تتواصل الجهود الدبلوماسية الأميركية والأوروبية لحل الأزمة الأوكرانية، بعدما طُرحت علامات استفهام حول فرص نشوب حرب مع تحشيد الطرفين لقوات عسكرية، ومصير اتفاق مينسك.
ونقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية عن مصادر أن المملكة المتحدة تبحث نشر قوات في شرق أوروبا قبل غزو روسي محتمل لأوكرانيا.
وأضافت الصحيفة أن مصادر حكومية أكدت إجراء "مناقشات متقدمة جدًا"، بعد ظهور تقارير من واشنطن تفيد بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض أعضاء حلف شمال الأطلسي يجرون محادثات بشأن تعزيز وجودهم العسكري على الجناح الشرقي للتحالف.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقّع صدور إعلان بخصوص عمليات نشر جديدة من مجموعة أصغر من الشركاء داخل التحالف اليوم الخميس.
أميركا تحذّر
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن عدوانًا روسيًا على أوكرانيا يُهدّد الأمن والاقتصاد العالمي.
وشدّد بلينكن، في اتصال هاتفي بنظيره الصيني وانغ يي الخميس، على "المخاطر الأمنية والاقتصادية العالمية" التي يمكن أن يشكّلها عدوان روسي جديد على أوكرانيا، مؤكدًا أن "خفض التصعيد والدبلوماسية هما السبيل المسؤول للسير قدمًا".
بدوره، أفاد مراسل "العربي" بأن سفير الولايات المتحدة لدى روسيا جون سوليفان سلّم الخارجية الروسية الرد الأميركي المكتوب على مطالب موسكو الأمنية.
ورفضت الولايات المتحدة، الأربعاء، مطلب روسيا بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، لكنها عرضت عليها في المقابل مسارًا "جادًا" للخروج من الأزمة التي توشك أن تتحول إلى حرب مفتوحة.
من جهتها، أعلنت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان أن بلادها تتوقّع غزوًا روسيًا للأراضي الأوكرانية منتصف فبراير/ شباط المقبل.
وأضافت أن موسكو تصعّد من عدوانها على أوكرانيا، وقد أرسلت قوات إضافية إلى بيلاروس لإجراء تدريبات عسكرية، واصفة نشر هذه القوات بـ "الأمر غير المبرر"، معتبرة أن أوكرانيا لا تُشكّل تهديدًا للأمن الروسي.
بدورها، حثّت السفارة الأميركية في كييف رعاياها على مغادرة البلاد، بالنظر إلى المخاوف الأمنية القائمة.
قمة رباعية
وفي سياق متصل، شهدت العاصمة الفرنسية باريس قمة رباعية النورماندي الخاصّة بتسوية الوضع في أوكرانيا.
وضمّ الاجتماع دبلوماسيين ومستشارين سياسيين من روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا لبحث آخر التطوّرات المتعلّقة بشرق أوكرانيا.
في هذه الأثناء، طالب حزب "روسيا الموحّدة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقديم الدعم والسلاح اللازم لدعم دونيتسك ولوغانسك لضمان أمن مواطني الجمهوريتين المعلنتين من طرف واحد.
اتفاق مينسك
وفي إطار مواجهة الدول الغربية وأوكرانيا، ناقش البرلمان الروسي طرح الاعتراف بالجمهوريتين المستقلتين دونيتسك ولوغانسك.
كما أمر بوتين بمناورات في البحر الأسود، وتحرّك الأسطول الروسي من قواعده في شبه جزيرة القرم التي ضمّهتا روسيا عام 2014.
وتصر موسكو على أن تطبيق اتفاق مينسك، الذي يضمن لدونباس حكمًا ذاتيًا، هو الحل السلمي الوحيد.
وقال سيرغي شاشكوف، الخبير العسكري الروسي، في حديث إلى "العربي"، إن كييف وقّعت على اتفاق مينسك لأنها كانت الطريقة الوحيدة لوقف تقدّم الانفصاليين، لكنّها الآن، وبعد أن حصلت على الدعم العسكري من الدول الغربية، غيّرت موقفها وترفض تنفيذ الاتفاق.
إلا أن موسكو ترفض إعادة النظر في الاتفاق، وهي مستعدة لكل السيناريوهات.
بدوره، قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن الاستراتيجية الرئيسية للحلف ترتكز بالأساس على انتهاج الاستراتيجية الدفاعية.
وأكد أن المعطيات الجديدة تفرض على الحلف التمسّك بالمبادىء التي تضمن أمن حلفائه.
"جدول زمني سياسي"
وقالت كاترين جابر، الباحثة السياسية في جامعة السوربون: إن الأوروبيين ولا سيما فرنسا، يتّبعون سياسة التدرّج في التعاطي مع الأزمة الأوكرانية.
وأضافت جابر، في حديث إلى "العربي" من باريس، أن فرنسا تريد الحفاظ على الخط الذي يفصل بين روسيا وأوروبا لمواجهة عسكرية مباشرة.
وقالت: إن الاتفاق الرباعي خرج بجدول زمني للعمل على الصعيد السياسي بين الدول الأربعة، ومنها اتصال هاتفي بين الرئيسين الفرنسي والروسي غدًا الجمعة.
وأشارت إلى أن هناك إرادة فرنسية لإعادة احياء العمل باتفاق مينسك.
وأوضحت أن روسيا تريد، إلى جانب الضمانات الأمنية بخصوص عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، اجراءات مهمّة حول ملف دونباس الذي طغى أيضًا على المشاورات الرباعية.
وأشارت إلى أن الدور الأميركي في أزمة أوكرانيا "غير مريح" بشكل عام بالنسبة للأوروبيين، مضيفة أن أوروبا تريد الحفاظ على أمنها ومواجهة التدخّل الروسي في القارة الأوروبية لكنّها لا تصطف بشكل كبير مع الرؤية الأميركية في هذا الإطار.