لم تنفع وعود رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك بحماية المتظاهرين وعدم استخدام العنف ضدهم، خلال مشاركتهم في "مليونية 19 ديسمبر" لإحياء الذكرى الثالثة للثورة التي أسقطت عمر البشير، احتجاجًا على هيمنة الجيش على السلطة وللمطالبة بحكم مدني ديمقراطي.
واستنكرت قوى سياسية ومدنية سودانية استخدام القوى الأمنية العنف الشديد ضد المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، فيما جدّد المجلس المركزي لـ "قوى الحرية والتغيير"، من جانبه، الدعوة إلى الشعب السوداني لمواصلة التصعيد رفضًا لانقلاب الجيش.
الإسراع في تشكيل حكومة
من جهته، دعا مجلس السيادة الانتقالي في السودان، إلى الإسراع في تشكيل حكومة الفترة الانتقالية بالبلاد.
وقالت المتحدثة باسم المجلس سلمي عبد الجبار المبارك، في بيان، إن "المجلس شدد على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة الفترة الانتقالية حتى يتمّ التوصل إلى مدنية الدولة وتحقيق التحوّل الديمقراطي"، مشيرة إلى أن المجلس أكد أيضًا على حرية التعبير السلمي.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقّع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتفاقًا سياسيًا يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين؛ وتعهد الطرفان بالعمل سويًا لاستكمال المسار الديمقراطي.
لكن حمدوك عزا تأخّر تشكيل الحكومة إلى أن القوى السياسية الداعمة للثورة (أطاحت بالرئيس عمر البشير في 2019) والانتقال المدني الديمقراطي تنخرط في "حوار جاد وعميق للتوافق على ميثاق وطني وخلق جبهة عريضة لتحقيق الانتقال المدني الديموقراطي وتحصينه".
ورحّبت دول ومنظمات إقليمية ودولية باتفاق البرهان وحمدوك لمعالجة الأزمة، لكن قوى سياسية ومدنية سودانية تعتبره "محاولة لشرعنة الانقلاب"، وتستمر في احتجاجات تطالب بحكم مدني كامل.
غضب شعبي كبير
ويسود غضب شعبي كبير الشارع السوداني بعد استخدام الأجهزة الأمنية العنف ضد المتظاهرين أمام القصر الجمهوري في الخرطوم الأحد.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، أمس الإثنين، وفاة متظاهر متأثرًا بإصابته، جراء "إطلاق النار من قبل العسكريين الانقلابيين" على "مليونية 19 ديسمبر"، في وقت سقط فيه 125 جريحًا آخرين.
وقال كمال الأمين، عضو في اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير، في حديث إلى "العربي"، إن العنف الذي مارسته القوى الأمنية على المتظاهرين "تجاوز غير مقبول"، وكان بإمكانها حماية التظاهرة إلى أن تُحلّ بنفسها.
وأبدت جهات سياسية مختلفة غضبها من الإجراءات الأمنية، معتبرة أنها تعبر عن قسوة السلطة التي فرضت نفسها على الواقع بقوة السلاح.
وقال كمال كرار، المتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني في حديث إلى "العربي"، إن "استخدام القوة المفرطة تجاه المتظاهرين يوحي وكأن الجيش يحارب جيشًا آخر".
ويلوح المحتجون باستمرار التظاهرات خلال الأيام المقبلة، ويؤكدون أن الثورة مستمرة وكفيلة بتغيير الواقع، وأن رفضهم لحكم العسكر نهج لا تراجع عنه حتى تسليم الحكم للمدنيين.
من جهته، أكد البرهان أن ما جرى من تعيينات بعد 21 نوفمبر، كان بالتنسيق بينه وبين حمدوك، مؤكدًا دعمه للأخير حتى يضطلع بدوره في إنجاز مسؤولياته الوطنية من خلال حكومة كفاءات غير حزبية.
وأضاف البرهان أن الجيش حريص على إنجاح المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة.
"الأطراف مرهقة باستثناء الشارع الثائر"
وقال صدّيق دلاي، عضو في "قوى الحرية والتغيير"، إنّ على الأطراف السياسية الاقتناع بوجود حلّ وسط وتسوية، لكن بعيدًا عن المناورات.
وأضاف دلاي، في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، أن التظاهرات أثبتت أن الأطراف مرهقة، باستثناء الشارع الثائر، مضيفًا أنه على حمدوك أن يقدّم توضيحات للشعب حول العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة والذي جاء بقرار سياسي.
وأشار إلى أن قوى الثورة لديها مشروع سياسي عطّله المكوّن العسكري، مؤكدًا أن الشارع الثوري قادر على إسقاط الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، ووصفه بأنه "خطأ كبير"، حيث يبحث كلا الطرفين عن المحاصصة.
وأكد أن "قوى الحرية والتغيير" باتت متماسكة أكثر، وتعلمت الدرس من تداعيات الاختلاف والشتات لناحية هيمنة المكوّن العسكري على الفترة الانتقالية.