رصد تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي مجموعة من المجرات الضخمة تعود إلى عصور مبكرة من الكون، ويبدو أنها تشكّلت بوتيرة أسرع بكثير مما كان يتوقّعه علماء الفلك.
هذا الاكتشاف الذي يتعيّن إثباته بدراسات تفصيلية، حدث بعد 500 إلى 700 سنة فقط من الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة، أي في كون بعيد جدًا.
واكتشف "جيمس ويب" هذه المنطقة بفضل أداة "نيركام" الخاصة به، والتي ترصد مجال الأشعة تحت الحمراء القريبة غير الظاهر بالعين المجردة، وتتيح للتلسكوب مراقبة الكون البعيد.
وذكرت دراسة نشرتها مجلة "نايتشر" العلمية أن التلسكوب رصد ست مجرات أضخم بكثير مما كان يتوقّعه العلماء، في مراحل الكون المبكرة.
Gold stars for you! 🌟 Shown here is M92, a cluster of thousands of stars located 27,000 light-years away in our Milky Way. One of Webb’s first science observations, this was taken as part of a program designed to help scientists make the most of Webb: https://t.co/9CHqHtEZlz pic.twitter.com/QVhLIgV6HE
— NASA Webb Telescope (@NASAWebb) February 22, 2023
وسبق لتلكسوب "هابل" أن رصد مجرتين من هذه المجرات الست، إلا أنّ الصور التي وفرها التلسكوب لم تكن واضحة لأنّ الضوء المنبعث منها كان ضعيفًا.
وأحدث "جيمس ويب" تغييرًا في الفهم العلمي للكون. ويتمثّل أحد أهدافه الرئيسية في دراسة المجرات الأولى التي تشكّلت بعد الانفجار العظيم الذي حدث قبل 13.8 مليار سنة.
وفي يوليو الماضي، التقط "جيمس ويب" أعمق صورة للكون على الإطلاق يتمّ التقاطها بالأشعة تحت الحمراء.
وتشير تحليلات الصور التي التقطها "جيمس ويب"، إلى أنّ المجرات الست، التي أُطلقت عليها تسمية "كانديدتس" في هذه المرحلة لأنّ الاكتشاف يتعيّن إثباته من خلال تقنية التحليل الطيفي، تحتوي كميات من النجوم أكبر بكثير مما كان متوقعًا، في حين يصل عدد النجوم في إحداها إلى مئة مليار نجمة.
وقال معد الدراسة الرئيسي والباحث من جامعة سوينبرن للتكنولوجيا في أستراليا إيفو لابيه: إنّ عدد النجوم هذا "يجعل المجرة مماثلة بالحجم لمجرة درب التبانة"، مضيفًا: "هذا جنوني!".
وأوضح لابيه أنّ مجرّتنا استغرقت 13.8 مليار سنة لتكوين هذه الكمية من النجوم، في حين أنتجت المجرة القديمة الكمية نفسها في 700 مليون سنة فقط، أي "أسرع بعشرين مرة" من درب التبانة.
ويتناقض وجود مجرات قديمة بهذا الحجم مع النموذج الكوني الحالي الذي يسعى إلى فهم بنية الكون.
وقال عالم الفيزياء الفلكية "استنادًا إلى النظرية السائدة، تكون المجرات في تلك العصور المبكرة، صغيرة جدًا وتشهد نموًا بطيئًا. ومن المرجّح أنها تحوي كميات نجوم أقل بعشر أو مئة مرة مما تحويه مجرة درب التبانة".
تدهور النموذج الكوني الحالي
وقد تكون المادة السوداء الغامضة التي تملأ الكون، السبب الكامن وراء تشكيل المجرات المُكتشفة نجومًا بهذه السرعة. ومع أنّ العلماء عاجزون عن رصد المادة السوداء، إلا أنهم يدركون جيدًا كيف تعمل ويعلمون أن لها دورًا بارزًا في تكوين المجرات.
وأوضح لابيه: "تتكتّل المادة المظلمة لتشكيل هالة تجذب إليها الغاز الذي تتولد منه النجوم". إلا أنّ هذه العملية تستغرق وقتًا طويلًا.
من جهته، قال ديفيد إلباز، وهو عالم فيزياء فلكية في لجنة الطاقة الذرية: "قد يكون اكتشاف المجرّات الستّ مؤشرًا إلى أنّ الأمور تسارعت في مراحل الكون الأولى بصورة أكبر مما كان مُتوقعًا" لتشكيل النجوم.
وأضاف: "ذلك يمكن أن يُفسَّر من خلال عملية توسّع الكون التي تتسارع بشكل أكبر مما كنّا نعتقد".
ورأى أن هذا الموضوع يثير جدلًا بين علماء الكون، مما يجعل اكتشاف جيمس ويب "مثيرًا جدًا للاهتمام، ومؤشرًا جديدًا على أنّ النموذج الكوني الحالي يشهد تدهورًا".
وأشار الباحث إلى أنّ التلسكوب الفضائي الأوروبي "يوكلد"، المقرر إطلاقه في الفضاء هذا الصيف لمحاولة كشف أسرار المادة المظلمة، من شأنه أن يُساهم في توضيح هذا الغموض.
وذكر لابيه نظرية "البجعة السوداء" التي تشير إلى أنّ وقوع حدث غير متوقع وغير محتمل، يحمل أثرًا كبيرًا، مضيفًا :"في حال جرى إثبات حقيقة واحدة من المجرات الست، فسيتعين مراجعة النظريات" المتعلقة بالمجرات.