تحت جنح الظلام، وفي ليلة باردة من ليالي حصار الغوطة الشرقية، بدأ كابوس دوما باختطاف مجموعة من أبرز ناشطي الثورة السورية، رزان زيتونة وسميرة خليل ووائل حمادة وناظم حمّادي، عشية اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 9 ديسمبر/ كانون الثاني 2013.
ويروي الصحافي أسامة نصار في حديث إلى "العربي" تفاصيل يوم الاختطاف، فيما يصف الناشط الحقوقي ثائر حجازي ذلك اليوم بالصعب.
أمّا الناشطة السياسية ملاك السيد محمود فتشير إلى أنها عمدت إلى تكذيب الخبر، ولم تصدق أن الناشطين الـ4 اختطفوا ولن تراهم مجددًا. وتقول: "الاختفاء أصعب من الموت".
ويعتبر الحقوقي السوري مازن درويش الذي كان مسجونًا في ذلك الوقت أن حادثة الاختطاف شكّلت إعلان فشل مشروع الثورة.
وجاءت جريمة الاختطاف في مرحلة حرجة من عمر الثورة السورية، وبقيت قضية اختطافهم كجرح مفتوح طيلة السنوات الماضية، حيث يلف مصيرها الغموض والانتظار.
لكن في يناير/ كانون الثاني من عام 2020، حدث ما غّير مجرى القضية كليًا. فقد فجّر توقيف إسلام علوش المتحدث السابق باسم جيش الإسلام القضية مجددًا، وفتح الباب حول الجهة المتهمة بالاختطاف بعد 7 سنوات على الجريمة التي شغلت الرأي العام، حتى رمت بثقلها على المحاكم الفرنسية.
ناشطون يجمعهم المعنى القيمي
قد يكون أفراد المجموعة المختطفة مختلفون عن بعضهم، لكنهم يجتمعون في المعنى القيمي للثورة.
وبحسب الناشط الحقوقي باسم قطلبي، فقد عُرفت رزان بأنها إحدى المحامين القلائل الذين كانوا يترافعون أمام المحاكم، وهي من أولئك الذين لا يملكون خلفية العمل السياسي المعارض في سوريا.
ويرى المعارض السوري علي العبد الله أن ما يميّز رزان هو التزامها الفكري والعقائدي، حيث كانت علمانية تؤيد الديمقراطية، وفي عملها كمحامية لم تكن تميّز بين العربي والكردي أو المسلم والمسيحي.
وتروي الناشطة السياسية ملاك السيد محمود كيف تعرّفت على سميرة خليل "ذات القلب الطفولي والحس الإنساني النادر".
أمّا الشاعر ناظم حمّادي، فكان من المحامين الذين تأهلوا في مجال حقوق الإنسان، بحسب درويش، وقد كان لديه اهتمامات ثقافية في المسرح والأدب.
الحراك الداعم للربيع العربي
لعبت الخلفية السياسية والحقوقية للناشطين دورًا مباشرًا في انخراطهم في الحراك الداعم للربيع العربي، والذي شكّل الشرارة الأولى في الثورة السورية.
وعن تلك الأحداث، يوضح الناشط أسامة نصار أنه بدأ تنظيم الاعتصامات أمام السفارات، وكان وائل ورزان وناظم وغيرهم يشتركون بالمظاهرات أمام السفارة الليبية تضامنًا مع الشعب الليبي.
وما إن انطلقت الثورة في سوريا حتى تطورت جهودهم وتأسست بتشكيل لجان التنسيق المحلية، إحدى أهم الأطر التنظيمية للحراك السلمي في سوريا.
دور لجان التنسيق في الثورة
وكانت فكرة تنسيق لجان التنسيق من أفكار رزان، فقد قدّمت أول خطاب سياسي حقيقي للثورة في ديسمبر/ كانون الأول 2011.
كانت تغطية اللجان التنسيقية للمظاهرات واضحة وبارزة، فتحولت لهدف مباشر للنظام، ما دفع الناشطين للتخفي، وقاد ذلك الأمر برزان للانتقال إلى دوما، وفقًا للمعارض السوري علي العبد الله، الذي يخبر كيف جاءت إحدى دوريات النظام السورية إلى منزلها بدمشق قبل أن تنتقل إلى دوما.
مع تزايد خطورة الوضع الأمني في دمشق مطلع عام 2013، بدأت موجة هجرة نحو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وهنا انتقلت رزان ووائل وناظم وسميرة إلى مدينة دوما تباعًا.
وقد أتاح وجود رزان وسميرة إمكانية قدوم ناشطات أخريات، حيث تنظمن في مبادرة "النساء الآن"، ثم بدأن فكرة إطلاق مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة.
وكانت رزان تقوم بجولات لتوثيق ما يجري في الغوطة وصولًا إلى استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام.
وتحوّلت مدينة دوما إلى إحدى أبرز قلاع المعارضة مع نشوء تكتلات كبرى كجيش الإسلام، ما مثّل بداية مرحلة جديدة من الصراع الداخلي ومحاولات بسط النفوذ.
مضايقات تطال الناشطين
وبحسب عبد الله، كان الناشطون يتعرضون لمضايقات من قبل جيش الإسلام بسبب مظهرهم وآرائهم.
وتشير الناشطة السياسية ملاك السيد محمود إلى أن مظهر الناشطات اللواتي كنا يلبسن رداء طويلًا من دون غطاء رأس يبدو وكأنه أقلق الإسلاميين.
وبين نارين، عاش الفريق ظروفًا خاصة، ومع اشتداد حصار النظام، بدأت سلسلة تهديدات داخلية تتصاعد بمرور الوقت، لتنبئ بملامح المصير المرتقب.
ويلفت أسامة نصار إلى أن البعض رأى أن وجودنا هو تهديد لهم، خصوصًا بسبب توثيقنا لكل ما يحصل، وقد شُنت حملة إلكترونية لتشويه سمعة رزان.
لواء الإسلام
ويشير البعض إلى أن العلاقة بين لواء الإسلام والفريق كانت قوية، وأن الأول عرض الحماية والمرافقة على رزان بعد تعرضها لمضايقات.
لكن أصدقاء رزان أنكروا هذه القصة من الأساس، وزاد الشك نفي الكاتب ياسين الحاج صالح ذلك.
ويلفت إلى أن المضايقات كانت تأتي من الإعلاميين المساندين لجيش الإسلام.
ويروي أصدقاء رزان المضايقات التي كانوا يتعرضون لها، ففي إحدى ليالي سبتمبر/ أيلول 2013، كان نصار في منزله فسمع صوت إطلاق رصاص.
فنزل ليتفقد رزان بعد نداء منها فوجد رسالة تهديد على الباب، تمهل رزان 3 أيام لمغادرة المكان وإلّا ستُقتل.
اختطاف الناشطين الأربعة
وقد تحدثت رزان علانية عن أنها مهددة من قبل جيش الإسلام. وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وقع ما كان يُخشى منه. فاختطف الأصدقاء الـ4 من مكتبهم من دون أن يترك الخاطفون أثرًا، فاتحين الباب على تكهنات لا تنتهي.
وصباح اليوم التالي للاختطاف، ومع انتشار الخبر المشؤوم، بدأت جهود من الداخل والخارج من الناشطين وأصدقاء المخطوفين للبحث في آثار الجريمة.
غُيّب الأصدقاء منذ ذلك الحين، وتاهت في سبيل معرفة مكانهم خطوات الأهل والأصدقاء دون أن تستسلم، بل أكملت المسير خلف ظلال الخاطفين بحثًا عن رأس خيط في جريمة غامضة تعدّت احتمالات المتورطين في ارتكابها وزاد في تعقيدها مرور الزمن ومحاولات تضليل لا تنتهي.