على مدى أسابيع من الهجوم الروسي على أوكرانيا، تعامل يوري فيننكو الطبيب الشرعي في مدينة شيرنيهيف الأوكرانية المحاصرة، مع العديد من جثث الضحايا، وكتب التقارير عن أسباب الوفاة نتيجة القنابل العنقودية والرصاص والشظايا. ورغم ذلك، كان الرجل الأربعيني يخاف من اللحظة التي سيضطر فيها لفحص جثة أحد أقاربه أو معارفه.
وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن مخاوف فيننكو (44 عامًا) تحقّقت عندما وصلت جثتان إلى المشرحة، أحدهما لصديق عزيز عليه، والثانية لزوجة أحد أفضل أصدقائه.
وبصفته طبيبًا شرعيًا يتمتّع بخبرة تزيد عن عشرين عامًا، أوضح فيننكو للصحيفة أنه تعلّم تنحية عواطفه جانبًا قبل البدء في تشريح الجثة؛ ولكن في اليوم الذي تسلّم فيه جثة صديقه القديم، لم يكن ذلك ممكنًا.
وقال للصحيفة: "في ذلك اليوم، كان هناك طبيبان آخران يعملان معي. لذلك سمحت لهم بتشريح الجثة. أنا لم أستطع فعل ذلك".
لم يتمالك فيننكو نفسه خلال حديثه لـ"الغارديان"، فبكى حين شرح أن سيارة زوجة صديقه اصطدمت بلغم أرضي، خلال محاولتها الفرار من قرية كانت تعيش فيها بالقرب من شيرنيهيف.
مقبرة تشيرنيهيف تكشف عن حجم الخسائر التي تكبدها الجيش الأوكراني #روسيا #أوكرانيا #الحرب_الروسية_الأوكرانية تقرير: صابر أيوب pic.twitter.com/5XQ2vzbaWT
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 7, 2022
تكدس الجثث في شاحنات مبردة
قبل الحرب، كان فيننكو يفحص ما معدله أربع جثث يوميًا، معظمهم ماتوا بسبب المرض، أو أحيانًا في حادث سيارة أو عنف مسلح. لكن الأمر تغيّر بعدما حاصرت القوات الروسية شيرنيهيف في 10 مارس/ آذار الماضي، حيث وصل عدد الجثث إلى 15 جثة يوميًا.
وقال للصحيفة: "في البداية لم يفهم أحد ما كان يجري. كان الأمر مخيفًا، لم تكن تعرف ما تتوقعه. وبعد أيام قليلة، بدأت الجثث بالوصول إلى مشرحتنا، وتزايدت الأرقام يومًا بعد يوم".
مع الوقت، لم تعد المشرحة المصممة لاستيعاب 30 جثة، تتسع للجثث التي باتت تكدّس في شاحانت مبردّة.
يتمّ إرسال تقارير تشريح الجثث إلى المدعين العامين الذين يحققون في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا.
وقال فيننكو: "عاينت جثثًا لأشخاص معصوبي الأعين، وأياديهم مقيدة خلف ظهورهم، ومصابين بطلقات نارية"، مضيفًا أنه استقبل 30 جثة لأشخاص قُتلوا في قصف صاروخي على متجر بقالة في المدينة.
واستخرج فيننكو مئات المقذوفات والشظايا من الجثث، وشظايا القنابل العنقودية والمتفجّرات التي صمّمت لإطلاق عشرات القنابل الصغيرة. وقال إن الشيء الأكثر غرابة الذي وجده في الجثث، كان السهام المعدنية الصغيرة والتي تُعرف باسم "فليشيت".
وفي أوائل أبريل/ نيسان الماضي، حرّرت القوات الأوكرانية عشرات القرى التي احتلها الروس، من بينها شيرنيهيف حيث تم انتشال أكثر من 700 جثة. وقبل مغادرة هذه القرى، زرعت القوات الروسية آلاف الألغام التي ما زالت تسبّب إصابات ووفيات؛ ويوميًا، تعثر السلطات الأوكرانية على المزيد من الجثث مدفونة تحت الأنقاض.