السبت 16 نوفمبر / November 2024

"طالبان وتذكرة العودة".. أسرار نشأة الحركة ودور المخابرات الباكستانية

"طالبان وتذكرة العودة".. أسرار نشأة الحركة ودور المخابرات الباكستانية

شارك القصة

الحلقة الأولى من وثائقي "طالبان وتذكرة العودة" تستعرض أسرار نشأة الحركة وترصد الدور الذي لعبته المخابرات الباكستانية، كما تتناول تفاصيل العلاقة بين تنظيم القاعدة والحركة (الصورة: غيتي)
يستكشف وثائقي "طالبان وتذكرة العودة" في 3 أجزاء، قصة عودة حركة طالبان إلى الحكم بعد 20 عامًا من إسقاطها على يد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن عام 2001.

في صبيحة يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، شهدت العاصمة الأفغانية كابل احتفالات بعدما هُزمت طالبان على يد قوات التحالف وفر عناصرها إلى الجبال.

يومها بدا أن حكاية طالبان قد انتهت، إلا أنه وبعد 20 عامًا، وتحديدًا يوم 20 أغسطس/ آب 2021، عادت الحركة إلى المشهد السياسي بعدما أقلعت آخر طائرات التحالف مغادرة البلاد.

وبين هذين التاريخين، كانت القصة تنسج من أحداث لم يتوقعها أحد عن صراع مستمر وقتال ضار بين حركة طالبان وقوات التحالف الدولي استمر لنحو عقدين من الزمن وقتل فيه نحو 150 ألفًا من مختلف الاطراف.

إلا أن أفغانستان عادت إلى المربع الأول بعدما انسحبت القوات الأميركية والتحالف الدولي، وعادت طالبان لتحكم أفغانستان مرة أخرى.

وقد جعل الموقع الإستراتيجي لأفغانستان من هذا البلد نقطة اشتباك عالمي بين القوى الدولية والإقليمية، وفتح عليها باب أزمات لا تنتهي.

البداية كانت عبر الاحتلال السوفيتي دعمًا لنظام حكم شيوعي في أوج الحرب الباردة حيث وجد الأفغان أنفسهم في دوامة صراع عالمي، حيث يحتل السوفييت البلاد فيما تريد واشنطن استنزافهم هناك.

خروج السوفييت

نوقشت العديد من المشاريع في الكونغرس لتقديم دعم مادي وإغاثي وعسكري لتقييد الوجود السوفيتي في أفغانستان، وتسهيل دعم مادي وعسكري كبير لمقاومي الاحتلال السوفيتي من الأفغان.

وأظهرت مجموعة وثائق مكونة من ألف صفحة من صفحات البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية رفعت عنها السرية، أنه في عام 1980 أنفقت وكالة المخابرات حوالي 100 مليون دولار لشحن أسلحة للمقاومة الأفغانية.

وعلى جانب آخر، كانت باكستان القريبة جغرافيًا وعرقيًا بحكم الأكثرية البشتونية تبحث عن موطئ قدم لها هي الأخرى. وتقاطعت المصالح على إسقاط السوفيت بين أميركا وباكستان والسعودية والمجاهدين الأفغان.

كان هذا السعي ناجحًا وخرج السوفييت من البلاد عام 1989 حيث بدأت ملامح قصة جديدة في تاريخ أفغانستان التي كان ينتظرها تحول عميق.

خروج السوفييت من أفغانستان
خروج السوفييت من أفغانستان - غيتي

في مقدمة المنتصرين حينها كان حاملو لواء ما يعرف باسم "الجهاد الأفغاني" من تيارات عرقية مختلفة.

وأبرز القادة المنتصرين كان قلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود وبرهان رباني الذين جمعتهم ساحات القتال ضد السوفييت وفرقتهم ساحة تقاسم الغنائم والسلطة.

نشأة طالبان

فقد خلف صراع قبلي برعاية ودعم خارجي العديد من القتلى حيث غاب الأمن عن أفغانستان ودُمرت العاصمة كابل.

في هذه الظروف، كان الملا محمد عمر يراقب المشهد ويتفحصه ويحاول أن يجد حلًا للواقع الأفغاني. هو شخصية يمكن وصفها بالعادية والغامضة في آن واحد فهو محدود الحركة إلا في جبهات القتال.

وولد عمر عام 1960 في قرية جاه همت بقندهار وينتمي إلى أصول بشتونية. وهو لم يتمكن من إنهاء تعليمه الديني فشارك في محاربة الغزو السوفيتي لأفغانستان حيث تعرض للإصابة وفقد إحدى عينيه بسببها.

في خريف عام 1994، اجتمع عدد من المقاتلين في ولاية قندهار في محاولة لتقديم حلول للانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد. في تلك المرحلة لم يحضر أي حديث عن رؤية سياسية أو فكرية.

وفي ما بعد ازداد عدد المنضمين إلى هذه المجموعة لتعلن عن نفسها كفصيل جديد أطلق على نفسه اسم حركة طالبان، ولتعلن بلسان الناطق باسمها الملا عبد المنان نيازي في تلك المرحلة أن هدف التنظيم الأول استعادة الأمن والاستقرار وجمع السلاح بيد واحدة.

دور الاستخبارات الباكستانية

تماسكت الحركة الوليدة حديثًا وانضم لها أكثر من 3 آلاف مقاتل ليتمكنوا خلال عامين من السيطرة على العاصمة كابل.

وساهمت عومل داخلية في صعود الحركة وسيطرتها على أفغانستان، لكن كثيرين أشاروا إلى دور أساسي لقوة خارجية تمثلت بالاستخبارات العسكرية الباكستانية التي أبدت تململًا من الوضع الأمني في أفغانستان ووجدت مصالحها تتقاطع مع نشأة حركة طالبان في أولويات الاستقرار السياسي الذي سيجلب للبلاد العديد من المنافع الاقتصادية.

فقد صرح بعض المطلعين على صناعة النفط أن هدف تمرير وتأمين خط أنابيب عبر أفغانستان هو السبب الرئيسي وراء دعم باكستان لحركة طالبان.

كما تشير بعض التقارير إلى أن نصير الله بابر وزير الداخلية الباكستاني المقرب من بينظير بوتو رئيسة الوزراء ومستشارها السياسي كان عراب التفاهم بين طلاب المدارس الدينية وجهاز الأمن العسكري الباكستاني ووزارة الداخلية وهو ما مهد لخروج حركة طالبان إلى العلن.

وزير الداخلية الباكستاني نصيرالله بابر
وزير الداخلية الباكستاني نصيرالله بابر

بدت هذه العلاقة واضحة ومرصودة من خلال تصريحات قيادات عسكرية أميركية كالأدميرال مايك مولان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة أفاد فيها في مارس/ آذار 2009 بأن لديه مؤشرات بأن عناصر من الاستخبارات العسكرية الباكستانية تدعم طالبان.

كما نشرت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن تقريرًا تحت عنوان: "واضحة كالشمس في السماء: العلاقة بين الاستخبارات الباكستانية والحركات الأفغانية". ولفت التقرير إلى أن الاستخبارات الباكستانية لا تدرب وتمول مقاتلي طالبان في أفغانستان فحسب لكنها ممثلة أيضًا في قيادة الحركة مما يعطيها تأثيرًا كبيرًا على العمليات.

ماذا بعد؟

وفي تسريبات كشفت عنها وثائق ويكيليكس حول الحرب في أفغانستان أن الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات التابعة له كانا حليفين بصورة مباشرة وغير مباشرة لبعض الحركات الأفغانية.

قصة طالبان كانت مختلفة عن قصة الحركات السياسية الأخرى، فهي حركة عسكرية لا تحمل فكرًا سياسيًا واضحًا يرافق انطلاقها فهي اشتبكت بالمجتمع بعدما سيطرت عليه عسكريًا فوجدت نفسها أمام استحقاق الإجابة عن سؤال: "ماذا بعد؟ وما الذي يمكن تقديمه للمجتمع الأفغاني والعالم؟".

الملا عمر
الملا عمر - تويتر

لاحقًا، بدأت طالبان بترتيب صفوفها الداخلية إداريًا وهيكليًا، ففي 4 أبريل/ نيسان 1996 أعلن الملا محمد عمر في اجتماع للعلماء في قندهار عن مبادئ الحركة التي اعتبرت بمثابة مشروعها للحكم، وكانت عبارة عن 18 مبدأ شكلت الجوانب الأساسية لأداء طالبان في الحكم.

وكان أهم هذه الجوانب إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة، وأن يكون الإسلام دين الحكومة والشعب وأن يستمد قانون الدولة من الشريعة الإسلامية وأن يتولى علماء الدين المناصب المهمة في الحكومة.

ومنحت الحركة الملا عمر لقب أمير المؤمنين وجعلته في قمة هرم السلطة ذا صلاحيات مطلقة، كما تشكل مجلس إدارة الإفتاء، وكانت له سلطة رمزية.

أما هرم السلطة فتصدره مجلس شورى الحركة المناط به تقديم النصح والمشورة وكان يرأسه الملا عمر ويضم بين أعضائه عددًا من الشخصيات بينها من هم من غير الأفغان مثل أسامة بن لادن الذي كان ينوب عنه في حال غيابه عبد الباسط المصري أحد قيادات القاعدة.

العلاقة مع واشنطن

انعكست هذه التوجهات على سياسات وممارسات متشددة في حكم وإدارة طالبان لأفغانستان، فطردت الموظفين المنتمين للحزب الشيوعي وقتلت الرئيس محمد نجيب الله من دون محاكمة وعلقت جثته في الطريق العام وأبعدت النساء عن مجالات الحياة ومنعتهن من التعليم والعمل وفرضت عليهن لباسًا معينًا وتعاملت بقسوة مع أقليات أفغانية.

ليلى هيلمز شكلت صلة وصل بين طالبان وواشنطن
ليلى هيلمز شكلت صلة وصل بين طالبان وواشنطن

وبرزت ممارسات طالبان بشكل يوصف بـ"الوحشي" في تطبيق العقوبات للمخالفين للقانون الذي فرضته مع تعمد إيقاع العقوبات في أماكن عامة.

وأغلقت هذه الممارسات الباب أمام طالبان للحصول على الاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة التي اشترطت تغيير سياسات الحكم وشكله، لكن خلف الأبواب المغلقة فُتحت الأبواب الأميركية عبر مسار دبلوماسي واقتصادي وأمني. وكانت ليلى هيلمز الأفغانية عرابة علاقة طالبان مع واشنطن والتي ترتبط بعلاقة نسب مع ريتشارد هيلمز الذي شغل منصب مدير الاستخبارات المركزية الأميركية حتى عام 1973.

ورتبت اجتماعًا بين قيادات طالبان ومسؤولين أميركيين في واشنطن، وأصبح منزلها أشبه بسفارة مصغرة لرجال طالبان.

ورغم هذه المؤشرات لوجود خطوط اتصال غير رسمية بين واشنطن وطالبان وتنسيق لأغراض اقتصادية مع شركات غربية إلا أن عزلة طالبان لم تخف طوال فترة التسعينيات. وعزز من تلك العزلة استضافة طالبان لتنظيم القاعدة حيث أصبحت أفغانستان ساحة للتنظيم بقيادة أسامة بن لادن.

علاقة وثيقة ومضطربة مع القاعدة

وشكلت الحركة ملاذًا آمنًا للقاعدة في مرحلة عملها في ما تسميه القاعدة "الجهاد العالمي"، وكانت تلك المرحلة الأهم والأخطر في تاريخ حركة طالبان.

وكانت العلاقات بين القاعدة وطالبان وثيقة وفي الوقت نفسه مضطربة، ولكن مع هجمات 11 سبتمبر 2001 التي نفذتها القاعدة ضد الولايات المتحدة وجدت طالبان نفسها في مواجهة واشنطن والمطالبات بتسليم أسامة بن لادن.

وتحول البيت الداخلي في طالبان إلى ما يشبه غرفة عمليات حيث يتدارس ويقدر الموقف تفاديًا لضربة مدمرة لمشروعه في أفغانستان. لكن القرار حسم برفض تسليم بن لادن لتتدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها في الصراع الأفغاني وتقصي طالبان عن الحكم وتطاردها في كل أفغانستان.

ووجدت الحركة نفسها مستهدفة ومشتتة لتختفي بعدها في الجبال الوعرة. وبعد بضع سنوات بدأت طالبان بالعودة إلى الواجهة من جديد وعملت على ترتيب هيكلها الداخلي وبنيتها التنظيمية والقيادية وبرز فيها تيارات وتوجهات مختلفة تحمل في كل منها وجهة نظر في الشأنين السياسي والعسكري وتوازن وتقيم تجربتها السياسية وعلاقاتها السابقة.

ولم يكن سقوط نظام طالبان ومطاردة قيادتها وتشتتها في الجبال في مقابل محاولة الولايات المتحدة بناء دولة بديلة في أفغانستان إلا بداية لمرحلة جديدة من تاريخ أفغانستان.


المزيد عن نشأة الحركة وانطلاقتها في الجزء الأول من وثائقي "طالبان وتذكرة العودة"، ضمن سلسلة تتابعونها على مدى ثلاثة أسابيع عبر شاشة "العربي أخبار".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close