الجمعة 6 Sep / September 2024

انقلاب النيجر يشعل التنافس على الغاز بين المغرب والجزائر.. ما القصة؟

انقلاب النيجر
انقلاب النيجر يشعل التنافس على الغاز بين المغرب والجزائر.. ما القصة؟
الجمعة 8 سبتمبر 2023

شارك القصة

يطرح وجود مشروعين للهدف نفسه وهو تزويد أوروبا بالغاز تساؤلات جديدة حول التنافس بين المغرب والجزائر
يطرح وجود مشروعين للهدف نفسه وهو تزويد أوروبا بالغاز تساؤلات جديدة حول التنافس بين المغرب والجزائر

تتوسط النيجر خارطة إفريقيا وهي الدولة التي شهدت انقلابًا عسكريًا منذ أسابيع تقلّد بموجبه مجلس عسكري سدة الحكم وعزل على إثره رئيس البلاد المنتخب محمد بازوم.

وما يميّز النيجر أنّه بلد استراتيجي وسط الساحل الإفريقي غني بالمعادن والثروات الطَّبيعية أبرزها معدن اليورانيوم الثمين الذي تصدّرت أخباره وسائل الإعلام الدولية منذ بداية الانقلاب. 

إلا أنّ المثير في الأمر، أنّ النيجر بعد الانقلاب صارت عرضة لتكون ساحة حرب واسعة، بحكم جغرافيتها المهمة أولًا والثروات التي تزخر بها ثانيًا. كما أنّ النيجر أيضًا معبر مهم لأحد أضخم مشاريع الغاز في إفريقيا، الذي يربط قلب القارة بأوروبا ويعبر الجزائر، وهو ربما ما يفسّر رفض هذه الأخيرة القاطع لأي تدخل عسكري في النيجر.

فما مصير هذا المشروع الذي أصبح مهددًا بعد الانقلاب؟ وماذا يحدث في الجهة الأخرى حيث يحضّر المغرب لتنفيذ مشروع مواز لنقل الغاز إلى أوروبا؟

صارت النيجر بعد الانقلاب عرضة لتكون ساحة حرب واسعة، بحكم جغرافيتها والثروات التي تزخر بها
صارت النيجر بعد الانقلاب عرضة لتكون ساحة حرب واسعة، بحكم جغرافيتها والثروات التي تزخر بها

نيجيريا ومسارات الغاز

للإجابة على هذه التساؤلات، لا بدّ من المرور أولاً عبر نيجيريا، الدولة التي تتربع على ثروة هائلة من الغاز الطبيعي، وتصنّف ضمن الدول العشر الأوائل في احتياطات الغاز بأكثر من 5.85 ترليون متر مكعب.

وإلى نيجيريا، تتجه أنظار أوروبا عبر مسارين مختلفين من أنابيب الغاز، إذ يمرّ الأول عبر الجزائر والثاني عبر المغرب، الدولتان الجارتان في شمال القارة.

وفي التفاصيل، يمتدّ المسار الأول  بطول يتجاوز 4400 كيلومتر من نيجيريا نحو النيجر فالجزائر وإلى الأسواق الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط. 

أمّا المسار الثاني، فيمتد عبر 13 دولة ويبدأ من نيجيريا ويعبر بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وينتهي في المغرب الذي سيوصله بدوره إلى أوروبا بطول يناهز 6 آلاف كيلومتر.

وأصبح هذا المشروع حديث العالم بعد أن نُفض الغبار عنه بتوقيع مذكرات تفاهم لانضمام 4 دول من دول العبور إلى المشروع.  

ويقول ملك المغرب محمد السادس: "نعتبر أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب أكثر من مشروع ثنائي بين بلدين شقيقين وإننا نريده مشروعًا إستراتيجيًا لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها". 

يعتبر ملك المغرب أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب أكثر من مشروع ثنائي بين بلدين شقيقين
يعتبر ملك المغرب أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب أكثر من مشروع ثنائي بين بلدين شقيقين

أنابيب تربط نيجيريا بالمغرب

وبدأ هذا المشروع الإستراتيجي باتفاق مبدئي بين نيجيريا والمغرب عام 2016 بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار. وسيجري تشييده على مراحل قد تستغرق 25 عامًا.

لكن المشروع اكتسب أهمية أكبر بعد توقف خط أنابيب الغاز الذي يمتد من الجزائر نحو المغرب ثم أوروبا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021 والذي ينطلق من منبعه في الجزائر، إلّا أن العلاقات المضطربة بين الرباط والجزائر حالت دون أن يستمر. 

ويشير الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أنّ "الجزائر تمتلك أنبوبًا خاصًا 51% منه جزائري و49% منه إسباني ونحن نموّل به إسبانيا ولا نحتاج للأنبوب القديم". 

تُعَد النيجر معبرًا مهمًا لأحد أضخم مشاريع الغاز في إفريقيا، الذي يربط قلب القارة بأوروبا ويعبر الجزائر، وهو ربما ما يفسّر رفض هذه الأخيرة القاطع لأي تدخل عسكري في النيجر

من جانبه، يعتبر الباحث الاقتصادي ومدير مرصد العمل الحكومي بالمغرب محمد جدري أن "المغرب بصدد تنزيل نموذج تنموي جديد يحتاج إلى الكثير من الطاقة"، مشيرًا إلى أن المغرب بلد لا ينتج الطاقة وبالتالي كان لزامًا عليه أن يبحث عن بديل لهذا الغاز". 

ويوضح أن هذا البديل "موجود الآن في الخط النيجيري المغربي لأنه سيلبي حاجات المغرب من الطاقة من جهة وسيمكنه من الاستجابة لحاجات أوروبا خلال الثلاثين سنة المقبلة". 

بدأ المشروع باتفاق مبدئي بين نيجيريا والمغرب عام 2016 بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار، وسيجري تشييده على مراحل قد تستغرق 25 عامًا
بدأ المشروع باتفاق مبدئي بين نيجيريا والمغرب عام 2016 بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار، وسيجري تشييده على مراحل قد تستغرق 25 عامًا

مشروع غاز نيجيريا الجزائر

في الجانب الآخر، تمضي الجزائر مع نيجيريا في مسار آخر عبر النيجر بعد توقيع البلدان الثلاثة مذكرة تفاهم في يوليو/ تموز 2023 لإخراج المشروع إلى حيز التنفيذ.

وهذا المشروع ليس وليد اللحظة بل طُرحت فكرته منذ أكثر من 40 عامًا ووقعت نيجيريا والجزائر اتفاقية عام 2009 لإطلاقه، لكنه ظلّ لسنوات مجرد وثيقة إلى أن تم إحياؤه قبل أسابيع من الانقلاب العسكري في النيجر، الطرف الثالث في هذا الاتفاق.

يمتد المشروع لنحو 4 آلاف كيلومتر من مدينة واري في نيجيريا مرورًا بالنيجر وينتهي في حاسي الرمل في الجزائر ومن هناك سيجري توصيله بخطوط الأنابيب الحالية التي تمتد إلى أوروبا. 

وتصل تكلفة المشروع إلى نحو 13 مليار دولار ويمكن أن تصل صادراته إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا سنويًا.

هذا المشروع ليس وليد اللحظة بل طُرحت فكرته منذ أكثر من 40 عامًا
هذا المشروع ليس وليد اللحظة بل طُرحت فكرته منذ أكثر من 40 عامًا

التنافس بين الجزائر والمغرب

لكن وجود مشروعين للهدف نفسه وهو تزويد أوروبا بالغاز يطرح تساؤلات جديدة أهمها حول مدى تنافس المشروعين. 

ويستبعد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر د. توفيق بوقعدة أن يكون المشروع العابر للمحيط الأطلسي و13 دولة وصولًا إلى المغرب منافسًا للمشروع الثاني الذي يمر عبر 3 دول هي نيجيريا والنيجر والجزائر. 

كما أن المشروعين يواجهان صعوبات جمة أهمها مشكلة التمويل، فطولهما غير المسبوق يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، فضلًا عن طول الفترة الزمنية لتنفيذهما، إضافة إلى ضعف البنية التحتية للدول التي سيعبران منها. 

يطغى المشهد المعقد على مشروعين يعكسان علاقات متشابكة بين الدول تلعب فيه الجغرافيا الدور الرئيس، إذ تحاول أوروبا التخلي عن الغاز الروسي عبر أنبوبي غاز يمر الأول من الجزائر والثاني من المغرب

ويقول بوقعدة: "إن تكلفة المشروع الثاني الذي يمر عبر العديد من الدول وصولًا إلى المغرب تبلغ أضعافًا مضاعفة، بالإضافة إلى أن المشروع يستغرق إنجازه أكثر من 20 سنة، وبالتالي ليس من السهل أن يكون مشروعًا ناجزًا يمكن استغلاله في فترة قصيرة، على عكس المشروع الثاني الذي يمر فقط عبر النيجر والجزائر، وهو مشروع لديه البنى التحتية التي يستند إليها حتى يمكن استغلاله أحسن استغلال". 

تمدد روسيا وخيارات أوروبا

وبالعودة إلى النيجر، يُلاحَظ أنّ لاعبًا جديدًا يتمدد في المنطقة، وهو روسيا أو مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة. ومن هنا، يمكن تفسير أهمية هذه الأنابيب بالنسبة إلى روسيا أولًا وأوروبا كذلك، فموسكو ما زالت تحاول السيطرة على مصادر الطاقة باعتبارها سلاحًا في حربها المفتوحة في أوكرانيا، ونوعًا من الرد على العقوبات التي انهالت عليها.

أمّا أوروبا ودولها المستفيدة من هذه المشاريع فستكون أمام عدة خيارات للتزود بالغاز الطبيعي بعدما كانت رهينة لروسيا طوال السنوات الماضية عبر خطوط أنابيب "نورد ستريم"، التي تمدها بالغاز عبر بحر البلطيق بدءًا من منفيورغ الروسية وصولًا إلى مدينة غرايفسفالد الألمانية بطول يتجاوز 1200 كيلومتر.

فقد اتخذت الدول الأوروبية خطوات متقدمة في طريق تخليها عن الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. وخفضت وارداتها من موسكو إلى نحو 40% عام 2021 حتى قطعت الإمدادات مع بداية عام 2023 وباتت تعتمد على مصادر أخرى.

اتخذت الدول الأوروبية خطوات متقدمة في طريق تخليها عن الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا
اتخذت الدول الأوروبية خطوات متقدمة في طريق تخليها عن الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا

انقلاب النيجر ومستقبل المشروعين

على الأرض، يبدو الأمر مختلفًا، إذ قلب الانقلاب في النيجر موازين المعادلة ووضع مشروع أنابيب نيجيريا- الجزائر رهن ظروف أمنية وسياسية صعبة. ويزيدها تعقيدًا تدخل روسي محتمل في البلاد. 

ويعتبر بوقعدة أن روسيا "لا تسعى لإفشال المشروع وإنما لأن تكون جزءًا أساسيًا منه حتى تضمن عائدات أكبر لاقتصادها وكذلك أن تكون شريكًا ولها قدرة على التحكم في سوق الغاز على المستوى العالمي أكثر من سعيها لحرمان أي دولة من الاستفادة من قدراتها أو خيراتها". 

ويطغى المشهد المعقد على مشروعين يعكسان علاقات متشابكة بين الدول تلعب فيه الجغرافيا الدور الرئيس، إذ تحاول أوروبا التخلي عن الغاز الروسي عبر أنبوبي غاز يمر الأول من الجزائر والثاني من المغرب. 

وتظل قيمة المشروعين رهن عودة العلاقات بين روسيا وأوروبا أولًا، ومرتبطة بحاجة أوروبا إلى الغاز الذي بدأت تتخلى عنه لصالح الطاقة البديلة.


كل ما تحتاجون معرفته عن مشروعَي أنابيب الغاز الممتدَّين من نيجيريا نحو المغرب والجزائر، ودور انقلاب النيجر في إشعال التنافس على الغاز بين المغرب والجزائر، تجدونه في الحلقة المرفقة من سلسلة "على الأرض"، ضمن إنتاجات "عربي تيوب".
المصادر:
العربي
Close