وُلد حوالي 140 مليون طفل على مستوى العالم العام الماضي، من دون احتساب عدد العائلات التي ينتهي حملها بشكل مأسوي.
ووفقًا لمجموعة الأمم المتحدة المشتركة بين الوكالات لتقدير وفيات الأطفال، فإن حوالي مليوني حالة حمل حول العالم تنتهي بالإملاص كل عام. وتتعدّد أسباب الوفاة عند الولادة، من تشوّهات الجنين، ومضاعفات المخاض، وارتفاع ضغط الدم عند الأم، والالتهابات، وتشوّه المشيمة.
كما دخل فيروس "كوفيد-19" إلى قائمة أسباب الإملاص، مع قدرته على غزو المشيمة وتدميرها، ما يؤدي إلى ولادة أجنة ميتة لدى النساء المصابات بالفيروس.
خطر على الجنين
إلا أن دراسة عالمية حديثة نشرتها مجلة "نايتشر كوميونيكايشنز"، كشفت أن تلوّث الهواء يؤدي إلى حوالي مليون حالة ولادة جنين ميت (إملاص) سنويًا.
وأضافت الدراسة، التي شملت 137 دولة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، أن 39.7% من حالات الإملاص مرتبطة بالتعرّض لجزيئات التلوّث الدقيقة (PM2.5)، التي يقلّ حجمها عن 2.5 ميكرون (حوالي 3% من عرض شعرة الإنسان)، والتي ينتج معظمها من عوادم السيارات، وحرق الفحم، ومواد التدفئة، وحرائق الغابات.
ووفقّا للدراسة، فإن كل 10 ميكروغرام من (PM2.5) لكل متر مكعب من الهواء تزيد من خطر ولادة جنين ميت بنسبة 11%، وان الأمهات الأكبر سنًا أكثر عرضة للإملاص مقارنة بالأصغر سنًا.
وفي حين أشارت دراسات سابقة إلى وجود علاقة محتملة بين تلوّث الهواء وزيادة خطر ولادة جنين ميت، فإن هذه الدراسة التي قادتها جامعة بكين هي الأولى التي تقوم بإحصاء عدد الوفيات الصادم.
ولإجراء دراستهم، اختار الباحثون 137 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تحدث 98% من حالات الإملاص في العالم، وقارنوا أرقام الوفيات هذه ببيانات أخرى من إرشادات جودة الهواء الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والتي توضح بالتفصيل شدة تلوث (PM2.5) في كل من تلك البلدان.
ووجدت الدراسة ارتباطًا وثيقًا بين ابعاثات الجسيمات وحالات الإملاص.
الدول الأكثر تضرّرًا
وتعتبر الهند، البلد الأكثر تضررًا من حالات الإملاص، بمتوسط سنوي قدره 217 ألف حالة، وتبين أن تركيز "PM2.5" يبلغ 60.15 ميكروغرام لكل متر مكعب من الهواء، أي 12 ضعف المستوى المرجعي لمنظمة الصحة العالمية.
أما باكستان، ثاني أكثر البلدان تضررًا، فتُسجّل 110 آلاف إملاص سنويًا، مع 63.16 ميكروغرام من التلوّث. تليها نيجيريا (93 ألف حالة إملاص، و 69.66 ميكروغرام)، فالصين (64 ألف حالة إملاص و51.11 ميكروغرام)، وبنغلاديش (49 ألف حالة إملاص و69.58 ميكروغرام).
وبالإضافة إلى تلوّث الهواء، أشارت الدراسة إلى إمكانية أن تكون التركيزات العالية من الغبار، بخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومنطقة الصحراء العربية، مصدرًا آخر للجسيمات الخطرة.
تلوث الهواء يؤدي إلى 3 ملايين وفاة مبكرة سنويا.. أزمة كبيرة يواجهها العالم منذ الثورة الصناعية#شبابيك تقرير: جلال قبطان pic.twitter.com/hqtIVupWFc
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 9, 2022
و لعب عمر الأم دورًا مهمًا في خطر الوفاة، إذ إنه بالاعتماد على بيانات المسوحات الديموغرافية والصحية، بالإضافة إلى تحليلين لحالات الإملاص، قدّر الباحثون أن الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن عند الولادة كانوا، في المتوسط، أكبر بـ 3.81 سنة من أولئك الذين ولدوا أطفالًا أحياء. بينما كان الخطر الأكبر للإملاص في البلدان التي ترتفع فيها نسبة "PM2.5" بين الأمهات اللواتي يبلغن من العمر 34 عامًا أو أكثر.
ثلاثة احتمالات
وفي تحليلهم لارتباط التلوّث بالإملاص، قدّم الباحثون ثلاثة احتمالات:
الأول، أنه عندما تستنشق المرأة الحامل جزيئات "PM2.5" ، فإنها تدخل مجرى الدم وتعبر مباشرة حاجز المشيمة إلى الجنين، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأكسجين أو تؤدي إلى مشاكل في المناعة لدى الطفل، وكلاهما يمكن أن يكون مرتبطًا بالجنين الموت.
الثاني، أن التعرّض لـ "PM2.5" يُمكن أن يؤدي إلى تطور الميثيموغلوبين لدى الأم، وهو شكل من أشكال الهيموغلوبين الذي لا يندمح مع الأكسجين، وبالتالي لا يوفّر كميات كافية من الأكسجين للجنين، مما يؤدي أيضًا إلى مشاكل مناعية وربما الموت في الرحم.
الثالث، أن "PM2.5" تؤدي إلى تشوّهات في المشيمة نفسها، مما يمنعها من الحفاظ على الجنين طوال فترة الحمل.
ونصح الباحثون الأمهات باتخاذ خطوات لتقليل تعرّضهم لتلوّث "PM2.5"، ومراقبة التأثير المحتمل للجسيمات بشكل أفضل، عبر ارتداء الأقنعة في الهواء الطلق في الأيام شديدة التلوث، وتجنّب الأماكن الخارجية عندما تكون جودة الهواء في أسوأ حالاتها، وتركيب أجهزة تنقية الهواء في المنزل، والمثابرة على رعاية ما قبل الولادة والتدخل في الوقت المناسب، بما في ذلك العمليات القيصرية، في حالة الولادة المبكرة أو المعقدة.
وفي هذا الإطار، قال مؤلف الدراسة الدكتور تاو شيويه من جامعة بكين في الصين، إن "الالتزام بمعايير جودة الهواء التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، يمكن أن يمنع عددًا كبيرًا من حالات الإملاص"، مضيفًا أنه "في حين تُركّز الجهود الحالية لمنع الإملاص على تحسين الخدمات الطبية، غالبًا ما تظلّ العوامل البيئية خفية، وأن عدد حالات الإملاص في العالم يبلغ حوالي 2 مليون سنويًا، وأن تلوّث الهواء مسؤول عن حوالي مليون منها".