مرّ أكثر من عام على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، لكنّ هذه المدة لم تكن كافية لإرساء استقرار أمني واقتصادي في البلاد، ولا سيما أن العقوبات الأميركية على كابل لا تزال مستمرة.
فمع أنّ الاحتلال الأميركي من أفغانستان انتهى قبل عام، إلا أن آثاره لم تنته فصولًا وحده، خصوصًا بالنسبة للأفغان الذين عانوا الأمرّين بسبب هذا الاحتلال.
من هؤلاء عمران، الذي بدأت حلقات "المأساة" بالنسبة إليه وهو في الخامسة من عمره، حيث تقاسم مع شقيق مسؤولية 10 أيتام، تركهم شقيقاهما اللذان قضيا نحبيها في غارتين أميركيتين منفصلتين.
ويقول عمران الأفغاني لـ"العربي": إن ابن خالته وابن عمه وابن أخيه واثنين من إخوته سقطوا ضحايا في القتال ضد الأميركين، مضيفًا أن شقيقه الأكبر الذي كان يعد بمثابة الأب له تعرض لقصف أميركي قبل شهر من انسحاب واشنطن، ما يعده خلافًا لكل التعهدات والالتزامات التي قدمها الأميركيون في اتفاقية الدوحة.
وقضى مئات آلاف الأفغان إثر غارات وعمليات عسكرية أميركية وأخرى أفغانية بذريعة محاربة ما وصفته واشنطن بـ"الإرهاب"، في عمليات جعلت أفغانستان تتبوأ المرتبة الثانية عالميًا من حيث تصدير اللاجئين، الذين بلغوا بحسب إحصائيات أممية 2.5 مليون لاجئ، فضلًا عن نزوح أكثر من 3.5 مليون مواطن داخليًا.
وتقول حكومة حركة طالبان: إن 20 عامًا (مدة الاحتلال الأميركي) دمرت البنية التحتية للبلاد وأغرقتها في مستنقع أزمات أذكتها واشنطن بحصارها اقتصاديًا، وتجميد أصولها المالية في مصارفها، في أزمات فاقمت نسبة الفقر وهجرة النخب الأفغانية.
وفي المحصّلة، يقول مراسل "العربي": إنّ أفغانستان الغارقة في مستنقع أزمات تركها الوجود الأميركي، تعود بعد سنوات من العنف والدمار، إلى مربع البداية، فلا الديمقراطية الموعودة أرسيت، ولا العنف انتهى، ولا آمال الأفغان في الخروج من أزماتهم تحققت.
احتفالات في #كابل بالذكرى السنوية للانسحاب الأميركي من #أفغانستان pic.twitter.com/RTi0KdVebB
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 31, 2022
ما الذي حققته طالبان بعد الانسحاب الأميركي؟
وفي هذا الإطار، يرى رئيس مركز أفغانستان للدراسات والإعلام فضل الهادي وزين أن "حكومة طالبان استطاعت أن توفر الأمن بشكل نسبي في البلاد، حيث بات الوضع الأمني في ظل حكم الحركة أفضل بكثير من السابق، بالإضافة إلى توحيد البلاد بحيث أن طالبان أصبحت تحكم جميع الأراضي الأفغانية".
ويضيف في حديث لـ"العربي" من إسطنبول، أن من بين الإنجازات التي حققتها طالبان أيضًا هي مواجهتها تنظيم الدولة، وإدارتها للبلاد، ومحافظتها على قيمة العملة الأفغانية.
ويلفت إلى أن أفغانستان تفتقد للدستور بعد عام على حكم الحركة الإسلامية، موضحًا أن الحكومة التي تدير البلاد حاليًا هي حكومة تصريف الأعمال بحيث أنها تفتقد إلى برنامج سياسي اجتماعي واقتصادي.
ويشير وزين إلى أن الحكومة الحالية أخفقت في إجراء مصالحة وطنية، كما أنها تتهم باحتكار السلطة، مضيفًا أنها حكومة بلا أركان ولا مرجعية لها.
حرب أميركية "عبثية وبلا نهاية"
من جهته، يقول رئيس دائرة البحوث بالمركز العربي في واشنطن عماد حرب: إن المجتمع الأميركي اليوم "يرى أن الحرب الأميركية في أفغانستان كانت حربًا عبثية، ولهذا قام الرئيس جو بايدن بالانسحاب من البلاد، لأنه لم يكن هناك نهاية لها.
ويعتبر في حديث لـ"العربي" من واشنطن أن الوجود الأميركي في أفغانستان لم يكن موفقًا، بحيث كان الخسائر الأميركية ضخمة جدًا، مشيرًا إلى أن كابل لم تستفد كثيرًا من الوجود الأميركي.
ويخلص إلى أن المطلوب من الحكومة الأفغانية بالنسبة لإدارة بايدن أن تتصدى للإرهاب، والمطلوب من طالبان بشكل عام أن تقدم خطة عمل جديد لبناء دولة حديثة تحترم حقوق النساء والآخرين وحرية الرأي.