استعرض كبار المسؤولين الأمريكيين أكثر من اثنتي عشرة حادثة تتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ عام 2020.
وعلى الرغم من ذلك، بذلوا جهودًا كبيرة للحفاظ على استمرار وصول الأسلحة الأميركية إلى القوات الإسرائيلية، مساهمين في تعزيز الشعور بالإفلات من العقاب الذي واجهته إسرائيل بسبب عدوانها على غزة الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويكشف تحقيق أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، والذي اعتمد على استعراض وثائق داخلية لوزارة الخارجية ومقابلات مع أشخاص مطلعين على المداولات الداخلية الحساسة، كيف تم استخدام آليات خاصة في السنوات القليلة الماضية لحماية إسرائيل من تأثير قوانين حقوق الإنسان الأميركية، حتى عند فرض عقوبات على وحدات عسكرية تابعة لحلفاء آخرين يتلقون الدعم الأميركي، بما في ذلك أوكرانيا.
التحايل على قانون "ليهي"
وبحسب "الغارديان"، تمكن مسؤولو وزارة الخارجية من التحايل على قانون "ليهي"، القانون الأميركي الذي يهدف إلى منع دخول الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها وحدات عسكرية أجنبية. وقد سمي القانون على اسم عضو مجلس الشيوخ المتقاعد عن ولاية فيرمونت باتريك ليهي.
ويقول المسؤولون السابقون إنه "تم وضع سياسات داخلية غير عادية لوزارة الخارجية تظهر احترامًا شديدًا للحكومة الإسرائيلية. وهو ما لا يطبق مع أي حليف آخر للولايات المتحدة".
ويبدو أن عدم تطبيق قانون "ليهي" في إسرائيل يثير القلق. ففي تصريح لصحيفة "الغارديان"، قال السيناتور السابق عن ولاية فيرمونت إن الغرض من قانون "ليهي" هو حماية الولايات المتحدة من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل قوات الأمن الأجنبية التي تتلقى مساعدات أميركية وردع الانتهاكات المستقبلية.
انتهاكات إسرائيلية في غزة والضفة الغربية
لكن القانون لم يطبق بشكل متسق، وما رأيناه في الضفة الغربية وغزة هو مثال صارخ على ذلك، بحسب ليهي. وأضاف ليهي: "على مدى سنوات عديدة حثثت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تطبيق القانون هناك، لكن ذلك لم يحدث".
ويعد استشهاد الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة التي أطلقت عليها القوات الإسرائيلية النار في مايو/ أيار 2022 من بين الحوادث التي تمت مراجعتها منذ عام 2020.
ويضاف إلى تلك الحوادث استشهاد عمر أسعد، وهو فلسطيني أميركي يبلغ من العمر 78 عامًا، في يناير/ كانون الثاني 2022 بعد احتجازه في السجون الإسرائيلية؛ واستشهاد أحمد عبده، البالغ من العمر 25 عامًا، الذي أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص عليه في مايو/ أيار 2021 أثناء جلوسه في سيارته.
ويصف تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" كيف قامت القوات الإسرائيلية، بعد إطلاق النار على السيارة، بسحب عبده إلى خارج السيارة لبضعة أمتار على الطريق، ثم تركت جثته الملطخة بالدماء على الطريق وغادرت.
وفي المراجعة حول وفاة عبده، التي تشير التقارير إلى أنها ربما كانت حالة خطأ في تحديد الهوية، تشير وثائق وزارة الخارجية الأميركية إلى أن إسرائيل رفضت الرد على أسئلة مسؤولي وزارة الخارجية حول إطلاق النار.
وتُظهر وثائق وزارة الخارجية أنه تمت مراجعة الحوادث في إطار عملية غير معروفة أنشأتها الوزارة عام 2020 تُعرف باسم "منتدى فحص ليهي الإسرائيلي"، حيث يقوم ممثلون عن مكاتب وزارة الخارجية ذات الصلة بفحص التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات الإسرائيلية.
صعوبة بتعقب المساعدات العسكرية لإسرائيل
وبموجب قانون "ليهي"، تُمنح وحدة عسكرية أجنبية مساعدة عسكرية أميركية أو تدريبًا بعد أن يتم فحصها من قبل وزارة الخارجية بحثًا عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان تم الإبلاغ عنها.
ويحظر القانون على وزارتي الخارجية والدفاع تقديم الأموال أو المساعدة أو التدريب لوحدات قوات الأمن الأجنبية عندما تتوفر "معلومات موثوقة" تفيد بأن القوات ارتكبت انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.
وبحسب "الغارديان" ففي حالة بعض الحلفاء مثل إسرائيل وأوكرانيا، فإن حجم الدعم الخارجي كبير للغاية بحيث يصعب تعقب المساعدات العسكرية الأميركية، وغالبًا ما لا تكون لدى الولايات المتحدة أي معرفة بالمكان الذي تنتهي إليه أسلحة معينة أو كيف تصل إليها.
ولسد ما اعتبر ثغرة في القانون، قام الكونغرس بتحديث العملية في عام 2019، من خلال وضع نظام يحظر على الحكومة الأجنبية تقديم المساعدة الأميركية لأي وحدة من قواتها الأمنية تعتبرها الولايات المتحدة غير مؤهلة بسبب انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
وشكلت وزارة الخارجية مجموعات عمل لفحص البلدان التي تعتبر المساعدات العسكرية فيها "لا يمكن تعقبها".
إسرائيل تستفيد من سياسات استثنائية
وذكرت "الغارديان" أن مطلعين على العملية تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، قالوا: "إن إسرائيل استفادت من السياسات الاستثنائية داخل "منتدى فحص ليهي الإسرائيلي" والتي لم يتم الإبلاغ عن تفاصيلها من قبل".
لم يقل ذلك أحد، لكن الجميع كان يعلم أن القواعد مختلفة بالنسبة لإسرائيل. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية: "لن يعترف أحد بذلك على الإطلاق، لكنها الحقيقة".
ويوضح ثلاثة أشخاص مطلعين على المداولات الداخلية أنه يجب على جميع الأطراف المشاركة في مراجعة ليهي أن تتوصل إلى إجماع على حدوث انتهاكات محتملة، ويجب بعد ذلك الحصول على موافقة نائب وزير الخارجية.
ومن بين المجموعات المشاركة في المراجعة مكتب شؤون الشرق الأدنى، ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، ومكتب الشؤون السياسية العسكرية، والسفارة الأميركية في القدس.
آليات تأخير فريدة
ومن الناحية النظرية، يمكن لمكتب واحد أن يرفع الانتهاك المحتمل إلى مستوى نائب وزير الخارجية كجزء من "مذكرة مقسمة"، حيث تعرب المكاتب الأخرى عن خلافاتها، ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل.
أمّا بالنسبة للدول الأخرى، فقد قال مسؤولون سابقون، إن تحديد قانون ليهي يتم من قبل موظفي وزارة الخارجية، ولا يتطلب إجماع جميع الأطراف، ولن يتطلب إخطار وموافقة وزير الخارجية أو نائبه.
ويجب استشارة إسرائيل بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي هي قيد المراجعة، وأمامها 90 يومًا للرد على المطالبات، مما يؤدي إلى ما وصفه بعض المسؤولين السابقين بتأخيرات كبيرة. وقال مسؤولون سابقون إنه لا يجوز استشارة أي حكومة في أي دولة أخرى بموجب إجراءات وزارة الخارجية.
وقال مسؤول سابق بوزارة الخارجية لـ"الغارديان": "أحد الأسباب وراء عدم نجاح منتدى ليهي أبدًا هو أن العملية مليئة بآليات تأخير لا توجد في أي دولة أخرى".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية، إنه لا يمكن مناقشة تفاصيل المداولات الداخلية للوزارة، ولكن "ليس هناك شرط للتوصل إلى توافق في الآراء بين المشاركين في عملية المراجعة من أجل المضي قدمًا في التقييم بموجب قانون ليهي".
"إفلات واسع النطاق من العقاب"
ويشير بعض الخبراء إلى صلة بين نهج عدم التدخل الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه إسرائيل فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وسلوك إسرائيل في الحرب في غزة.
وتتلقى إسرائيل دعمًا عسكريًا بقيمة 3.8 مليار دولار سنويًا. وقد دعا الديمقراطيون التقدميون بقيادة بيرني ساندرز، السيناتور المستقل عن ولاية فيرمونت، إلى جعل دعم إسرائيل مشروطًا بإجراء تحقيقات أميركية في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان في حربها على غزة.
وقال جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والذي برز كمنتقد صريح لسياسات إدارة بايدن تجاه إسرائيل: "أعتقد أن إسرائيل تشعر بإفلات واسع النطاق من العقاب عندما يتعلق الأمر بالعواقب داخل الولايات المتحدة على أفعالها".
وأضاف: "يمكننا أن نقول إن على إسرائيل أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي. ويمكننا القول بأنه لا ينبغي لها توسيع المستوطنات. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعواقب الفعلية، لا توجد أي عواقب، وأعتقد أن ذلك أعطى إسرائيل على المستويات الحكومية العليا الشعور بأنها محصنة".
ويرى بول أيضًا أن الافتقار إلى تطبيق قانون ليهي له تأثير على كيفية تصرف القوات الإسرائيلية.