يتّجه عدد من البلدان حول العالم إلى تنفيذ المزيد من مشاريع الهيدروجين، باعتباره بديلًا نظيفًا وآمنًا للنفط وغاز للتدفئة، ووسائل النقل.
ومن بين تلك الدول الولايات المتحدة التي تسعى لتحويل حوالي 26 مليار دولار من أموال دفاعي الضرائب لتنفيذ مشاريع الهيروجين.
والهيدروجين هو الجزيء الأصغر والأخفّ والأكثر وفرة في الكون. وهو غير متوافر على الأرض بشكل طبيعي، بل يمكن فصله عن الماء، أو المركبات الهيدروكربونية (الوقود الأحفوري)، مثل الغاز والفحم والبترول.
هل الهيدروجين هو الحل لأزمة المناخ؟
أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن الأبحاث التي أجراها علماء المناخ كشفت زيف مزاعم الصناعة بأن الهيدروجين يجب أن يكون لاعبًا رئيسيًا في مستقبلنا الخالي من الكربون، على الرغم من أن الهيدروجين المستخرج من الماء (باستخدام مصادر الطاقة المتجددة) يمكن ويجب أن يلعب دورًا مهمًا في استبدال الهيدروجين الوسخ المستخرج حاليًا من الوقود الأحفوري.
قد يتمّ استخدامه في بعض وسائل النقل مثل الرحلات الطويلة والسيارات القديمة، لكن الأدلة حول ذلك الآن غير واضحة تمامًا.
ما الفرق بين الهيدروجين الأزرق والرمادي والبني والوردي والأخضر؟
يتطلّب استخراج الهيدروجين طاقة مكثفة، لذا فإن المصدر وكيفية استخراجه أمران مهمان. في الوقت الحالي، يأتي حوالي 96% من الهيدروجين في العالم من الفحم (البني) والغاز (الرمادي)، بينما يتكون الباقي من مصادر الطاقة النووية (الوردية)، والمتجدّدة مثل الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وينتج كل من الهيدروجين الرمادي والبني ثاني أكسيد الكربون (CO2)، والميثان غير المحترق في الغلاف الجوي. وهذا النوع من الهيدروجين شديد التلوث ويستخدم حاليًا كقاعدة كيميائية للأسمدة النيتروجينية الاصطناعية، والبلاستيك، والصلب وبعض الصناعات الأخرى.
أما الهيدروجين الأزرق، فتستثمر فيه صناعة الوقود الأحفوري، حيث تدّعي الشركات أنها تمتلك تكنولوجيا لالتقاط ما بين 80 و90% من ثاني أكسيد الكربون، لكنها في الواقع تقترب من 12% عندما يتم تقييم كل مرحلة من مراحل العملية كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ووجدت دراسة لجامعة كورنيل عام 2021، أنه يتمتع ببصمة غاز دفيئة أكبر بكثير من حرق الغاز أو الفحم أو زيت الديزل للتدفئة. وهذا ما دفع شركات صناعة الوقود الأحفوري إلى إطلاق مصطلح الهيدروجين النظيف.
أما الهيدروجين الأخضر، فيتمّ استخراجه من الماء عن طريق التحليل الكهربائي- باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة المائية).
ويقول خبراء المناخ إن الهيدروجين الأخضر لا يمكن أن يكون أخضر إلا إذا تم إنشاء مصادر متجددة جديدة لتشغيل إنتاج الهيدروجين، بدلًا من الاعتماد على الشبكة الحالية. غير أن الشركات تعتبر أن "القواعد الصارمة التي تتطلّب استخراج الهيدروجين الإلكتروليتي بواسطة طاقة متجددة جديدة، ليست عملية، خاصة في السنوات الأولى، وسوف تحد بشدة من تطوير مشاريع الهيدروجين".
وقال روبرت هوارث، أستاذ علم البيئة والبيولوجيا البيئية في جامعة كورنيل: "قد يكون للهيدروجين الأخضر دور صغير في مستقبل خالٍ من الكربون، ولكنّها إلى حد كبير عملية تسويق مبالغ فيها تقوم بها صناعة النفط والغاز".
ما هي المخاطر؟
بالإضافة إلى استخدام مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في مشاريع الهيدروجين، تستخدم شركات الوقود الأحفوري الهيدروجين لتبرير بناء المزيد من خطوط الأنابيب، بدعوى أنه يمكن استخدام هذه البنية التحتية من أجل "الهيدروجين النظيف" في المستقبل.
لكن الهيدروجين عنصر قابل للاشتعال بدرجة كبيرة، وسيكون من المكلف إعادة استخدام البنية التحتية للنفط والغاز لجعلها آمنة للهيدروجين. وعلى الرغم من أن الهيدروجين ليس من غازات الدفيئة، إلا أنه غير ضار، لكنه يزيد من خطورة بعض غازات الدفيئة، فعلى سبيل المثال، يتسبب في بقاء غاز الميثان في الغلاف الجوي لفترة أطول.
وفي هذا الإطار، قالت سارة غيرسن، محامية الطاقة النظيفة في جمعية "ايرث جاستس" (Earth justice): "هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل للاستثمار في الحلول الفعلية الخالية من الانبعاثات، ولكنها قد تكون كارثية إذا قامت الحكومة الفيدرالية بصب الموارد النادرة في البنية التحتية والتقنيات التي يمكن أن تجعل أزمة المناخ أسوأ، وتسبب المزيد من الأضرار على الصحة العامة".
وأضافت أن "إثارة الشكوك حول الهيدروجين هو تكتيك المماطلة، والمماطلة هو الإنكار الجديد".
هل للهيدروجين دور في مستقبلٍ خالٍ من الكربون؟
تقول الصحيفة أن للهيدروجين دور محدود في مستقبل خالٍ من الكربون، نظرًا لأن إنتاج الهيدروجين وتخزينه ونقله يتطلّب طاقة أكبر مما يوفّره عند تحويله إلى طاقة مفيدة. لذا فإن استخدام أي شيء عدا المصادر المتجدّدة الجديدة (الهيدروجين الأخضر الحقيقي) سيتطلب حرق المزيد من الوقود الأحفوري.
وفقًا لسلم استحقاق الهيدروجين الذي ابتكره مايكل ليبرايش، مضيف بودكاست "Cleaning Up"، فإن استبدال الهيدروجين النظيف بنظيره الرمادي والبنّي القائم على الوقود الأحفوري المستخدم حاليًا في الأسمدة الاصطناعية والبتروكيماويات والصلب، أمر لا يحتاج إلى تفكير. وقال ليبرايش: "تعادل البصمة الكربونية لإنتاج الهيدروجين العالمي اليوم، انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية في ألمانيا، لذلك فانه كلما أسرعنا في الانتقال إلى الهيدروجين الأخضر (الذي تم إنشاؤه من مصادر الطاقة المتجددة الجديدة) كان ذلك أفضل".
وأضاف: "قد يكون هذا مفيدًا أيضًا لبعض وسائل النقل، مثل الرحلات الطويلة والآلات الثقيلة، وربما لتخزين فائض طاقة الرياح والطاقة الشمسية".
لكنّه في الوقت نفسه، أكد أن هناك تقنيات بديلة تتنافس على هذه الأسواق. فبالنسبة لمعظم أشكال النقل (السيارات والدراجات والحافلات والقطارات) والتدفئة، توجد بالفعل تقنيات أكثر أمانًا وأنظف وأرخص تكلفة مثل السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والمضخات الحرارية. وبالتالي لا توجد أي فائدة تذكر في استثمار الوقت أو المال لاستخدام الهيدروجين.
وقال هوارث: "الكهرباء المتجدّدة هي مصادر نادرة، بينما توفّر الكهرباء المباشرة والبطاريات أكثر من ذلك بكثير وبسرعة أكبر، لذلك فان الحديث عن تدفئة المنازل وسيارات الركاب بالهيدروجين يعد مصدر إلهاء كبير وإهدار للموارد".