أصبح الغاز ورقة للتبارز الروسي الأوروبي على هامش حرب أوكرانيا. فروسيا تشترط الدفع بالروبل مقابل الغاز، ويرد الغرب ممتعضًا، بأن ذلك "ابتزاز" من موسكو.
وعلّقت مجموعة "غازبروم" الروسية شحناتها من الغاز إلى بلغاريا وبولندا بسبب تخلفها عن الدفع بالروبل، فيما أبلغ بوتين أوروبا بأن "لا غاز لكم عندي".
في المقابل، وافقت النمسا والمجر وألمانيا على شراء الغاز بالروبل. وفتحت عشر شركات أوروبية حسابات بالعملة الروسية تلبية لمطلب موسكو الدفع بعملتها مقابل الغاز، بحسب ما تؤكد وكالة بلومبيرغ.
مخالفة للعقود
يتهم وزراء الطاقة الأوروبيون روسيا بمخالفة عقودها بشرطها الجديد. وقد أدان رئيس وزراء بلغاريا القرار الروسي ووصف الإجراء بالانتهاك الصارخ للعقود الموقعة بين الطرفين، وهدد بأن تراجع صوفيا اتفاقها مع "غازبروم" بشأن مرور الغاز نحو دول البلقان. وقد أكد وزير الطاقة البلغاري دفع تكاليف الغاز للشهر الجاري.
أمّا بلغاريا، التي أوقف عنها الغاز الروسي حديثًا، فلا تملك سوى إمدادات شهر، فيما تعترف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بسعي القارة منذ شهور للتخلي عن الغاز الروسي.
فألمانيا التي تعتمد بنسبة 70% على الغاز الروسي، لا يمكنها التخلي عنه قبل 3 سنوات، وفق الرئيس التنفيذي لأكبر شركة ألمانية للطاقة "أي أون".
وأخفى الاعتماد الغربي على غاز روسيا الكثير، فهي "حماقة" ارتكبت منذ سنوات. ويبدو بوتين متفرجًا على أزمة الطاقة التي تخنق الغرب، فالدفع بالروبل ينعشه ويضر بنمو اقتصاد أوروبا وعملتها الموحدة، إن سلّمت به أوروبا.
"الغاز" سلاح سياسي
في هذا السياق، يعتبر الباحث السياسي هاني الشادي أن عدم دفع ثمن الغاز بالروبل تسبب بقطع الغاز الروسي عن بلغاريا وبولندا، لكن هناك أسباب أخرى، أهمها الموقف الداعم لأوكرانيا والعقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا.
ويقول في حديث إلى "العربي" من موسكو: "ننتظر قطع الغاز عن دول أخرى أيضًا إذا رفضت الدفع بالروبل".
ويؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها روسيا الغاز كسلاح سياسي، مستذكرًا ما حدث في عامي 2005 و2006 حين قطعت روسيا الغاز عن أوكرانيا وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا.
ويلفت إلى وجود تداعيات لقطع الغاز عن أوروبا على الاقتصاد الروسي، وأهمها حرمانه من إيرادات الغاز من بولندا وبلغاريا وفقدان ثقة الأسواق الأوروبية بروسيا كمصدر للغاز، معتبرًا أن اعتماد روسيا على دعم عملتها عن طريق إيرادات الغاز لن يدوم طويلًا.
ويشير الشادي إلى أن تصدير النفط بالنسبة لروسيا هو أهم من تصدير الغاز، حيث إن إيرادات تصدير النفط الروسي أكبر من تلك المعتمدة على الغاز.
ثمن باهظ
من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد أورلي بروكنر أن أوروبا تدفع ثمن اعتمادها الطويل على الطاقة الروسية، لكنه يرى أن ذلك جزء من الروح العامة في الاتحاد الأوروبي.
ويقول في حديث إلى "العربي" من برلين: "ستكون هناك بدائل عن الغاز الروسي لكن الأمر سيكون باهظًا".
ويضيف: "مضى على الحرب في أوكرانيا شهران، وقد يعطي ذلك الوقت للتفكير في "الخطة ب" للغرب والولايات المتحدة، وسيكون الأمر بمثابة تحذير سياسي بدأ من ألمانيا التي تستهلك ربع واردات الغاز الروسي، تحضيرًا للاستقلال عن موسكو وهي مسألة وقت وتمويل".
ويستبعد أن يكون لقرار روسيا وقف تصدير الغاز لبعض الدول الأوروبية دور في إحداث شرخ في الجدار الأوروبي، معتبرًا أن الشركات الأوروبية التي وافقت على فتح حسابات بالروبل لن تخضع لأي عقوبات.
انتهاء عصر الوقود الأحفوري
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي مصطفى البازركان أن مسألة التخلي عن الوقود الأحفوري هي مسألة وقت، وقد يأخذ الأمر بين سنتين وأربع سنوات.
ويشير في حديث إلى "العربي" من لندن، إلى وجود اختلاف بين اعتماد الدول الأوروبية على مصادر الطاقة الروسية.
كما يعتبر البازركان أن الحرب في أوكرانيا فرضت إستراتيجية جديدة بشأن الغاز، لافتًا إلى أن توقيف مشروع نورد ستريم 2 جاء بإيعاز أميركي.
وحول المصادر البديلة للغاز الروسي، يشير البازركان إلى أن بلغاريا ستبدأ باستجرار الغاز من ليتوانيا، كما ستعتمد بولندا في جزء من حاجاتها على النرويج.