدأت منذ أن فازت قطر بشرف استضافة هذا الاستحقاق عام 2010.
فقد كانت هناك موجات متتالية تستهدف الدوحة تحت شعارات ومسميات مختلفة، إلى أن وصلت اليوم وتكشفت بصورة واضحة ورسمية من قبل دول غربية، على حد قوله.
ويردف من لوسيل: "هذه السهام مركزة على دولة قطر، لكن إذا وسعنا الدائرة فإن الاستهداف اليوم يطال العالم العربي أيضًا بحيث أن هناك تصريحات صدرت من قبل مسؤولين غربيين تتساءل عن سبب إقامة هذه البطولة في مثل هذه الدول".
وعليه، يرى الحرمي أن هناك نوعًا من الانتقاص والنظرة الدونية لدولة عربية يقام بها حدث بهذا المستوى، مؤكدًا في الوقت عينه أن قطر كانت تعي منذ تقدمها لاستضافة كأس العالم أن هناك تحديات وصعوبات ستواجهها، ورغم ذلك كانت هناك إرادة وإصرار على تجاوزها ونجحت في ذلك.
الرد القطري
وبعد أن كانت قطر تتعامل بسعة صدر لافتة خلال السنوات الماضية وخلال الموجات المتتالية من حملة التشويه، جاء الرد في الأيام الأخيرة واضحًا وحادًا ومن أعلى مستوى في الدولة.
وحول ذلك، يقول جابر الحرمي لـ"العربي" أنه في السنوات الماضية كانت هذه الحملات تثار من خلال وسائل إعلامية، وبعض المنظمات التي تحمل لافتات حقوقية، إلا أنه اليوم تكشفت خلال الحملة أن هذه الأدوات لم تجدِ نفعًا مع "صبر قطر".
ويتابع الإعلامي القطري أنه مع اقتراب مونديال قطر 2022، ظهرت وجوه رسمية وسياسية من دول الغرب تنتقد بصورة فجة استضافة قطر لهذا الحدث، ما استدعى بالتالي ردًا قطريًا بصورة علنية.
فيوضح الحرمي أن "قطر دائمًا تتحدث بشكل مباشر، وتعلن مواقفها بصراحة في أي حدثٍ كان؛ لذلك كان من الضروري إجراء هذه التصريحات الرسمية رغم أن الحدث رياضي".
لماذا تقود أوروبا هذه الحملة؟
وعن أسباب تصاعد هذه الحملة في أوروبا تحديدًا، يعتقد ناصر زهير رئيس وحدة الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية في مركز جنيف للدراسات، أن دول الاتحاد الأوروبي لم تتخلص بالكامل من "الإرث السلبي"، الذي يتمثل بالنظرة الاستعلائية للمناطق والشعوب الأخرى حول العالم.
إضافة إلى ذلك، يعتبر زهير أن التصريحات الغربية نابعة من منطلق اعتقاد هذه الدول أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بقوانين ومبادئ هي الأفضل ويجب أن تطبق في كل بلدان العالم، بغض النظر عن الاعتبارات التي تحدد آليات أو مسارات البلدان الأخرى.
ويضيف من جنيف: "أصبحت هذه الحملة الآن أكثر شراسة، والأمر لا يتعلق فقط بقطر بل بالمنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا بشكل عام، من منطلق الفوقية والنظرة الاستعلائية التي تتعلق بالاتحاد الأوروبي في كل ما هو عربي ومسلم وكل ما يأتي من هذه المناطق".
ويلفت رئيس وحدة الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، إلى أن بعض القادة الأوروبيين لم يستطيعوا التمييز بأن هذه الشعوب تقدمت في إرثها الحضاري الذي يضاهي الدول الأوروبية.
التعاطي الألماني
ومن برلين، يتحدث رونالد بيشوف مؤسس جمعية "سفير كرة القدم الألمانية" عن طريقة تعاطي ألمانيا خصوصًا مع هذا الملف، رغم العلاقة الجيدة التي تجمع البلدين التي توجت مؤخرًا بتوقيع عدد من الاتفاقيات والاستثمارات خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الدوحة.
فيشرح في حديث مع "العربي" أن وسائل الإعلام المحلية ليست إيجابية تجاه قطر، فالصحافيين يكتبون نقلًا عن آخرين من دون التعرف على هذا البلد عن كثب، فعلى سبيل المثال تناقلت الصحف وقوع أكثر من 6500 حالة وفاة بين العمال خلال بناء الاستادات رغم أن هذا الخبر غير صحيح.
ويلحظ بيشوف أنه في هذه الحالة تشكل وسائل الإعلام بهذه الطريقة وسيلة ضغط، "وهذا ليس عادلًا، وهناك فعلًا ازدواجية في المعايير كما ذكر وزير الخارجية القطري".
ويستذكر مؤسس جمعية "سفير كرة القدم الألمانية" في هذا الإطار استضافة ألمانيا لكأس العالم عام 1974، داعيًا العالم إلى انتظار ما ستقدمه قطر في البطولة المقبلة.
كما أعطى بيشوف شهادة شخصية لتجربته في قطر، قائلًا إنه هو وكل من زار قطر "لديه انطباعات إيجابية، إلا أن أغلبية الناس التي تنتقد اليوم لم تذهب إلى هناك، ولا سيما الصحافة التي تغيب عنها الكثير من المعلومات".