يلعب القادة في أوقات الحروب دورًا بارزًا على صعيد التعبئة الجماهيرية، لشحن الهمم ورفع المعنويات، كما تنعكس شخصية القائد بتركيباتها المختلفة على أدائه السياسي والميداني.
ويشكل التكوين الاجتماعي والمهني بالإضافة إلى طبيعة الشخصية عوامل مهمة يجب أخذها في الحسبان، عند التقاط عناصر القوة أو الضعف للرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين.
فلاديمير بوتين
فعند انهيار الاتحاد السوفياتي كان بوتين في سن الـ38 عامًا، أي عمليًا في قمة عطاء الإنسان، وكان قد أصبح قبلها واحدًا من أبرز ضباط المخابرات السوفيتية، لكن انهيار الاتحاد جعل أحلامه تخبو لفترة ليست بطويلة.
وشكّلت شخصية رجل المخابرات، التي طبعت بوتين بطابعها، من الانطوائية، وعدم الانفتاح بسهولة على الأخرين، وانعدام الثقة إلا بدائرة ضيقة جدًا من المقربين، بالإضافة إلى التفرد بالقرارات خاصة المصيرية، الملامح الرئيسية للقيصر الجديد بوتين.
أما على الصعيد العام فإن معايشته لانهيار الإمبراطورية السوفياتية جعل هدفه الأساسي هو إعادة إحياء المجد الروسي الغابر.
فولوديمير زيلينسكي
أما على الجانب الآخر، يبرز الرئيس الأوكراني زيلينسكي باعتباره نموذجًا معاكسًا لبوتين، فالشاب الأوكراني الحاصل على شهادة في الحقوق اختار شغفه في التمثيل وسيلة شق بها مساره المهني، ما جعله ينفتح على فئات المجتمع الأوكراني، حاصدًا شعبية كبرى أوصلته عام 2019 إلى سدة الرئاسة.
ويتميز زيلينسكي بشخصية مرحة منفتحة، ولكن غير سطحية أو ضعيفة وهو ما أثبتته تجربة مواجهة الهجوم الروسي.
أما على الصعيد الوطني العام، فالشاب الصغير الشاهد على استقلال بلاده عن الاتحاد السوفياتي، عاش وكبر على قناعة باستقلالية أوكرانيا، وعدم خضوعها للنفوذ الروسي، وهو ما شكل ركنًا مركزيًا في شخصيته السياسية.
"الشخصية الأكثر تعقيدًا"
وفي هذا الإطار، يرى الباحث والمحاضر في علم النفس السياسي رمزي أبو إسماعيل أن بوتين يعد الشخصية الأكثر تعقيدًا، فهو بدأ عندما أصبح رئيسًا بصناعة صورة متسامحة مع الغرب، وحاول بناء علاقات جيدة من المحيط الأوروبي.
وبين في حديث إلى "العربي"، من ميونخ، أن الرئيس الروسي اتخذ بعد ذلك منحى الانغلاق على نفسه، وبدأت تظهر عليه نزعة بناء روسيا اتحادية أقوى وأكبر وتلعب دورًا أكثر مركزيًا في الشؤون الدولية.
وأصبح بوتين بعد ذلك شخصًا "يمينيًا" إلى حد ما، ويرغب في الحفاظ على التقاليد الروسية، حسب أبو إسماعيل.
وأشار إلى أن بوتين يسعى إلى تطوير المجتمع الروسي، لكنه يرغب في أن يكون هذا التطور يحاكي رغبة بلاده، ولا يحاكي الرغبة الغربية.
ولفت أبو إسماعيل إلى أن بوتين عانى كثيرًا خلال نشأته، ما جعله أكثر وعيًا في أن يعكس صورة القائد، وهو يريد أن يكون قيصر ومخلص لروسيا.
وأردف أن الرئيس الروسي شخصية سلطوية، مبينًا أن هذا النوع من الشخصيات تميل إلى أن تكون ضمن دائرة ضيقة، تتخذ قرارتها بشكل منفرد، ولا تثق بالآخرين وتحاول أن تبعد عن مراكز القيادة شخصيات قد تكون معارضة لسياساتها.
وتابع أنه بعد 28 عامًا من دخول الرئيس الروسي إلى الكرملين، أصبح هناك شبكة أشخاص في مراكز قيادية في روسيا يثقون ببوتين ثقة عمياء بدون أي تشكيك في قراراته، ما أدى لاتخاذه بعض القرارات الخاطئة كالحرب في أوكرانيا.
أما بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني، فقال أبو إسماعيل: إن فيلم "خادم الشعب" الذي أدى دور بطولته الرئيس الأوكراني أعطى زيلينسكي الشغف الحقيقي لديه في ممارسة دور البطولة من أجل تعزيز استقلالية أوكرانيا.
ولفت إلى أن زيلينسكي أصبح رئيسًا للجمهورية دون حزب ودون ممثلين عن الشعب في البرلمان، وتحول "خادم الشعب" بعد ذلك إلى حزب سياسي يملك الأكثرية البرلمانية في أوكرانيا.
وبيّن أبو إسماعيل أن عمله في التمثيل والفن وبعده عن المجال الاستخباراتي والعسكري، ساعده في أنّ يكون منفتحًا على أشكال القيادة المتقبلة للآخر.