الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

العفو بعد فيديو المجزرة.. إذلال في انتظار الخارجين من معتقلات النظام السوري

العفو بعد فيديو المجزرة.. إذلال في انتظار الخارجين من معتقلات النظام السوري

شارك القصة

ناقشت فدوى محمود، العضو المؤسس في حركة "عائلات من أجل الحرية"، العفو الرئاسي عن المعتقلين (الصورة: غيتي)
الشعور الأصعب الذي عاشته وتعيشه بعض العائلات يكمن في عدم إمكانية التعرّف على أفرادها المعتقلين منذ سنوات.

حمل عيد الفطر أملًا لآلاف العائلات السورية بعودة أفرادها الذين اختفوا قسرًا دون سبب واضح. لكن هذا الأمل شابه الغموض حول هوية المشمولين بالعفو الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، واصطدم بالأحوال الصحية المأساوية التي يعانيها هؤلاء المعتقلون، في تجسيد لأزمة إنسانية اجتماعية يعانيها السوريون منذ أكثر من 10 سنوات.

فمنذ عام 2011، اتخذ النظام السوري من تهمة "الإرهاب" سلاحًا لقمع وإخفاء معارضيه في معتقلاته لسنوات طويلة. بعضهم اختفت أخباره، وبعضهم تبلّغت عائلاتهم بوفاتهم تحت التعذيب؛ لكن ذلك لم يمنع أقاربهم من أن يقضوا ليلتهم، الثلاثاء، في العراء قرب "جسر الرئيس" في دمشق، بانتظار أي معلومة حول المعتقلين المشمولين بـ"العفو".

وتجمّع المئات من رجال ونساء، بعد ظهر الثلاثاء، في المنطقة التي تُعدّ نقطة انطلاق رئيسية للحافلات إلى مختلف المحافظات. وتسلّق شبان الجسر وافترشت نساء الأرض في حديقة مجاورة بانتظار سماع خبر أو وصول معتقلين منهم من مضى على اعتقاله أكثر من عشر سنوات.

وذكرت معلومات صحافية أنه جرى حتى الآن الإفراج عن أكثر من 250 معتقلًا بموجب مرسوم العفو، وخرج بعضهم من سجن صيدنايا ذائع الصيت.

والسبت، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسومًا قضى "بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين" قبل 30 أبريل/ نيسان 2022، "عدا التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب".

وجاء صدور العفو الرئاسي بعد نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية ومعهد "نيولاينز" الأسبوع الماضي، مقاطع فيديو مروعة تعود لعام 2013 تُظهر تصفية عشرات الأشخاص على أيدي عناصر من قوات النظام في حي التضامن في دمشق.

وشكّل التقرير تذكيرًا بأبشع ما ارتكبته قوات النظام في دمشق وغيرها من المدن والقرى السورية، منذ اندلاع الثورة السورية، والتي أودت بحياة آلاف السوريين.

ورأى رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات أنور البني، في حديث سابق إلى "العربي" من برلين، أن ما ظهر في الفيديو ما هو إلا رأس جبل الجليد ولا يعبّر إلا عن جزء بسيط من المجازر، مشددًا على أن الشريط يشكل دليلًا لإدانة المرتكبين.

وذكرت وزارة العدل في النظام السوري، في بيان ليل الثلاثاء، أنه "تمّ خلال اليومين الماضيين إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية"، على أن يصار إلى إطلاق جميع المشمولين بالعفو "تباعًا خلال الأيام المقبلة" بانتظار استكمال الإجراءات.

لكن لم تنشر الوزارة قوائم بأسماء أو أعداد من يشملهم العفو. 

"لا أعرف إن كنت سأتعرّف إليهما"

وقالت أم ماهر، لوكالة "فرانس برس"، بينما كانت في عداد الحشد قرب جسر الرئيس: "أنتظر أولادي الخمسة وزوجي منذ عام 2014. لقد سلّمتهم إلى ربي".

وأضافت بحرقة: "ستة أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل. نحن لا علاقة لنا بالإرهاب، عمر أكبرهم 25 سنة وأصغرهم 15".

وعلى غرار أم ماهر، تحدّثت أم عبده لـ"العربي" عن لهفتها لرؤية ابنيها اللذين لا تعلم شيئًا عن مصيرهما منذ اختفائهما عام 2013، إثر توجههما إلى عملهما.

وأضافت مع ابتسامة تعلو ثغرها: "قلت لجارتي: أمسكيني إذا رأيتِهما، قد أفقد الوعي، لا أعرف إذا ما كنت سأتعرّف إليهما أم لا".

بدوره، شرح محمد عجم، في حديث إلى "العربي"، أن أشقاءه الأربعة اختفوا على دفعتين في عامي 2011 و2016.

محمود: شكوك حول صدقية النظام

وتحدّثت فدوى محمود، العضو المؤسس في حركة "عائلات من أجل الحرية"، أن هذا العفو ليس الأول من نوعه منذ عام 2011، لكن السؤال هو هل سيكون كافيًا نظرًا لأعداد المغيبين والمعتقلين في سجون النظام؟

وأوضحت محمود، في حديث إلى "العربي" من بروكسل، أنه مع معرفة السوريين بسلوك النظام منذ عهد حافظ الأسد، "هناك شكوك حول صدقيته في تنفيذ كافة المراسيم التي يصدرها".

وأكدت محمود، بحرقة وغصّة، أنها تعيش حالة مختلطة من المشاعر، متسائلة: "هل سيكون زوجها وابنها من ضمن المفرج عنهم، أو أنه يجب ألا تأمل كثيرًا كي لا تعيش حالة الانكسار مرة جديدة؟".

وشرحت أن عددًا كبيرًا من أهالي المعتقلين تعرّضوا لحالات كثيرة من الابتزاز والاحتيال من قبل أشخاص ضمن النظام، في محاولتهم لمعرفة أي معلومة عن مصير أبنائهم.

أما بالنسبة إلى السوريين الذين اضطروا إلى الخروج من سوريا، فرأت محمود أن الوضع "غير إنساني أبدًا. فما الذي سيفعلونه في حال الإفراج عن أبنائهم أو أزواجهم؟".

كما أشارت إلى أن الشعور الأصعب الذي تعيشه بعض العائلات يكمن في عدم إمكانية التعرّف على أفرادها المعتقلين لسنوات.

قصص مأساوية

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص مأساوية لبعض المعتقلين المفرج عنهم الذين لم تتعرّف إليهم عائلاتهم.

وفي ظل غياب قائمة بأسماء المفرج عنهم، انتشرت صور لتهافت آلاف العائلات بانتظار معتقليهم، الذين تبلغوا بمقتلهم تحت التعذيب. لكن هذه العائلات ظلت تأمل في أن تجدهم، أو تجد من يتعرّف على صورهم وأسمائهم.

وكشفت صور أخرى تداعيات اجتماعية ونفسية على هذه العائلات، حيث ينظر الأطفال بخجل إلى آبائهم أو إخوتهم الذين اختطفوا منهم في سنّ مبكر، وتحوّلوا إلى أشخاص غرباء عنهم.

بينما صوّرت مشاهد أخرى معاناة المفرج عنهم، من فقدان للذاكرة وضعف بدني شديد نتيجة تعرّضهم للتعذيب في السجن.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - وكالات
Close