خسرت الليرة اللبنانية، اليوم الخميس، المزيد من قيمتها أمام الدولار، لتسجّل رقمًا قياسيًا جديدًا على الإطلاق، بعد تحسن محدود إثر الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة بعد 13 شهرًا من الفراغ السياسي، "ضاع سدى" بعد تعطّل مجلس الوزراء وتعذّر انعقاده.
فقد قال عدد من صرافي العملات في بيروت إن الليرة بلغت حوالي 24500 للدولار، متراجعة لما دون أدنى مستوى على الإطلاق عند حوالي 24 ألفًا المسجل في يوليو/ تموز.
وبذلك، فقدت العملة الآن أكثر من 93% من قيمتها منذ صيف 2019 عندما بدأت الانفصال عن سعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة للدولار الذي كانت مربوطة عنده منذ 1997.
ويأتي التراجع المستمر في قيمة العملة الوطنية في ظلّ انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850، تزامنًا مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
تاريخ طويل لانهيار الليرة
في الواقع، لم يبدأ انهيار الليرة اللبنانية مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ صيف 2019، بل له تاريخ طويل بدأ في يونيو/ حزيران من عام 1982 تزامنًا مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
فمنذ تأسيس مصرف لبنان في عام 1963 حتى بداية الثمانينيات، لم يتغيّر سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة كثيرًا، وإنما تراوح بين 3 و4 ليرات. لكن بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982، تراجعت الليرة ووصل سعر الدولار الواحد إلى 5 ليرات لبنانية.
وعقب الاجتياح وما رافقه من معارك أهلية، انهارت العملة بشكل متسارع وبلغ سعر صرف الدولار عام 1987، في عهد أمين الجميل، ما يقارب 550 ليرة. وفي عام 1991، أصبح سعر الصرف 880 ليرة، وبدأت الاحتجاجات الشعبية على الوضع الاقتصادي، ليصل سعر الدولار في شهر مايو/ أيار 1992، إلى 3000 ليرة.
ومع تعيين رياض سلامة في الشهر نفسه حاكمًا لمصرف لبنان، تحسّن وضع الليرة لتسجّل في أغسطس/ آب 1992، 1950 ليرة مقابل كل دولار. وفي يونيو 1999، قرّر سلامة ضبط سعر الصرف عند 1507 ليرات ونصف للدولار الواحد، وحافظت العملة على مستوياتها حتى عام 2019، رغم تعثر الاقتصاد مرّات عدّة عامي 2001 و2006.
الانهيار الأقسى في تاريخ لبنان
عام 2019، وعقب الحراك الشعبي في لبنان في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت الليرة تراجعها وبلغ سعر الصرف في بداية 2021، 15000 ليرة لكل دولار، للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
لكن في يوليو/ تموز الماضي، سجّلت الليرة اللبنانية تدهورًا قياسيًا، بعدما تخطى سعر الصرف مقابل الدولار عتبة 23 ألفًا في السوق السوداء.
وفي سبتمبر/ أيلول، تحسن سعر الصرف بعض الشيء ليقترب من 15 ألفًا مقابل الدولار بعد الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي بعد أكثر من عام من شلل سياسي إثر استقالة الحكومة السابقة بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت المروع في أغسطس/ آب 2020.
غير أن الحكومة لم تجتمع منذ أكثر من 40 يومًا، وهو غياب بدأ بمسعى من حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه لتنحية القاضي الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 الذي أودى بحياة أكثر من 215 شخصًا وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.
وجاءت الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لتفاقم الوضع سوءًا، ورغم ذلك، بقي معطّلو الحكومة على موقفهم، في ظلّ رفع معادلة "لا جلسة لمجلس الوزراء قبل تنحية القاضي البيطار"، وثمّة من أضاف إليها معادلة أخرى مفادها "استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي مقابل تنحية البيطار".