كانت بلدة حوارة شمال الضفة الغربية ليلة السابع من فبراير/ شباط 2023 على موعد مع اعتداء لم تشهده من قبل.
فقد أشعلت أيدي المستوطنين النيران في كل مكان تمكنوا من الوصول إليه بينما كفّ جيش الاحتلال يده عن المشهد.
ويشير حسين شحرور وهو أحد سكان حوارة في حديث إلى "العربي"، إلى أن "المستوطنين نزلوا بأعداد هائلة، وكانوا حوالي 250 إلى 300 شخص وتفرقوا وأحرقوا المنازل ومنهم منزلي".
دمار واسع في حوارة
وقد تسلّح المستوطنون بأدوات الحرق والبنزين وزجاجات المولوتوف تمهيدًا لحرق بلدة حوارة بشكل كامل، بحسب أحمد مرهج أحد سكان البلدة.
وفي صباح اليوم التالي، تكشف عن دمار واسع لحق بالبلدة. وسقط أحد أبناء حوارة شهيدًا وأصيب العشرات غيره.
من جهته، يقول مسؤول سابق بجهاز الشاباك رونين بن يتسحاق: "كان يمكن أن ينتهي الأمر في حوارة كما انتهى في مجزرة صبرا وشاتيلا. هناك الكثير من أوجه التشابه بين ما جرى في المكانين".
ويضيف: "لحسن الحظ نجا الناس هناك، كان يمكن أن ينتهي الأمر بإحراق السكان أحياء في بيوتهم، معجزة أن ذلك لم يحدث".
جرائم "فتيان التلال"
وما جرى في حوارة تلك الليلة، حمل بصمات ليست بغريبة على الفلسطينيين. فقد قامت به جماعات من المستوطنين المتطرفين تعرف بـ"فتيان التلال".
ولم يكن ما حدث في حوارة الأكثر وحشية في اعتداءات "فتيان التلال". فقبل 8 سنوات وقع اعتداء بلدة دوما، وراح ضحيته حرقًا أفراد من عائلة الدوابة ومن بينهم علي الذي كان يبلغ عامًا ونصف العام. ونجا من العائلة طفل واحد وهو أحمد الدوابشة.
وكان ذلك الهجوم جرس إنذار واسع، فهي عصابات لا تتوقف عن ارتكاب أي جرائم.
وتنامى نشاط فتيان التلال في الضفة الغربية في السنوات العشر الأخيرة، لكن أصول فكرهم المتطرف تعود لأبعد من هذا.
وهي القصة نفسها تعيد إنتاج نفسها بأسماء وأشكال عدة، من الهاغانا الجماعة العسكرية التي لعبت دورًا في تأسيس دولة الاحتلال عام 1948 إلى حركة "نحالة" الاستيطانية التي ترفض أي مفاوضات مع الفلسطينيين، مرورًا بأتباع مائير كاهانا، مؤسس حركة كاخ العنصرية.
نشأة "فتيان التلال"
ويتقاطع الفكر الصهيوني مع معتقدات دينية متطرفة. ففي عام 1998 حين اشتد الصراع بين بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء في تلك الفترة ومنافسه السياسي آرييل شارون الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، بدأت جماعة "فتيان التلال" تأخذ شكلها الحالي.
وكان نتنياهو يقول: "إنه يسير في مباحثات سلام مع السلطة الفلسطينية آنذاك وهو ما دفع شارون للجوء إلى ما يضمن له النفوذ. وكانت خطته هي دعوة الشباب المستوطنين للسيطرة على التلال المطلة على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية".
وفّر شارون لهذه المجموعات دعمًا تحت غطاء رسمي غير معلن. وما بدأ بتنظيم عشوائي على شكل خلايا متناثرة، أصبح كابوسًا يخيّم على تلال الضفة.
ويتكون أغلب أعضاء الجماعة من شباب تتراوح أعمارهم ما بين 16 و26 عامًا، تركوا مدارسهم ومنازلهم للعيش في بؤر استيطانية غير اعتيادية على رؤوس التلال المطلة على القرى الفلسطينية.
مئات الفتيان
وتشرح زيف شتال من منظمة "بيش دين" الحقوقية إلى أنهم "في البداية يقيمون أبنية على الأرض ويتواجدون على الأرض نفسها، ورويدًا رويدًا يوسعون المساحة التي يسيطرون عليها. وفي بعض الأحيان يبدأون برعي الأغنام في المناطق المحيطة".
وتضيف: "يفعلون ذلك لإبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم، وهذا ما يسمى عنف المستوطنين والذي يشمل الأذى الجسدي والأضرار بالممتلكات وقطع الأشجار".
ويقدّر عدد المنتمين لفتيان التلال اليوم بالمئات، بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية. وعلى عكس غيرهم من الجماعات الاستيطانية المتطرفة، لا يصدر "فتيان التلال" مواد إعلامية للتعريف بأنفسهم ولا يروجون لأيديولوجيتهم حتى الاسم الذي باتوا يعرفون به، جاءت به الصحافة.
لكن فريق "العربي" تمكّن من الحديث مع أحد مرشديهم. ويقول يحئيل شعبي وهو مرشد لفتيان التلال: "لا اعتقد أنني محتل هنا، أؤمن أن هذه أرض أبائي وأنا لم أغزُ أي أرض".
خلفية متطرفة
ويجمع أعضاء التنظيم خلفية أيديولوجية متطرفة ويؤمنون بما يسمونه بأرض إسرائيل الكبرى وبضرورة استخدام العنف لطرد الفلسطينيين من أرضهم بالقتل والترويع وإحراق الممتلكات، وهي أدوات المستوطنين المتطرفين المعروفة باسم "تدفيع الثمن".
ولطالما ادعت السلطات الإسرائيلية أن "فتيان التلال" لا يأتمرون بالقانون، وبالتالي فلا سيطرة عليهم. وقد تكون هذه المجموعات فعلًا عصية على الالتزام بخطة أو بشكل تنظيمي لكنها في النهاية ليست بعيدة عن آليات الاحتلال.
ولا تخضع الجرائم التي ترتكبها هذه المجموعات إلى العقاب بالضرورة. فاغلب فتيان التلال لا يمكن محاكمتهم بالقانون الإسرائيلي الذي يسري على من هم دون سن الـ16 عامًا. وكان هذا سببًا لإفلات الجناة من جريمة حرق عائلة الدوابشة قبل 8 سنوات.
ورغم ما يظهره التنظيم من رفض لمنهج الحوكمة، فهو يتلقى منذ نشوئه دعمًا رسميًا غير معلن، فتمددهم على تلال الضفة يكون بتسهيلات من وزارتي الإسكان والأمن.
ونفّذت هذه المجموعة أكثر من 4000 اعتداء بين عامي 2017 و 2022، بحسب منظمة "السلام الآن".
وتمكن "فتيان التلال وحدهم من إقامة 170 بؤرة استيطانية في الضفة تحت عين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وفي عام 2021، شنوا هجومًا كبيرًا على مدينة اللد برفقة إيتمار بن غفير نفسه.