بدأ صبر الرئيس الأميركي جو بايدن ينفد مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بحسب وصف صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، التي قالت: "إن مصير محافظة رفح يغدو نقطة تحول في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب".
فالإدارة الأميركية ترى أن التجاهل الإسرائيلي لكل التحذيرات الأميركية من مغبة خوض مناورة عسكرية في رفح دون ضمانات لحماية المدنيين يهدّد كل الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين ومحاولات التوسط في تسوية أوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، علاوة على أنه سيكون عامل انهيار للعلاقات المتوترة أصلاً بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفق الصحيفة البريطانية.
وتقول الصحيفة البريطانية إن تأثيرات العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو ووصولها إلى نقطة الانهيار تنتقل إلى أروقة صنع القرار الأميركي ومستقبل بايدن نفسه.
وتصف الصحيفة المزاج العام في واشنطن في ظل إدارة نتنياهو لظهره باستمرار للمطالب الأميركية رغم وقوف المسؤولين الأميركيين إلى جانب إسرائيل في حربها على غزة، لكن تسامحهم أخذ يؤدي بسرعة إلى تآكل نهج نتنياهو تجاهها والأزمة الإنسانية المتفاقمة، وهو ما أضرّ بجهود بايدن في تعزيز دعم الديمقراطيين قبل محاولة إعادة انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ومع تفاقم الشكوك حول قدرة الأميركيين على إقناع نتنياهو بتجنب اجتياح رفح، تصر إدارة بايدن على مواصلة دعم نتنياهو في عدوانه.
قنابل أميركية لإسرائيل
وتنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بدورها عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وأسلحة أخرى نوعية إلى إسرائيل، تشمل قنابل وذخائر بقيمة عشرات الملايين من الدولارات، ما يطرح تساؤلات حيال التناقض في المواقف الأميركية الداعية إلى هدن إنسانية من جهة والداعمة بشحنات الأسلحة المتواصلة للمجهود الحربي الإسرائيلي.
وكان نتنياهو قال في مؤتمر صحفي: إنه "أوضح لبايدن أن إسرائيل ستواصل حربها في غزة حتى تحقيق انتصارها المطلق وإن من يحاول منع إسرائيل من القيام بعملية في رفح كمن يقول لنا لا تنتصروا في هذه الحرب".
تحوّر في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب
وفي هذا الإطار، يشير الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار وليد حباس إلى أن العلاقة بين إسرائيل وأميركا مركبة ومعقدة وليست علاقة بين إدارتين أو حكومتين بل هناك تداخل للاستثمارات ورأس المال، كما أن هناك لوبي ضاغط.
ويلفت في حديث إلى "العربي" من رام الله إلى أن الولايات المتحدة ترعى إسرائيل وتوفر لها السلاح في الحروب، لكن التحولات في المشهد بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تتمثل في أن إسرائيل تحور علاقتها مع الإدارة الأميركية، حيث لا تريد أن تقطعها نهائيًا لكنها تريد أن تثبت أن هذه الحرب هي حرب وجودية.
ويقول حباس: "قد لا يجدر بإسرائيل أن تأخذ بعين الحسبان الاعتبارات الانتخابية داخل الولايات المتحدة وتغير من خطتها"، مضيفًا: "إن الكابينت الحربي يعتبر أنه أمام حرب وجودية لدرجة أنه وضع جانبًا إعادة الأسرى أو الانسحاب من قطاع غزة، وهي أمور قد توقف الحرب". وأشار إلى أن إسرائيل تعتبر أن الحرب شكّلت حالة لزجة تستطيع من خلالها أن تدخل تحولات في الشرق الأوسط وفي القضية الفلسطينية.
كما يستبعد حباس انصياع إسرئيل بشكل كلي لرغبة الإدارة الأميركية، لكن أكد أن ذلك لا يعني قطع العلاقة كليًا بل حصول توترات بين الجانبين.
أسباب سياسية
من جهته، يزعم الدبلوماسي السابق والمدير التنفيذي للأمن القومي في بولاريس غابرييل نورونا "أن الذخائر التي تريد الولايات المتحدة الأميركية أن ترسلها إلى إسرائيل ستحول دون مقتل الكثير من المدنيين"، لافتًا إلى أنها "ذخائر محددة ودقيقة التوجيه وهي أصغر حجمًا ويمكن أن تستهدف عناصر حماس ولا تحدث الكثير من الخسائر بصفوف المدنيين".
وفي حديث إلى "العربي" من واشنطن يعتبر نورونا أن العمليات الإسرائيلية سترتبط بالقوات البرية وليس بحملة القصف.
وأشار إلى أن بايدن انتقد نتنياهو جزئيًا لأسباب سياسية خاصة به ترتبط خصوصًا بميشيغان، نظرًا إلى أن الولاية مهمة كثيرًا له لأنها تضم عددًا كبيرًا من العرب الذين لا يدعمون إسرائيل، وهو يحاول أن يستميل هذه القاعدة الانتخابية.
قنابل "غبية" و"هشاشة" إسرائيلية
من جانبه، يرى أسامة أبو إرشيد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن الموقف "الأعوج" الذي يدعم إرسال أسلحة "ذكية" لإسرائيل هو الذي قاد لاستشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني مدني وجرح أكثر من 75 ألف فلسطيني ودفن الآلاف تحت الأنقاض، بالإضافة إلى أكثر من مليوني نازح.
ويؤكد أن القنابل التي تعتزم واشنطن إرسالها إلى إسرائيل هي قنابل "غبية" وليست موجهة أو صغيرة الحجم، لافتًا إلى أن أثرها يظهر بعد خمسة أشهر على العدوان الذي دمّر قطاع غزة ولم يقض على حركة حماس.
ويلفت في حديث إلى "العربي" من واشنطن إلى أن إسرائيل لا تلتزم بأي قانون، معتبرًا أن الخلافات بين واشنطن وتل أبيب حقيقية، لكنها على التكتيكات وعلى إدارة العدوان على قطاع غزة. ويقول: "يجب أن لا ننسى أن الولايات المتحدة دولة إمبريالية من حيث النشأة بمفهوم التوسع عبر القوتين الناعمة والخشنة، وأن إسرائيل هي امتداد لهذا المشروع الإمبريالي وهي استيطانية كما الولايات المتحدة قامت على أنقاض سكان أصليين".
ويرى أبو إرشيد أن الولايات المتحدة لاحظت الهشاشة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي واضطرت للعودة إلى المنطقة بعدما كانت تريد التحول نحو شرق آسيا.
ويضيف: "ثبت أن إسرائيل ليست بهذا الحجر الصلب فهي عبء إستراتيجي على أميركا، لكن لا أحد يستطيع أن يقول هذا الكلام علنًا".
كما يعتبر أن الولايات المتحدة لا تريد أن تغرق في حرب تستنزفها على المستوى الجيوسياسي دوليًا وإقليميًا وعلى المستوى الداخلي".