بعد انتظار دام عقودًا، اتخذت الرئاسة الفرنسية قرارًا وُصِف بالتاريخي، يسمح برفع السرية عن الأرشيف المختوم بـ "سري"، الذي يزيد عمره عن 50 عامًا، ولا سيما ذلك المتعلق بحرب الجزائر، استجابة لطلبات رفعها باحثون جامعيّون للرئاسة الفرنسية.
ويجيز قرار ماكرون لدوائر المحفوظات نفض الغبار عن الأرشيف حتى العام 1970، كما يشكّل بادرة حسن نيّة تجاه الجزائر التي تطالب بفتح الأرشيف الاستعماري منذ أكثر من نصف قرن. ويأتي بعد أيام من اعتراف الإليزيه بمسؤولية فرنسا عن تعذيب وقتل المحامي الجزائري علي بومنجل.
ولا يقتصر رفع الأرشيف على المسألة الجزائرية إنما يشكّل أيضًا استجابة لمطالب الأساتذة الجامعيين الذين يواجهون صعوبات بالجملة في الوصول إلى الكثير من المعلومات التاريخية المختبئة تحت ختم باللون الأحمر يسمّى "سري للدفاع".
"إذابة بعض من الجليد"
يقول المؤرّخون: إن معرفة الماضي "مدماك" أساسي في بناء المستقبل، ولذلك فإنّ رفع السرية عن الأرشيف الفرنسي بخصوص الجزائر سيسهم بحسبهم في إذابة بعض من الجليد القابع فوق ملفات ومصنّفات وتقارير من حقبة صُبِغت بدماء الكثيرين.
ويوضح المؤرخ جيلبير مانسورون سينويه أنّ قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "جيد لكنه لا يكفي". ويشير إلى أنّ "على الحكومة فتح الأرشيف بشكل كامل لكي يعرف الفرنسيون تاريخهم، فهذا حق للمؤرخين والباحثين والمواطنين".
ويلفت سينويه، في الوقت نفسه، إلى أنّ من حق الجزائريين أيضًا معرفة ما جرى خلال حقبة الاستعمار.
خطوة إيجابية لكن ناقصة
من جهته، يعتبر المحامي والباحث في القانون الدولي إسماعيل خلف الله من الجزائر أن الخطوة الفرنسية إيجابية وجريئة، حيث قام ماكرون بما لم يسبقه عليه أسلافه، لكنّه يشدّد على أنّها تبقى ناقصة، رغم الإيجابية.
ويوضح خلف الله، في حديث إلى "العربي"، أنّ الجزائريين يطالبون بكل الأرشيف؛ فالجزائر تمّ استعمارها لمدة 132 سنة وليس 50 سنة فقط، إضافة إلى السنوات التي بقيت فرنسا تمارس تجاربها النووية.
ويشير إلى أنّ هذه الخطوة ربما تفتح الآفاق بين الجزائر وباريس فيما يتعلق بملف الذاكرة، لكنها تبقى خطوة ناقصة يجب أن يتم دعمها بخطوات جريئة أخرى ليتم حل هذه القضية.
سَنَد قانوني قوي للدعاوى ضد فرنسا
ويشدّد الباحث الجزائري على أنّ المعلومات التي ستظهر من هذا الأرشيف تُعتبَر سندًا قانونيًا قويًا ودلائل وقرائن ستقام على ضوئها دعاوى سواء بما يتعلق بالأفراد أو بالدولة الجزائرية نفسها.
ويلفت خلف الله إلى أنّ "الاعترافات الأخيرة لماكرون حول الشهيد علي بومنجل وتعرضه للتعذيب والقتل على أيدي الجيش الفرنسي تُعتبَر عيّنة أيضًا يمكن الاستناد إليها في دعاوى قضائية".
ولا يستبعد خلف الله وجود عوامل سياسية خلف نهج "التقسيط" الذي يتعاطى معه الرئيس الفرنسي مع الموضوع الجزائري، مشدّدًا على أنّ هناك لوبيات ما زالت تعمل ضد هذا التوجه ولا سيما اليمين المتطرف، ومتحدّثًا عن "أرضية ملغّمة ومناورات" في هذا السياق.