بعد مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، برزت تساؤلات عدة حول تداعيات غياب الرجلين المفاجئ على المشهد السياسي في إيران.
فهل تحتدم الخلافات الداخلية بين المحافظين، خصوصًا في الانتخابات الرئاسية وفي مسألة خلافة المرشد، وكيف يؤثر ذلك على مستقبل التيار المحافظ في البلاد؟
خسارة كبيرة للمحافظين
ولقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حتفه في بقعة نائية شمالي إيران، في حادث تحطم المروحية التي كانت تقله مع مجموعة من المسؤولين الإيرانيين، كان أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
هذه الحادثة أدت إلى خسارة كبيرة لرأس السلطة التنفيذية في إيران، التي يتولى فيها الرئيس المنصب الثاني بعد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
لكن الخسارة تخص بشكل محدد التيار المحافظ الذي لطالما تصدر المشهد السياسي الإيراني، فهذا الفريق الذي يقبض على المؤسسات الرئيسية والسيادية، هو التيار المعني بهذا الفقد أكثر من غيره.
وكان رئيسي مرشحًا محافظًا محتملًا لخلافة الولي الفقيه، بعد أن بدا فوزه بالرئاسة قبل 3 سنوات بمثابة مقدمة لاعتلاء المنصب الأول في الجمهورية الإيرانية.
فمنذ توليه الرئاسة أبدى رئيسي حزمًا في تكريس المبادئ الثورية التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية، إذ تشدد في تطبيق القوانين المحافظة، وقمع المظاهرات الاحتجاجية على المستوى الداخلي.
كما أبدى الرئيس الراحل تصلبًا في الملفات الخارجية على مستوى المحادثات النووية مع الغرب، ومتمسكًا برفع القيود المفروضة على بلاده، مقابل تنازلات لا تحد من امتلاك طهران برنامجها النووي الخاص، معينًا أحد صقور المحافظين وزيرًا لخارجية بلاده وهو حسين أمير عبد اللهيان.
لهذا تتمثل الخسارة الثانية بالنسبة للتيار المحافظ، في فقدان حسين أمير عبد اللهيان المعروف بتشدد مواقفه تجاه الغرب، وارتباطه الوثيق بالحرس الثوري.
فقد عاد به رئيسي لقيادة الدبلوماسية الإيرانية، بعد أن كان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف قد استبعده من فريقه عام 2016، وهو ما كان محل انتقاد شديد من قبل المحافظين آنذاك.
سباق مع الوقت لملئ الشغور
بالتوازي، يضمن الدستور الإيراني انتقالًا واضحًا وسلسًا في حالة شغور منصب الرئاسة، من خلال تسلم معاونه محمد مخبر المقرب من المرشد، مهامه التنفيذية، وتشكيل هيئة تضم إلى جانبه كلًا من رئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية تحضيرًا للانتخابات في مدة أقصاها 50 يومًا.
إلا أن ذلك يفتح الأسئلة بشأن الشخصيات المرشحة لخوض الانتخابات في ظرف مفاجئ ووقت صعب تمر به إيران على المستوى المحلي والإقليمي، بعدما كان رئيسي تلك الشخصية التي توافق عليها المحافظون في مختلف المؤسسات، لا سيما الحرس الثوري.
ويبدو أن خيارات المحافظين انحصرت بعدد أقل من الشخصيات التي ستتقدم إلى الواجهة بعد غياب رئيسي وعبد اللهيان، خصوصًا في حال شغور منصب المرشد الأعلى للثورة في المستقبل، وهذا رغم المعلومات المتداولة عن حذف اسم رئيسي من قائمة المرشحين لخلافة خامنئي منذ 6 أشهر.
وبالرغم من ميل المحافظين إلى تجنب خلافة نجل علي خامنئي منصب أبيه، كي لا يبدو انتقالًا وراثيًا، فإن مجريات الأحداث وغياب رئيسي تجعله أقرب إلى المنصب الأعلى في الدولة، بعد أن أبدى مجتبى خامنئي اجتهادًا في تحسين مؤهلاته الدينية والسياسية في السنوات الماضية.
ولسنوات عدة بقي التيار المحافظ غالبًا على الطبقة السياسية في إيران، مع فوارق في درجة التشدد تجاه المعارضة في الداخل أو المواجهة مع الغرب في الخارج.
وبعد موت رئيسي وعبد اللهيان، يجد المحافظون أنفسهم في سباق مع الوقت لإعادة ترميم نخبتهم في المؤسسة الإيرانية الرسمية.
تأثير غياب رئيسي وعبد اللهيان
متابعةً لهذا الملف، يشرح الدكتور محجوب الزويري أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر أن طبيعة الوظائف التي كان يشغلها رئيسي جعلته بعيدًا عن التكتل الحزبي، إلا أنه في نفس الوقت كان أقرب إلى التيار المحافظ التقليدي.
وبالتالي، بوفاة رئيسي أصبح هناك فراغًا سياسيًا لا سيما في مناصب ومهمات كان يريد النظام الإيراني أن يستفيد منه فيها، على رأسها انتخابات رئاسية هادئة كانت مقررة العام القادم وأمل خلالها النظام بفضل رئيسي تجنب مجيء شخصيات جديدة قد تكون جدلية، وفق الزويري.
وأضاف أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر لـ"العربي": "كل ذلك تغير يوم قتل رئيسي".
وعن تأثير خسارة عبد اللهيان على السياسة الخارجية الإيرانية، يلفت الزويري إلى أن الوزير الراحل كان يتمتع بنقطتين قويتين هما قربه من الرئيس الإيراني، إذ عمل سابقًا مستشارًا للرئيس للشؤون الخارجية، واختياره من قبل الرئيس الراحل بهدف تحسين العلاقات مع الجوار الإيراني، ولا سيما العلاقات الخليجية الإيرانية.
ويتابع: "إلا أن ذهابه لا يعني أنه سيكون هناك أزمة في العلاقات، لأن هذا كان قرارًا من المؤسسة السياسية، على الرغم من أن الشخص الذي سيستلم هذا المنصب سيكون له دور.. لا سيما وأن عبد اللهيان كان يتحدث العربية ويعرف الثقافة العربية وعاش في البلاد العربية".