فرضت حركة طالبان واقعًا جديدًا على أفغانستان بعد أن أحكمت سيطرتها على البلاد، وكانت النساء الأفغانيات من أهم من تأثر به.
فبعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وعدت بإبقاء مدارس الإناث مفتوحة، لكنها عادت وأغلقتها، موضحة أنها سوف تبقى مغلقة إلى حين وضع خطة تتماشى مع الشريعة الإسلامية التي تسمح بإعادة فتحها.
وفيما اعتبرت الأمم المتحدة أن هذا القرار مخز ولا مثيل له في العالم، أضحت أكثر من مليون فتاة تتراوح أعمارهنّ بين 12 و18 عامًا محرومات من استكمال تعليمهن.
ووضعت هذه السياسة الفتيات أمام خيار تحدي السلطة أو القبول بالأمر الواقع، لكنّ بينهنّ من اخترن الطريق الأصعب ومضين في استكمال تعليمهن في مدارس سرية.
يذكر أنّه قبل استيلاء طالبان على السلطة عام 1996، كان 60% من المعلمين في جامعة كابل وما يقرب من نصف الطلاب من النساء.
كما شكّلت النساء 70% من معلمي المدارس، و50% من موظفي الحكومة المدنيين، و70% من 130 ألف موظف مدني في كابل و40% من الأطباء. إلا أنّ المرأة الأفغانية باتت اليوم تعاني من هذا الواقع الذي يحرمها من حقها في التعليم.
"عين المكان" في مدارس الفتيات السريّة
كانت رحلة البحث عن الفتيات اللواتي قررن استكمال تعليمهن محفوفة بالمخاطر، فالطرق إلى المدارس السرية وعرة وأعين السلطات تراقبهن من كل مكان.
وبالفعل، وصل فريق برنامج "عين المكان" إلى قرية تتبع ولاية ننغرهار في شمال أفغانستان، ففتيات تلك القرية قررن بعد إقفال مدرستهن الوحيدة التوجه إلى منازل المعلمات لاستكمال منهج التعليم.
وتروي إحدى التلميذات لـ"العربي" أن صديقاتها أخبرنها بأمر التعليم في أحد منازل القرية. وحصلت بصعوبة على إذن والدها للحضور إلى المدرسة السرية، حيث كان يخشى عواقب انكشاف أمر المدرسة. وتقول: "الشيء الوحيد الذي أردته هو أن أتعلّم شيئًا هنا".
من جهتها، تقول مديرة مدرسة مغلقة: "أردت أن أعمل لمستقبل البنات في مجتمعنا، وهذه مسؤوليتي كبنت مؤهلة ومتعلمة".
وتضيف: "أنا أدرك ما هي متطلبات ديني، ولا أعمل ضد الإسلام، وإن قالوا ذلك. وإن قبضوا عليّ، سأكون بطلة، لا أبالي بشيء أو شخص. عملي حق ولا أخاف من أحد".
فتيات أفغانيات تتخذن من البيوت مدارس سرية بعد قرار حكومة #طالبان إغلاق المؤسسات التعليمية في وجوههن#عين_المكان pic.twitter.com/oXZ8KWo70v
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 1, 2023
حزن شديد وواجب وهواجس
وتقول إحدى الطالبات في هذا السياق: "أغلقت مدارسنا وحولتها طالبان إلى مساجد ونحن مضطرون للقدوم لمدارس سرية لاستكمال تعليمنا، فدروسنا وصلت إلى النصف ولم تنتهِ بعد".
وتكشف معلمة أفغانية أنه مرّ عامان منذ أن تولت ما تصفه بـ"هذا الواجب". وتقول: "في البداية كان عدد التلميذات قليلًا، أمّا الآن فقد أصبح كبيرًا". وتضيف: "خطرت لي هذه الفكرة لأن الفتيات يجب أن يتعلمن وهذا حق لهن".
وقد انتاب هذه المدرّسة الخوف أثناء المقابلة ولم تستطع إكمال حديثها خوفًا من العقوبة التي قد تصل إلى السجن ودفع غرامة نتيجة مخالفة قرار السلطات في أفغانستان.
وفي العاصمة كابل، فتحت بعض المدارس السرية في أطراف العاصمة التي لجأت إليها الكثير من الطالبات سبيلًا لإكمال دراساتهن.
وعبّرت إحدى الطالبات عن الحزن الشديد الذي شعرت به عندما علمت بقرار طالبان بإغلاق المدارس وبأن الفتيات في الصف السادس لا يمكنهن إكمال دراستهن. وقالت: "لذلك بنينا مدرسة سريّة هنا ونأتي إليها ونواصل دروسنا".
وتقول الناشطة الحقوقية الأفغانية زكية زهادت: "لقد شهدنا العديد من الاحتجاجات والبرامج المتعلقة بتعليم الفتيات منذ عهد طالبان في أفغانستان من أجل خلق فرصة التعليم والمعرفة للفتيات".
وتوضح أن برامج الاحتجاج بدأت منذ إعلان قرار طالبان بشأن توقف تعليم الإناث، لكن الظروف الأمنية حالت مشاركة البعض في هذه الاحتجاجات.
رأي الشرع.. الدراسة "شيء مقدّس"
ولمعرفة رأي الشرع من هذا الموضوع، توجّهنا إلى مدير المدارس الدينية في كابل الملا محمد سرور الذي يؤكد أن الدين الإسلامي يعتبر أن تربية الإنسان شيء مقدس، وخاصة فيما يتعلٌّق بفئة الإناث.
ويضيف: "حتى الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه كان يعلّم الصحابيات مرّة في الأسبوع، وحصلت عائشة رضي الله عنها على أفضل دكتوراه في مجال الدين، وكان الصحابة يرجعون إلى أم المؤمنين في القضايا التي لم يعرفوها".
أكثر من ذلك، يشدّد على أنّه إذا ترك الإنسان التعليم في حياته، يُعتبَر كمن يترك الصلاة، مضيفًا: "إن تعلم قضايا الحلال والحرام هو واجب كواجب الصلاة".
ويلفت إلى أنّ الدين الإسلامي فرض التعليم على الرجال والنساء، وحدّد شروطًا لذلك، من بينها أنه لا يجوز الاختلاط بالرجال لكي يكون هناك تشكيك في عفّة الأخوات.
ويضيف: "الإسلام يفرض هذه الشروط ويحدّدها لكنّه لا يحرمهنّ من حق التعليم، ويقول علماء الإسلام إنّه حيثما تتعارض العفّة والعلم، ينبغي تفضيل العفّة هناك. معناه أنّ الأخت إذا لم تُحصَّن على الكرامة والعفّة، فالأفضل لها أن تختار العفّة دون العلم".
ماذا تقول طالبان عن قراراتها الجدلية؟
وللوقوف على رأي حركة طالبان، استطاع فريق برنامج "عين المكان" بعد محاولات عديدة، الوصول إلى أحد المسؤولين عن دراسة النساء في حكومة طالبان، وهو عبد الحميد حماسي، أحد المسؤولين الكبار في الحركة، والذي احتفلت الحكومة الأفغانية السابقة بمقتله، ليتفاجأ العالم بعدها أنه لم يمت.
ويؤكد حماسي في حديث إلى "العربي" رغبته في أن تكون مدارس النساء بشكل رسمي أي تحت نظر طالبان، وليس مدارس سرية.
ويشير إلى أن الحركة تريد أن تهيئ ظروفًا تفرق بين الذكور والإناث في المدارس، كما تريد أن تغير مناهج التعليم التي يسود عليها الجانب العلماني.
ويقول حماسي: "نحن نرغب بأن تكون المدارس في أفغانستان على منهج النبي ليس على المنهج الغربي".
في المحصّلة، لا تلقى المطالبات الحقوقية والأممية أذنًا صاغية من حكومة طالبان لإعادة فتح المدارس أمام الفتيات في أفغانستان.
ويبقي تمسّك الحكومة بما تعتبرها مواقف فكرية وسياسية، نصف المجتمع الأفغاني رهينًا لهذه المواقف، ليبقى المستقبل أمامهنّ مجهولًا وبلا أمل في حلّ هذه المعضلة.
المزيد عن مدارس أفغانستان السرّية، من شهادات الفتيات أنفسهنّ، وصولاً إلى رأي الشرع، وموقف طالبان، في الحلقة المرفقة من برنامج "عين المكان".