الخميس 5 Sep / September 2024

رد فعل تلقائي.. لماذا يحمر وجهنا عندما نخجل؟

رد فعل تلقائي.. لماذا يحمر وجهنا عندما نخجل؟
الأحد 14 يوليو 2024

شارك القصة

احمرار الوجنتين خجلًا تعبير نفسي غير إرادي لا يمكن التحكم به - غيتي
احمرار الوجنتين خجلًا تعبير نفسي غير إرادي لا يمكن التحكم به - غيتي

قد يشعر الإنسان بالخجل في العديد من المواقف الحياتية اليومية، لا سيما تلك التي تضعه في دائرة الضوء أو تجعله يشعر بعدم الارتياح، وهو شعور مكتسب غير مولود مع الإنسان.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن نشعر بالخجل عندما نتعرض لموقف محرج مثل التلعثم أثناء تقديم عرض أو كلمة أمام مجموعة كبيرة من الناس، أو عندما يوجه لنا شخص ما إطراء غير متوقع أمام الآخرين. 

وقد نشعر بالخجل أيضًا عندما نتذكر حادثة محرجة حدثت لنا في الماضي، أو عندما نقوم بخطأ غير مقصود في مكان عام، مثل التعثر أثناء السير أو التحدث بصوت مرتفع دون قصد في مكتبة هادئة.

هذه المواقف تحفز الشعور بالخجل والاحمرار، وتجعلنا ندرك أننا تحت أنظار الآخرين، مما يؤدي إلى استجابة فيزيولوجية تتجلى في احمرار الوجه وتسارع دقات القلب.

ولكن لماذا يحمر الناس خجلاً؟

الاحمرار خاصية مميزة بالإنسان – غيتي
الاحمرار خاصية مميزة بالإنسان – غيتي

الاحمرار في الواقع لغز علمي إلى حد ما، وهو إحدى غرائب الجسم البشري وعلى الرغم من دراسة هذه الظاهرة الجسدية بشكل مكثف، إلا أنه ليس من الواضح تمامًا لماذا تحدث. 

وحول هذا الأمر يقول غاري سمول، رئيس قسم الطب النفسي في مركز هاكنساك الطبي الجامعي في نيوجيرسي والخبير في علوم الدماغ: "إنه رد فعل معقد للغاية. الاحمرار لا يعني نفس الشيء لكل شخص. لا يحمرّ الجميع بنفس المعدل أو لديهم نفس الميل لاحمرار الوجه".

ويتابع الخبير سمول: "إذا كنت تشعر بالإحراج أو الخجل، فهذا هو الوقت الذي يميل فيه الناس إلى الاحمرار"، ويوضح الدكتور أنها استجابة لا إرادية لعدم الأمان أو الإحراج أو مجرد موقف اجتماعي محرج.

في هذا الصدد، يقول تشارلز داروين أن الاحمرار هو "أكثر التعبيرات غرابة وإنسانية"، إذ لا يوجد أي حيوان على الأرض يحمر وجهه مثل الإنسان.

فالاحمرار خجلًا خاصية إنسانية محيرة، على الرغم من أن الاحمرار بشكل عام يعد من أشكال التواصل لدى بعض الحيوانات، إلا أنه ليس شبيهًا تمامًا للاحمرار لدى البشر الذي هو نتيجة كوننا كائنات اجتماعية.

وبحسب موقع "ويب طب"، بإمكاننا القول إن الخجل طريقة الجسد غير المحكية في الاعتذار عن موقف حاصل، وقد يكون ناتجًا عن بعض الاضطرابات النفسية أو الاجتماعية، مثل: القلق الاجتماعي أو حتى الرهاب الاجتماعي.

ماذا يحدث في الجسم عند الاحمرار خجلاً؟

وفق موقع "ريدرز دايجست"، عندما نشعر بالإحراج أو الخجل يتم تحفيز نفس النظام الجسدي الذي يستجيب عند مواجهة أي تهديد أو الهروب منه.

فيشرح سمول أن "هناك محفزًا عاطفي يسبب استجابة فسيولوجية. حيث تفرز الغدد الأدرينالين في الجسم، مما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية، بحيث يصبح الدم أقرب إلى السطح، فيظهر اللون الأحمر".

أما عن سبب اختبارنا الإحراج بنفس الطريقة التي نختبر بها الخوف أو التوتر، فهو لأن الإحراج أو الخجل هما مثالان على ما يسميه العلماء "الألم الاجتماعي".

أي أن الإنسان تطور ليشعر بالألم الاجتماعي بعمق يشبه الألم الجسدي، فأن تكون خارج المجموعة هو أمر خطير للبشر تمامًا مثل التهديدات الجسدية، مثل مطاردة نمر لك.

هل تطور الاحمرار إذًا؟

قد يحمر وجه الإنسان بسبب موقف محرج تعرض له – غيتي
قد يحمر وجه الإنسان بسبب موقف محرج تعرض له – غيتي

نعم، هناك العديد من النظريات حول متى وكيف تطور الاحمرار، وجميعها تتعلق بأسباب اجتماعية وأن يشعر الفرد بالانتماء.

فيقول الدكتور سمول: "الاحمرار يستدعي التعاطف من المراقب. إنه يبني الروابط. هذا هو المفتاح لبقاء البشر".

فالبشر كائنات اجتماعية ازدهرت بفضل كونها جزءًا من مجتمع، ووفق سمول: "إذا كنت في مجموعة، لديك ميزة على الحيوانات المفترسة. يمكننا حماية بعضنا البعض.. والتعاون نت خلال قواعد اجتماعية.. وعندما يرتكب عضو في المجموعة مخالفة اجتماعية أو يرتكب خطأ ما، يفيد المجموعة بأكملها إذا تم إصلاح الخلاف باعتذار صادق".

ووُجد أن الاحمرار قد يعبر عن اعتذار صادق أبلغ من التصرفات الأخرى، فقد اختبرت إحدى الدراسات في عام 2020 هذه الفكرة من خلال عرض قصة اجتماعية على مجموعة من المشاركين.

فشرح العلماء للمشاركين أن أشخاصًا تم القبض عليه وهو يكذبون، ثم عرضوا صورًا لوجوه الأشخاص المعنيين، وتضمنت الصور وجوهًا محمرة وغير محمرة. 

وطلب الباحثون من المشاركين في الدراسة الحكم على مدى إحراج، صدق أو موثوقية الأشخاص في الصور. 

وبعد 3 تجارب مختلفة، وجد الباحثون أن الوجوه المحمرة كانت الأكثر احتمالاً لتصنيفها على أنها الأكثر إحراجًا وكذلك الأكثر صدقًا وموثوقية.

وحتى عندما تم الجمع بين الاحمرار وتعابير وجه أكثر سلبية أو غير مريحة مثل الغضب، بقيت الوجوه المحمرة تعبر عن الصدق والموثوقية.

وهذا يشير إلى أن الاحمرار وحقيقة أنه تلقائي قد تطور لحمايتنا وتوجيه رسالة بشرية غير مباشرة، وعلى حد قول سمول "عندما يحمر وجه شخص ما، يكون ذلك اعترافًا بإنسانيته".

ما الذي يسبب الاحمرار؟

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل الشخص يحمر أو يتحول وجهه إلى اللون الأحمر، بما في ذلك التعرض للحرارة أو البرد، أو من الآثار الجانبية للأدوية، أو المجهود البدني.

ولكن الأسباب الاحمرار هذه تختلف عن تلك الناجمة عن المشاعر مثل العاطفة، والتوتر والغضب.

والاحمرار الحقيقي الذي يحدث بشكل فوري وتلقائي، يُعتقد عمومًا من قبل علماء النفس أنه مرتبط بالعواطف المتعلقة بالوعي الذاتي وكيف نعتقد أننا نبدو للآخرين.

ما هي المشاعر التي تسبب الاحمرار؟

الغضب قد يسبب أيضًا احمرار الوجنتين - غيتي
الغضب قد يسبب أيضًا احمرار الوجنتين - غيتي

يقول الدكتور سمول إن هذه الأنواع من المشاعر تشمل بعضًا من أعمق مشاعرنا، مما قد يفسر سبب تأثر البعض منا بالاحمرار أكثر من الآخرين. 

يمكن أن تشمل محفزات الاحمرار ما يلي:

الإحراج: هذا هو الشعور الأول الذي يفكر فيه الناس عندما يتعلق الأمر بالاحمرار، فإذا ارتكبت خطأ اجتماعيًا، فإن الاحمرار هو استجابة طبيعية.

وينشأ الإحراج من الخوف من أن شيئًا فعلته أو شاركت فيه سيغير كيف نظرة الآخرين فيك، أي إذا تعثرت وسقطت أثناء السير عبر المسرح في حفل التخرج، فإن ذلك موقف محرج لأن الناس الذين تعرفهم قد يرونك الآن على أنك غير رشيق أو غير جاد على سبيل المثال. 

والأسباب التي تجعلنا نحمر تعتمد بشكل كبير على اختباراتنا الحياتية ونشأتنا والبيئة الاجتماعية التي نعيش بها. 

فعلى سبيل المثال، قد يؤدي قول أو حتى سماع كلمة نابية من قبل شخص محافظ إلى احمراره بشكل فوري، لكن بالنسبة لشخص آخر بنشأة مختلفة، قد تكون الكلمة النابية مجرد جزء آخر من مفرداته.

الشعور بالتعرض: يحدث الاحمرار أيضًا عندما نكون محط الأنظار، ذلك لأن أحد الأسباب الرئيسية هو الشعور بالتعرض أو أنه يتم تفحصنا بشكل دقيق. 

ويمكن أن يحدث هذا الموقف على سبيل المثال، إذا اكتشفت مجموعة من أصدقائك أنك معجب بشخص ما أو أنك لا تزال تحتفظ بدميتك المحشوة.

المديح: أحد أبرز الأسباب الاحمرار، فبالنسبة لبعض الأشخاص، يمكن أن يخلق هذا الموقف شعورًا مشابهًا للقلق الذي تشعر به عندما ترتكب خطأ اجتماعيًا. 

هل يحمر بعض الناس أكثر من الآخرين؟

بعض الناس قد يختبرون الاحمرار في الوجه أكثر من غيرهم – غيتي
بعض الناس قد يختبرون الاحمرار في الوجه أكثر من غيرهم – غيتي

نعم، يبدو بعض الناس أكثر عرضة للاحمرار من الآخرين، وقد يكون ذلك صفة موروثة.

 فيلفت الدكتور سمول إلى أنه نسبة الاحمرار خجلًا "مزيج من الوراثة والبيئة المحيطة. فقد يكون هناك رابط وراثي بين بعض الصفات الشخصية والاحمرار. وإذا كنت تميل إلى القلق الاجتماعي، فقد يحمر وجهك بشكل متكرر أكثر من غيرك".

ووجدت دراسة أجريت عام 2015 أن "الأشخاص الذين يحمرون بشكل متكرر" يميلون إلى الشعور بالخجل بشكل أكبر ويميلون إلى أن يكونوا أقل هيمنة في سلوكياتهم مقارنة بغيرهم.

هل يمكننا السيطرة على الاحمرار؟

بحسب سمول: "من الصعب جدًا منع الاحمرار العاطفي، ومع ذلك، نظرًا للمكونات النفسية المرتبطة به قد تكون العلاجات النفسية مثل العلاج السلوكي المعرفي فعالة في مساعدتنا على إدارة مشاعر الخجل والإحراج أو القلق الاجتماعي التي تؤدي إلى الاحمرار بشكل أكبر".

كما قد يساعد الابتسام أو أخذ نفس عميق في تهدئة استجابة الجسم، وبالتالي الحد من المحفزات الجسدية التي تنشط أثناء الاحمرار واستعادة توازننا.

المصادر:
ترجمة