وصف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، في لقاء خاص مع "العربي"، الحكم القضائي الغيابي الصادر بحقه بأنه "إعادة لتونس إلى زمن الدكتاتورية والحكم المطلق".
وأكد المرزوقي أنه غير مهتمّ بحكم يشبه الأحكام الصادرة بحقه في عهدي بورقيبة وبن علي.
وقال: "لم أكن أتصوّر أن تحصل في تونس ردّة بهذا العمق. أنا أن أذكّر بأنني حوكمت في هذه التهمة السخيفة في عهد بورقيبة وفي عهد بن علي، وهذه المرّة الثالثة التي أحاكَم فيها بالتهم نفسها وبالأساليب نفسها، لكن للأسف الشديد، يبدو أنّ تونس تقفز قفزة جبارة إلى الوراء".
الرئيس سعيّد "فاقد للشرعية"
وانتقد المرزوقي "سيطرة الرئيس قيس سعيّد على السلطة القضائية واستخدامه لها كأداة ولمعاقبة معارضيه"، واصفًا إياه بأنّه "فاقد للشرعية".
وقال: "هذا الرجل فاقد للشرعية وفاقد لميزان القانون، وهو لا يفهم أنّ القانون يجب أن يطبَّق على الأقلّ شكليًا"، مشيرًا إلى أنّ بن علي "كان دكتاتورًا، ولكنه كان حريصًا جدًا على شكلية القانون".
في المقابل، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال اجتماع لمجلس الوزراء إنّ هناك من يخطط لاغتيال عدد من المسؤولين. وكشف سعيّد أنّ وزارة الداخلية رصدت "مكالمة هاتفي تتحدث عن موعد الاغتيال"، على حدّ قوله.
وأضاف سعيّد: "ما يدبَّر في تونس من مؤامرات تصل عند اقتراحات بعضهم إلى حدّ الاغتيال، ولينتبه التونسيون والتونسيات إلى ما يدبَّر اليوم من قبل بعض الخونة"، على حدّ قوله.
"تهديد حقيقي لحرية الرأي والتعبير"
بدورها، ندّدت حركة النهضة بالحكم القضائي الصادر على الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، ووصفته بأنه حكم "جائر".
وأضافت الحركة في بيان، أنّ الحكم الصادر على المرزوقي هو "تدشين لمرحلة من المحاكمات السياسية لرافضي الانقلاب على الدستور وتجسيد لخطر تجمّع السلطات بيد الرئيس قيس سعيّد"، على حدّ قولها.
كما أدانت أحزاب تونسية وشخصيات حقوقية إصدار القضاء حكمًا غيابيًا بالسجن على الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، ومن بينها أحزاب التكتل والتيار والجمهوري التي قالت إنّ هذا القرار يُعَدّ "تهديدًا حقيقيًا لحرية الرأي والتعبير ومنعرجًا يهدّد استقلالية القضاء".
جدل واسع بين الحقوقيين
وجاء قرار المحكمة على خلفية تصريحات المرزوقي المناوئة لإجراءات سعيّد، وبعد دعوته وزيرة العدل في وقت سابق بتتبّع من وصفهم بـ"المتآمرين" على البلاد.
وأثارت الدعوة لتسريع فتح الملفات من قبل الرئيس والتدخّل بشأن القضاء، جدلًا واسعًا لدى طيف من الحقوقيين والسياسيين في البلاد، بحسب مراسلة "العربي".
ووفقًا لمراسلتنا، تأخذ الأزمة السياسية في البلاد منحى أكثر تعقيدًا في ظلّ توجّه سعيّد نحو إقرار ما يعتبره إصلاحات في القضاء، وذلك بعد استحواذه على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي ظلّ حلّ هيئات دستورية، وغياب مؤسسات رقابية تقوّم إجراءاته.
"إضراب جوع احتجاجي"
في سياق آخر، أصدرت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بيانًا أعلنت فيه دخول بعض أعضائها إضرابًا عن الطعام دفاعًا عن الحريات وتنديدًا بالتضييق والعنف الممارسَين ضد المواطنين والأحزاب.
وقال عضو المبادرة عز الدين الحزقي: "نعلن دخولنا في إضراب جوع احتجاجي كشكل متقدّم من أشكال النضال الديمقراطي في مواجهة حكم فردي".
واتهم الحزقي الرئيس قيس سعيّد بمحاولة توظيف القضاء لتصفية الخصوم وإقحام المؤسسة الأمنية العسكرية في الصراع السياسي، مطالبًا بإطلاق سراح النواب والسياسيين والمعارضين وإيقاف المحاكمات العسكرية.
"توجيهات رسمية مباشرة"
ويرى عمر سيفاوي، العضو في حزب حراك "تونس الإرادة" الذي يتزعمه المرزوقي، أنّ دعوات رئيس الجمهورية إلى القضاء للنظر في بعض القضايا أنتج نتيجة معاكسة، وضرب استقلالية القضاء بحدّ ذاته.
من جهته، يعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في حديث إلى "العربي"، أنّ الحكم بحق المرزوقي جاء إثر "توجيهات رسمية مباشرة من رئيس الجمهورية بُثّت على التلفزيون أمام الملأ".
ويشير الشابي إلى أنّ الرئيس "أمر وزيرة العدل بتتبع القضية ضد الرئيس المرزوقي، وهو ما تمّ بسرعية قياسية تثير الريبة والشكوك"، على حدّ قوله.
"تداخل بين القضاء والسياسة"
ويتحدّث المحلل السياسي التونسي سرحان الشيخاوي عن وجود ردّة في القطاع القضائي بتونس، مشيرًا إلى إعادة ربط المسار السياسي بالمسار القضائي.
ويشير الشيخاوي، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ القضاء أصبح يقترب بشكل كبير جدًا من المسارات السياسية، حيث أصبحت البصمة السياسية "واضحة وفاقعة" في القرارات القضائية، على حدّ تعبيره.
ويلاحظ أنّ "القضاء في تونس الذي لم يحسم قضايا الاغتيال السياسي منذ سنة 2013، حسم قضية المنصف المرزوقي في غضون أسابيع فقط، ويصدر قراره في قضية سمّيت بفضيحة أخلاقية في القضاء التونسي".
ويخلص إلى أنّ تونس تشهد أزمة كبيرة في المستوى القضائي، وذلك نتيجة تداخل ما هو سياسي بما هو قضائي، على حدّ تعبيره.