لا يزال الناجون من الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب قبل سنة تحت وقع الصدمة، وبينهم كبيرة آيت بلعيد التي يخيّل إليها حتى الآن سماع صراخ حفيدها تحت الأنقاض.
وتقول السيدة البالغة 52 عامًا "غيّرني هذا الزلزال إلى الأبد". وهي لا تزال تعيش تحت خيمة مثل عدد كبير من المنكوبين نتيجة الكارثة التي هزّت في لحظات ثبات جبال الأطلس الكبير الشاهقة حيث تقع قريتها تينيسكيت، 70 كيلومترًا جنوب غرب مراكش.
وخلّف الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في نواحي مراكش في وسط البلاد ليل الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، نحو ثلاثة آلاف قتيل، وألحق أضرارًا بحوالي 60 ألف مبنى في جبال الأطلس، وبلغت قوته سبع درجات على سلم ريختر، ما يجعله الأقوى في تاريخ المملكة.
وأسفر الزلزال عن مقتل 45 شخصًا من أصل نحو 500 من سكان تينيسكيت ذات المباني الطينية المرتبة في ما يشبه طوابق على ظهر جبل.
وتحاول السيدة كبيرة تجاوز المأساة من أجل زوجها وأبنائها "الذين بقوا أحياء"، لكن "صرخات حفيدي ريان (9 أعوام)، وهو يرجوني إخراجه من تحت الأنقاض، ما تزال تطاردني"، كما تقول بتأثر لوكالة "فرانس برس". وهي تخضع منذ ذلك الحين لمتابعة من طبيب نفسي.
أما جارتها خديجة إد ياسين فتتمنى "ألا تتذكّر مجددًا تلك الليلة المأساوية رغم أنها راسخة في ذاكرتي"، كما تقول مغالبة دموعها.
وتتابع: "الحياة صعبة في خيمة تحت رحمة برد الشتاء القاسي وحرارة الصيف الخانقة". ولم تتمكن هذه الأم لثلاثة أطفال بعد من إعادة بناء بيتها، بسبب عدم ملاءمة موقعه لشروط مقاومة الزلازل.
صعوبة الوصول للمناطق المتضررة
ورغم أن غالبية الأسر التي تعيش في قرية تينيسكيت تلقت الدفعة الأولى من المساعدات المخصّصة لإعادة البناء والبالغة 20 ألف درهم (1800 دولار)، إلا أن الأشغال لم تنطلق سوى في حوالي عشرة منازل مؤخرًا.
ويفسّر هذا البطء بصعوبات الوصول إلى بعض المناطق المتضرّرة والقيام بعمليات الهدم وإزالة الأنقاض، بحسب أمين بويه، المسؤول في فرع وكالة العمران بإقليم الحوز، وهي شركة عقارية عمومية تساعد السكان في إعادة الإعمار.
وهذا الإقليم هو الأكثر تضرّرًا من بين ستة أقاليم ضربها الزلزال، إذ ينبغي فيه إعادة بناء نحو 24 ألف مبنى.
وحتى اليوم، تمّ الانتهاء من تشييد 1000 مسكن، فيما أقيمت أساسات تسعة آلاف مسكن وجدران خمسة آلاف مبنى آخر، وفق بويه.
وعلى بعد نحو 14 كيلومترًا شمال تينيسكيت، تبدو وتيرة البناء أكثر سرعة في قرية ويركان المحاذية لطريق رئيسية حيث يوجد منزلان مأهولان وأخرى في طور البناء أو اللمسات الأخيرة. وقد شيّدت كلّها من الخرسانة، لكن مع إلزامية تغليف الواجهات بالطين للحفاظ على الخصوصية المعمارية المميزة للمناطق الجبلية عمومًا في المغرب.
المفاضلة بين الطين والأسمنت
ومن بين الناجين بعض المحظوظين الذين استطاعوا الاعتماد على إمكاناتهم الذاتية لإعادة بناء بيوتهم دون الاستعانة بدعم الدولة، كما بالنسبة لإبراهيم آيت وراح الذي غادر مخيم الناجين في مارس/ آذار.
ويقول إبراهيم الذي يعمل سائقًا لسيارة إسعاف، وقد توفيت زوجته وطفله في الزلزال، "كانت الأشهر الستة التي قضيتها تحت خيمة صعبة جدًا، لم أكن أنتظر سوى طي هذه الصفحة المؤلمة بأسرع ما يمكن، رغم أن شيئًا لا يمكن أن يعوّضنا عمّن فقدنا".
وفي تينيسكت كما في قرى أخرى متضرّرة وقع الاختيار على الإسمنت المسلح لإعادة البناء، بناء على توصيات مهندسين معماريين بالاعتماد على طريقة البناء التقليدية بواسطة الطين والأحجار.
ويأسف ياسين آيت محند "لأن الخرسانة فرضت نفسها لكون الناس لديهم أفكار مسبقة حول تقنيات البناء التقليدية، لكن الأمر كان يمكن أن يختلف لو تمّت توعيتهم".
ويؤكد المهندس المعماري خليل مراد الغيلالي أن "إدخال الإسمنت إلى هذه المناطق خطأ كبير سيكلّف كثيرًا، فهو غير ملائم لهذه البيئة وغير موثوق".
ويضيف: "حصل ضغط كبير من طرف السكان" لاعتماد الإسمنت، "وقيل لنا يجب إرضاؤهم، لكن هذه المقاربة غير جيدة".
وفي المقابل، ينبّه أمين بويه إلى أن "صعوبات في الإنجاز وفي مدة البناء باعتماد التقنيات التقليدية"، زيادة على كونها "مكلفة أكثر في بعض المناطق بالنظر لضرورة توافر يد عاملة مؤهلة وهي عملة نادرة".
وقرّر الغيلالي الاحتفاظ بـ70 مشروعًا فقط وافق أصحابها على استعمال الطين أو الأحجار فيها، بينما تخلى عن 280 بيتًا آخر يفضل أصحابه الاسمنت.
ويأسف لكون "الاستعجال في إعادة الإعمار أدّى إلى التسرّع في غياب رؤية حول ثقافة الإعمار المحلية والعراقيل الإدارية".