أعادت محاولة الاغتيال "الفاشلة" التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بطائرة مسيّرة مفخخة، استهدفت مكان إقامته في المنطقة الخضراء ببغداد فجر اليوم الأحد، التذكير بأهمية المنطقة التي تعد حصنًا منيعًا للساسة العراقيين على مدى أكثر من نصف قرن.
بقيت "المنطقة الخضراء" شديدة التحصين، وسط العاصمة بغداد، مغلقة أمام المواطنين لمدة 15 عامًا حتى أعادت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي فتحها في ديسمبر/ كانون الأول 2018 بشكل جزئي، بهدف تقليل الزخم المروري للمركبات.
وتُعرَف هذه المنطقة بفخامتها، كما أنّها تُعَدّ دوحة كثيفة للأشجار ولا سيما النخيل، ومنها اشتق اسمها، إلا أنّها تحولت لقلعة حصينة لمقرات حكومية وأجنبية ومنازل سكنية للساسة العراقيين، بقرار من قوات التحالف الدولي، التي غزت العراق، بقيادة الولايات المتحدة عام 2003؛ للإطاحة بنظام صدام حسين.
فكرة واشنطن
كانت فكرة واشنطن من تأسيس المنطقة الخضراء وتسميتها بهذا الاسم، حماية الجهات السياسية، التي كانت حاكمة بعد عام 2003 مباشرة، كما أنه كان يفترض أن يتم توسيعها لتشمل بغداد بأكملها، لكن ذلك لم يتحقق.
وكانت هذه المنطقة قديمًا تُسمى "كرادة مريم"، أما الاسم الرسمي وفقًا للخرائط فهو "حي التشريع"، إذ كانت منطقة سكنية لأعضاء الحكومة ومقرًا للوزارات، وتحوي عددًا من قصور الرئيس الأسبق صدام حسين (1979 - 2003) وأولاده، من أكبرها القصر الجمهوري وقصر السلام.
وتبلغ مساحتها نحو 10 كم²، وتقع وسط بغداد، وبدأ اسمها بالظهور مع قيام الحكومة الانتقالية، عقب الغزو، حتى باتت رمزًا أمنيًا حيث تدار من داخله شؤون البلاد.
وتطل بقعة المنطقة الخضراء التي تنتشر فيها تماثيل وأقواس حجرية مشابهة للمسجد الأقصى في مدينة القدس، على الضفة الغربية لنهر دجلة، في جانب الكرخ، والذي يقسم وسط العاصمة إلى قسمين.
رمز عزلة السياسيين
وحاليًا تعد من أكثر المواقع العسكرية تحصينًا في العراق، وفيها نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية، وتضم مقر الدولة من حكومة وجيش، ومكاتب مجلس الوزراء ومجلس النواب وهيئة المستشارين وهيئة الاستثمار، وكذلك مقار هيئة الحشد الشعبي وجهاز الأمني الوطني وجهاز الاستخبارات العراقي.
كما تضمّ أيضًا مكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر وسفارات أجنبية، على رأسها السفارة الأميركية والبريطانية، إضافة لمقرات منظمات ووكالات أجنبية لدول أخرى.
وتوجد فرقة عسكرية خاصة تحمي المنقطة الخضراء وهي محاطة بحواجز إسمنتية ومراقبة أمنية، ولا يمكن الدخول إليها إلا ببطاقات خاصة لقاطنيها والعاملين فيها، ولها عدة بوابات ومنها الجسر المعلق وكذلك بوابة القادسية وبوابة الحارثية القريبة من حي التشريع.
وقبل أواخر عام 2018 كان يصعب على المواطنين العاديين دخول المنطقة الخضراء؛ بسب الإجراءات الأمنية المشددة، إذ شكلت درعًا منيعًا لساسة العراق والوفود الأجنبية أمام التفجيرات، حتى غدت تلك "المنطقة المحصنة" رمزًا لعزلة السياسيين عن المواطنين، الذين كانت التفجيرات الدامية تفتك بهم.
لكن رغم تحصينها الشديد، تعرضت لخروقات أمنية عديدة وتفجيرات وقصف صاروخي ومدفعي من جماعات مسلحة عراقية.
ولأول مرة منذ 2006 عقد مجلس النواب (البرلمان) العراقي، في مارس/آذار 2019، جلسة له خارج المنطقة الخضراء.
الحرص على أمنها
حرصت القوات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، على إبقاء المحتجين العراقيين الغاضبين بعيدين عن أسوارها، ولا سيما مع وجود جسري الجمهورية والسنك على نهر دجلة، واللذين يفصلان ساحتين على الطرف الشرقي من نهر دجلة عن المنطقة الخضراء في الجهة الغربية من النهر.
كان أكثر ما يقلق حكومات بغداد المتعاقبة، إثر الغزو الأميركي، هو الإخلال بالأمن الذي تتمتع به المنطقة الخضراء، والذي يهدد بمغادرة التمثيل الدبلوماسي الأجنبي للعاصمة بغداد.
ورغم ذلك فإن المنقطة الخضراء، الواقعة بين منطقتي الجادرية والصالحية على مسار نهر دجلة، لم تسلم من إطلاق فصائل مقربة من إيران تهديدات بالإقدام على حصارها، ولا سيما أن فصائل مدعومة من طهران تتمركز في منطقة الجادرية الراقية، والتي تقع فيها السفارة الإيرانية ومنازل شخصيات مقربة من طهران، ولهذا تنشر فيها إيران آلاف العناصر المسلحة لحمايتها.
واللافت أن السفارة الأميركية الموجودة في المنطقة الخضراء تمتلك منظومة "سيرام" الدفاعية، وجرى استخدامها في منتصف سبتمبر/أيلول 2020 وأسقطت صاروخي كاتيوشا قيل وقتها إن الميليشيات الموالية لإيران هي من أطلقتها.