"عودة إلى الوراء"، هو موقف الولايات المتحدة الأميركية ممّا يجري في تونس، وقد عبّر عنه الرئيس جو بايدن في رسالة حملها إلى قصر قرطاج جوناثان فاينر مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي.
فبعد ثلاثة أسابيع على إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد زار مقر الرئاسة وفد أميركي رفيع المستوى.
وفي اللقاء الذي وُصف بـ"الأهمية الكبيرة والدلالات الأكبر"، حثّ الوفد سعيّد على تسريع العودة إلى الديمقراطية البرلمانية في البلاد.
وبعيد اللقاء، أصدر البيت الأبيض بيانًا قال فيه إن الوفد ناقش مع سعيّد الحاجة الملحة إلى تعيين رئيس للوزراء قادر على تشكيل حكومة تتصدى للأزمات الاقتصادية والصحية.
"دخول على خط الأزمة"
وقد يبدو هذا الموقف الأميركي خارطة طريق عاجلة للخروج من أعقد أزمة تمرّ فيها تونس لمرحلة ما بعد الثورة.
فمع بدء العد العكسي لانقضاء مهلة الشهر، التي منحها الدستور للرئيس لاتخاذ إجراءات استثنائية، تدخل الولايات المتحدة الأميركية على خط الأزمة.
تريد واشنطن عودة الأمور إلى نصابها، ويُقرأ موقفها على أنه محاولة لقطع الطريق على استئثار الرئيس بالسلطات الثلاث.
فهي لا تعطيه صك تأييد على بياض، كما فعل بعض حلفائها في المنطقة الذين استبشروا بإجراءاته علّها تشفي غليلهم ممن اتخذوهم خصومًا.
ويملأ البيت الأبيض الفراغ الذي لم يطرح قصر قرطاج خارطة طريق لملئه، كما ولم يفعل ذلك مناوئوه من القوى السياسية التي لم تخرج حتى الآن من صدمة الخامس والعشرين من يوليو/ تموز.
واللافت أن المجتمع المدني التونسي لم يغب عن الخارطة الأميركية، إن صحت تسميتها، فقد منحته ثقلًا تجلى بلقاء الوفد الأميركي ببعض قادته.
ويرى البعض أن واشنطن تحدد سقفًا للرئيس يحفظ ديمقراطية تونس الفتية من خطر الانهيار، فيما يعتقد آخرون أنها محاولة لن يُكتب لها النجاح أمام رئيس يعتقد أنه قدر تونس لتصحيح مسار ثورتها.
"غياب خارطة طريق يثير القلق"
يعزو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية وليام لورانس أسباب اهتمام واشنطن بالشأن التونسي إلى أن "الولايات المتحدة لها دور كبير جدًا في الديمقراطية التونسية، التي تعد الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".
ويقول في حديث إلى "العربي" من بوسطن: إن هناك الكثير من التنسيق مع الحلفاء، لافتًا إلى أن الدفاع عن تونس من الأولويات، وكانت هناك هجمات من ليبيا وعملية سلام هشة في الأخيرة، وديمقراطية في تونس".
ويضيف: "يُعتقد أيضًا أن أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب والتطرف هو عن طريق الديمقراطية والعلمانية، وعندما تكون للحكومة والبرلمان مطلق الصلاحيات لمواجهة ذلك".
وفيما يشير إلى أن ما من خريطة طريق حتى الآن، يقول: "هذا الأمر يثير القلق".
ويضيف: "كانت هناك حاجة لزيارة هذا الوفد، فهناك الكثير من الضغط على واشنطن لقطع المساعدات الإنسانية والاقتصادية لتونس بسبب ما حدث، ولكن المساعدات والتضامن مستمر ويزداد".
ويعرب عن اعتقاده بأن الرسالة التي تم توجيهها هي العمل مع الرئيس التونسي لاستعادة الديمقراطية بأسرع وقت ممكن.
"تونس ليست محمية أميركية"
بدوره، يعتبر مدير قسم القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس الصغير الزكراوي، أن ما يُستشف من زيارة الوفد الأميركي رفيع المستوى هو أن الولايات المتحدة الأميركية ربما تريد وبصورة واضحة أن تتدخل في الشأن التونسي وفرض شروط وإملاءات وتهديد بقطع المساعدات.
ويرى في حديث إلى "العربي" من تونس، أن واشنطن "ربما تلمح إلى فرض خريطة طريق نوعًا ما، عنوانها إعادة البرلمان إلى الاشتغال والتركيز على مسألة الديمقراطية".
ويعرب عن اعتقاده بأن رئيس الجمهورية في تونس يتمثل بدعم شعبي كبير، لافتًا إلى أن "من سيادة الدول اختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
ويعتبر أن "أميركا خرجت منهزمة من أفغانستان، وتبحث عن موطئ قدم في المغرب العربي، وبالتحديد في تونس وعينها على ليبيا".
وإذ يؤكد أن ما يحصل في تونس شأن داخلي، وتونس ليست محمية أميركية، يرى أنه يمكن لواشنطن أن تتقدم بالنصح وأن تساعد، ولكن يبقى الشأن داخليًا.
ويردف: "تتحدث الولايات المتحدة عن ديمقراطية في تونس، وكأنه كانت في تونس ديمقراطية مُثلى وبرلمان يشتغل"، مشيرًا إلى أن البرلمان لم يكن يعمل لصالح التونسيين، بل كان مجالًا للصراعات.
"تعيين رئيس حكومة مطلب وطني"
من ناحيته، يؤكد أستاذ التاريخ السياسي في الجامعة التونسية عبد اللطيف الحناشي أن مطلب تعيين رئيس حكومة، وحكومة جديدة في تونس، هو مطلب وطني.
ويشير في حديث إلى "العربي" من تونس، إلى أن أغلب الأحزاب وكذلك أغلب منظمات المجتمع المدني في تونس طالبت بذلك في العديد من المرات.
ويلفت إلى أن العديد من الدول، سواء منها الشقيقة أم الصديقة، قد طالبت بدورها بضرورة تعيين رئيس حكومة، ورئاسة حكومة فاعلة"، مردفًا: "هذا أمر طبيعي باعتقادي".
ويضيف: "لكن الآن تأتي هذه الزيارة وبهذا الوزن الثقيل، مجموعة ذات علاقة بالأمن القومي الأميركي، فتوضع هنا علامة استفهام".
ويذكّر بأن الكونغرس الأميركي كان قد حيا الثورة التونسية، لافتًا إلى أن الإدارة الأميركية الديمقراطية التي رجعت الآن لديها اهتمام كبير جدًا بالمسألة الديمقراطية في تونس وضرورة انجاحها. وكذلك يتحدث عن موقع تونس الاستراتيجي والجيوبوليتكي الحساس، لا سيما بين ليبيا والجزائر.
وعن كيفية تعامل سعيد مع الضغوط الأميركية، يقول إن الإجابة على هذا السؤال "صعبة جدًا"، مشيرًا إلى أن رئيس الجمهورية لديه نوع من الغموض، ولا نعرف بالتحديد بما يرغب وماذا يريد أن يفعل.
وإذ يلفت إلى تأكيد سعيد بأن لا رجوع إلى الوراء، يسأل: "كيف يمكن أن نعالج القضية؟".
ويضيف: "هل هناك فعلًا ضغوط أم لا، وما هي طبيعة هذه الضغوط حتى نعرف إلى أي مدى يمكن أن يرضخ لها أم لا".
ويردف: "بالرجوع إلى شخصيته، هو ربما "عنيد" ومواقفه في الغالب غامضة، لذا فإن المحلل السياسي والمتابع من الصعب جدًا أن يستشرفا مواقفه المستقبلية".
ويتابع: "لكن من المؤكد أنه "سيرضخ" أن يعيّن رئيس حكومة ويشكل حكومة، وهذا أمر لا بد منه، وأعتقد أن الأمر لن يطول كثيرًا نتيجة للمطلب الداخلي وكذلك الخارجي".