يشكل اختفاء الصحفي رضا هلال إحدى أكبر قضايا الاختفاء غموضًا في تاريخ مصر، في ملف لم تصل فيه جهات التحقيق إلى أي نتائج حتى اليوم.
ففي أغسطس/ آب عام 2003، ووسط استقرار سياسي لنظام حسني مبارك يصل إلى حد الجمود، حسم النظام معركة المواجهة مع الرديكاليين الإسلاميين في ظل هيمنة عقيدة أمنية فولاذية.
لكن ووسط هذه القبضة الأمنية، وقعت حادثة اختفاء غامضة في شارع إسماعيل سري بمنطقة السيدة زينب ضحيتها الصحفي المصري في جريدة الأهرام رضا هلال الذي اختفى في 90 ثانية فقط تاركًا الكثير من الأسئلة بلا إجابة حتى الآن.
قبل ساعات من اختفائه كان رضا هلال في مكتبه في جريدة الأهرام يمارس عمله بشكل طبيعي، وقبل مغادرته اتصل بأحد المطاعم القريبة من سكنه ليطلب وجبة الغداء، ثم انطلق إلى منزله في رحلة تستغرق 25 دقيقة فقط.
قصة اختفاء الصحفي رضا هلال
وصل هلال إلى مسكنه في منطقة السيدة زينب وسط القاهرة في الساعة الثانية و25 دقيقة بعد الظهر، لكن في لحظات اختفى الصحفي المصري اختفاء نفذ باحترافية وقت الظهيرة وفي قلب عاصمة مكتظة بالبشر والحركة.
بعدها، وصل عامل التوصيل وصعد إلى شقة رضا هلال بعد 30 دقيقة من الاتصال. طرق الباب مرات من دون أن يجيبه أحد.
رضا هلال الذي يشغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام وأحد كتاب أعمدة الرأي فيها كان يبلغ 45 عامًا عندما اختفى عن الأنظار. هو الذي عرف بتوجهه الليبرالي وعلاقاته الواسعة في أوساط السياسيين والدبلوماسيين الأجانب، وتمحورت أغلب كتاباته حول الشأن السياسي والاقتصادي منذ مطلع الثمانينيات.
أولى هلال شأنًا خاصًا للشأن الأميركي وسياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط فأصدر عدة كتب، من بينها "الحرب الأميركية العالمية"، و"لعبة البترودولار"، و"اليمين الديني واليمين المحافظ الجديد في السياسات الأميركية"، وغيرها.
كان هلال كذلك أحد الكتاب الذين يدافعون عن السلام مع إسرائيل والتطبيع معها متماهيًا مع سياسة النظام المصري في هذا الملف، ولم يكن على خصومة مع النظام في أي من القضايا المركزية طوال عمله الصحفي.
إلا أن كتاباته حملت أحيانًا بعض النقد هنا وهناك دون أن يتحول ذلك إلى صدام مع السلطة أو انتقاد قوي لها.
وبعد 48 ساعة على اختفائه، ساد القلق أروقة صحيفة الأهرام، حيث اتصل زملاء هلال بشقيقه الذي أتى مسرعًا إلى منزله واستخدم مفتاحًا احتياطيًا معه فوجد الشقة في حالة طبيعية دون أي أثر لأمر غير عادي.
بعد 3 أيام من واقعة الاختفاء، تقدم السيد عبد الرحمن هلال ببلاغ إلى قسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة حمل رقم 4889 لعام 2003 للتحقيق في واقعة اختفاء شقيقه.
رسالتان هاتفيتان غامضتان
طوال الساعات التالية امتلأت شقة هلال برجال الشرطة الذين لم يجدوا بين أيديهم سوى رسالتين معلقتين على المجيب الآلي لهاتف المنزل. رسالتان من امرأة واحدة لم تستمرا سوى نصف دقيقة أثارتا كل الجدل حول سيناريوهات اختفائه، لكنها رسائل ستظل موضع صمت وتواطؤ حولها.
وتقول الرسالة الأولى: "هل يمكن أن تفتح هاتفك لأنني أريد التحدث معك؟"، والثانية: "لماذا تفعل كل ذلك؟ أنا مع مبارك وعائلته. ليست هذه الطريقة والأسلوب. عمومًا كل سنة وانت طيب وعيد مبارك".
في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الحادثة، استجوبت النيابة العامة أكثر من 2000 شخص شملت جميع الدوائر التي يتعامل معها أو يتحرك فيها رضا هلال، إلا أنها تجاهلت الرسائل التي وردت على هاتفه ولم تضمها إلى ملف القضية.
وبعد أقل من شهرين على الاختفاء صرح يحيى قلاج السكرتير العام لمجلس الصحافيين بأن النقابة تستشعر ميلًا لدى جهات التحقيق لإغلاق القضية فيتحرك نقيب الصحفيين جلال عارف ويلتقي بوزير الداخلية حبيب العادلي الذي وعده بإبقاء الملف مفتوحًا، لكن العادلي لم يف بوعده وأغلقت القضية رسميًا.
خمس سنوات مرت من دون دليل واحد ولو محتملًا على مكان وجود رضا هلال بل لم ترد أي إشارة حول ما إذا كان حيًا أم فارق الحياة، إلا أن ما ظل مؤكدًا هي علامات الاستفهام العديدة التي لم يجد صداها سوى صوت الصمت المطبق.
مجددًا، تلعب الرسائل الهاتفية دورًا في إثارة الجدل. ففي العام 2009 في الذكرى السادسة لاختفائه، يتلقى شقيق رضا هلال 3 مكالمات هاتفية من مجهول تفيد جميعها وإن اختلفت تفصيلها، بأن رضا ما زال على قيد الحياة.
رحلة بحث في السجون والمستشفيات
وعلى الإثر، تبدأ رحلة جديدة من البحث عن رضا في السجون والمستشفيات وحتى مستشفيات الأمراض العقلية. ويؤكد شقيقه أسامة هلال أن الأجهزة الأمنية رفضت منحه شهادة سلبية أم إيجابية عن أخيه تفيد إن كان محتجزًا لديها أم غير محتجز.
وفي أغسطس/ آب 2009 يحرر عبد الرحمن هلال بلاغًا يطلب فيه من النيابة العامة بما تمتلكه من سلطة الإشراف على السجون التحقيق في هذه المعلومات وخاصة الرسائل التي وصلت إلى هاتف رضا.
لكن البلاغ حمل مفاجأة جديدة أن الأسرة تشك في أن صوت المرأة الموجود على المجيب الآلي هو صوت الصحفية في "الأهرام" إلهام شرشر زوجة حبيب العادلي منذ عام 2000.
إلا أن التحقيقات انتهت إلى عدم وجود رضا هلال في سجن برج العرب أو أي سجن آخر. أما لجهة صاحبة الصوت، فإن النيابة العامة تجاهلتها تمامًا.
وخلال عقود حكم مبارك، سجلت بشكل غير رسمي مئات من حالات اختفاء الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو ماتوا نتيجة له على يد الشرطة المصرية.
تطور آخر حصل في عام 2010 ولكنه ترك صداه في لغز اختفاء رضا هلال. ففي شهر يونيو/ حزيران، استيقظت مصر على كابوس موت خالد سعيد في وضح النهار بعدما ضربه عنصران من الشرطة على رصيف في مدينة الإسكندرية.
شكل موت خالد الشرارة، وكانت صورته رمزًا من رموز ثورة 25 يناير عام 2011. حينها ظهر تساؤل: "لماذا لا يكون ما حدث لخالد سعيد في العلن قد حدث مثله لرضا هلال في الخفاء؟".
بلاغ ضد إلهام شرشر
دفعت التساؤلات عائلة هلال بعد سقوط نظام مبارك إلى التحرك وطلب إعادة فتح القضية من جديد، فتقدمت الأسرة ببلاغ يتهم إلهام شرشر بأنها صاحبة الصوت المسجل الذي هدد رضا.
حققت النيابة العامة مع إلهام التي نفت أن يكون الصوت الموجود على المجيب الآلي صوتها.
يقين أسرة رضا لم يكن مبنيًا على تشاؤم أو على معرفة بمدى إجرام المؤسسات في عهد العادلي فقط، بل أيد ذلك شهادات بعض الصحفيين المقربين من النظام السابق، ومنها شهادة الصحفي محمد الباز أمام النيابة العامة المصرية بتاريخ 26 مايو/ أيار 2011 شارحًا كيف أنه يعتقد أن الصحفي رضا هلال قد قتل، وكيف أن الشرطة السرية أذابت جسده في حوض من الجير الحي استخدم بدوره في ورشة بناء بغية إخفائه إلى الأبد.
كما استمعت النيابة إلى أقوال الصحفي عماد فواز بجريدة الكرامة بخصوص اتهامه التنظيم السري بوزارة الداخلية باختطاف رضا وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية في العباسية في معبر الخطرين تحت اسم مستعار في 25 سبتمبر/ أيلول 2003.
جهاز حبيب العادلي السري
هكذا اختفت كل الاحتمالات، وبقي احتمال وحيد يتبادله الجميع كأنه حقيقة لا تقبل الجدل ولا يحيط بها الشك وهي أن جهاز حبيب العادلي وزير الداخلية المصري هو من خطف رضا هلال، وهو ما أكدته وثيقة متداولة إعلاميًا بعد مهاجمة مقار أمن الدولة عقب ثورة 25 يناير عام 2011 ونشرتها صحيفة "الجريدة" الكويتية.
وبحسب الوثيقة فإن العادلي كان لديه تنظيم سري هو من اختطف رضا هلال.
وعلى الرغم من وجود دليل واضح على صحة الوثيقة، فإن سيناريو تورط النظام المصري في اختفاء رضا هلال يظل أكثر السيناريوهات التي يتداولها متابعو القضية، خاصة مع المكالمات المسجلة لزوجة حبيب العادلي التي تلمح فيها لخلاف بين هلال وعائلة مبارك.
مرت أعوام على اختفاء رضا هلال من دون خاتمة تريح أهله أو ترضي رغبتهم في معرفة مصيره، حتى ولو كان هذا المصير هو الموت. اختفى وذاب كل أثر لرضا هلال كضوء تبدد في وضح النهار مخلفًا القليل من الأدلة والكثير من الشكوك، وتاركًا دوائر من الأسئلة لا تنقطع أو تنتهي.